الشرع يريد للإنسان أن يعيش حياة مثالية، لكن هذه المثالية لا تتعارض مع طبيعة ولا تتناقض مع طبيعة الإنسان الخطاء، فهي مثالية تناسب طبيعة الإنسان من الخطأ والنسيان وما شابه، ولذا أذن الشرع بالفراق بعد الزواج، وجعل الشرع الفراق تارة بيد الزوج، وتارة بيد الزوجة، فإن كان الفراق بيد الزوج فهو الطلاق، وإن كان الفراق بيد الزوجة فهو الخلع، فللمرأة أن تختلع من زوجها إن كانت لا تستطيع أن تقيم دينها، والخلع والطلاق أمور استثنائية وليست هي الأصل، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: {المختلعات هن المنافقات}، وقال أيضاً: {وكسرها طلاقها}، والشيطان يفرح للطلاق.
والشرع لما أذن للزوج أن يتخلص من زوجته أمر بالإحسان وجعل لذلك قواعد يغفل عنها المطلقون، فلا أظن اليوم أن طلاقاً يقع إلا والمطلق آثم، فإن أغلب طلاق الناس اليوم ردود فعل نفسية ويقع بعدم ترتب وعجلة لأتفه سبب وهذا في الشرع غير جائز.
والطلاق في الشرع قسمان باتفاق العلماء: طلاق سني وطلاق بدعي، والطلاق السني أن يطلق الرجل زوجته في طهر لم يجامعها فيه، والطلاق البدعي أن يطلق الرجل زوجته وهي حائض، أو في طهر قد جامعها فيه، فأغلب الطلاق يكون والزوجة منفعلة نفسياً لاسيما في حال الحيض، ولذا الزوج الموفق ينبغي أن يراعي زوجته مراعاة خاصة في فترة حيضها، لأنها مريضة تنزف ولذا منع الشرع الزوج أن يطلق في الحيض.
وأغلب النساء إما أن تكون حائضاً وإما أن تكون طاهراً ويكون الزوج قد جامعها في ذاك الطهر، فإذا أراد الزوج أن يطلق زوجته طلاقاً سنياً فإن كانت حائضاً ينتظر حتى تطهر، وإن كانت طاهراً وجامعها في ذاك الطهر فإنه ينتظر متى ينتهي طهرها، ثم تحيض، ثم تطهر ثم يطلقها، فإن وقع الطلاق لم يأذن الشرع للمرأة أن تخرج من بيت زوجها في فترة الطلاق لمدة ثلاث حيضات، فتقضي عدتها في بيت زوجها، وتظهر زينتها ومفاتنها وعورتها على زوجها، ومتى وقع مس بشهوة أو قبلة بشهوة أو جماع انتهت العدة، ورجعت الزوجة، فحتى لا يقع الطلاق يحتاج ألا يمس ولا يقبل زوجته بشهوة، أو يجامعها مدة ثلاث حيضات، فباغتسالها من حيضتها الثالثة وارتدائها ثيابها تصبح أجنبية عن زوجها أما وهي تغتسل وقبل أن ترتدي ثيابها له أن يقول لها : أرجعتك.
فبالله عليكم أيكون حال الطلاق اليوم على ما هو عليه لو أن الناس اتبعوا تعاليم دينهم؟ فالطلاق اليوم حالة مرضية عنترية موجودة بسبب نقص الرجولة فعندما يشعر أن رجولته قد خدشت تصيبه العنترية فيطلق، فهكذا طلاق المسلمين اليوم، فهو بعيد بعد الأرض عن السماء عن شرع الله عز وجل، والطلاق يقع دون إسماع الزوجة، لكن بشروط.
ومن الأفكار التي ينادى بها اليوم بأصوات خافتة، وستظهر بقوة غداً وإن غداً لناظره لقريب، التقنيات التي تدعو ألا يعتد بالطلاق إلا على مسامع القاضي وهذا معارض للشريعة، لأن الشرع قلل من تدخل القاضي فيما بين الزوجين، لأنه يوجد ما بين الأزواج ما ينبغي ألا يطلع عليه أحد،حتى القاضي، لكن القوانين اليوم توسع من تدخل القاضي فيما بين الزوجين، ومن هذا التوسع المقترح، والذي أرجو الله أن يموت في مهده وألا يكلل بالنجاح، ألا يعتد القاضي بالطلاق، إلا إن كان على مسمعه فمن طلق في المحكمة فيقع الطلاق، وإن طلق خارج المحكمة فلا يقع، وهذا ليس من دين الله في شيء، فإنه لا يشترط لإيقاع الطلاق إسماع القاضي ولا إسماع الزوجة.
أما الحلف بالطلاق، فإن كثيراً من الأزواج إذا أراد أن يؤكد شيئاً أو يشدد في دعوة فلابد أن يقول: علي الطلاق، وهو يقول: أنا لا أريد الطلاق فإذا كان لا يريد الطلاق فلا يقع الطلاق، فهذا يمين وعليه كفارة اليمين، وهذا حاله كمن حلف على حرام كالمرأة التي نذرت أن تطوف بالبيت حاسرة الرأس، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تكفر عن يمينها فاليمين الحرام إن عقد القلب عليه فعليه كفارة.
لكن الحلف بغير الله حرام، فقد صح من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من حلف بغير الله فقد أشرك}، وصح عن بعض السلف أن كان يقول: لأن أحلف بالله كاذباً أحب إلي من أن أحلف بغير الله صادقاً، فالذي يحلف الطلاق ولم يرد الطلاق عليه الكفارة ولا تحسب طلقة.
أما طلاق المرأة وهي حامل فهو سني وليس بدعي، لأن الجنين الموجود في البطن يردع الوالد ويزجره عن أن يتعجل، وبعض العوام يعتقد أن المرأة إن كانت حاملاً لا يمضي عليها الطلاق، وهذا خطأ، فالحامل تطلق على كل حال وإن طلقها وكان قد جامعها من قريب، فطلاق الحامل سني دائماً.