لما يصل الأمر عند الناس إلى المال يبدأون يبحثون عن مسوغات كما يقولون أخرج المال من كمك واجعله في جيبك، وكثير من الناس يسأل: أيجوز لي أن أعطي ولدي من زكاة مالي؟ وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال: {فتنة أمتي المال}، فالمال فتنة أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والمال فتنة قلة وكثرة، فالذي لا مال معه مفتون، والذي معه مال كثير مفتون، وأول فتنة أمة محمد في المال هي أن يضن الناس بالدينار، فالإمساك هو أول الفتنة، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: {إذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعتم بالعينة….}، فالناس يلجأون للربا، إذا ضن أصحاب الأموال منهم بأموالهم، ونحن نحتاج إلى محلات ونشرات ووعظ من الأئمة لأن يحيوا القرض الحسن بين الناس، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذانب البقر وتمسكتم بالأرض وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم}. فأول الذل إمساك الدينار والدرهم.
وبالنسبة لهدايا الناس فيما بينهم فإن العبرة ليست بالأسماء وإنما العبرة بالحقائق فأنت تقول: هذه هدية وهي في حقيقتها ليست هدية، وإنما هي دين في صورة هدية، ففي أعراف الناس من أعطى مالاً في مناسبة كالعرس مثلاً، ممن يعطي هذا المال يعتبره ديناً في ذمة الآخر، ويوصي به أبناءه، فمن يعطي قريباً له هدية، في مناسبة اجتماعية فإنه ينتظر ردها، أما إذا كان ليس من عادته العطاء، فلا يعطي في مناسبة وادخر هذا العطاء وأشعرهم أن هذا العطاء ليس له صلة بالمناسبة.
فالهدايا في المناسبات ليست هدايا في التكليف الفقهي الصحيح وإنما هي دين، لكن العلماء يقولون: قيمة الدين مسامح فيه، والفرق بينه ليس ربا، كالجار يأخذ من جاره رغيف خبز ويرجعه رغيف خبز، فليس مثلاً بمثل، لكن ليس هذا بربا، وهذا أمر معفو عنه، من باب عموم البلوى، ومن باب أن المقصد الشرعي من حرمة الربا غير حاصل في مثل هذه الفروق القليلة بين الهدايا، فلا يجوز للرجل أن يعطي أقاربه مالاً وينوي بها زكاة في المناسبات الاجتماعية، أما إن أعطاها في غير مناسبة، فالحمد لله، فالزكاة للرحم له عليه أجران، والله أعلم .