نعم فإن مرض الإنسان سواء شاخ وكبر وأصبح هزيلاً، أو مرض مرضاً عارضاً، وكان مثلاً يقوم الليل ، ويصوم النافلة، فإن الأجر والقلم يبقى على ما كان عليه. ومن فضل الله ورحمته أنه يكتب له في مرضه خير أجر كان يعمله في صحته، كما صح عند أحمد من حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : {إذا اشتكى العبد المسلم قال الله تعالى للذين يكتبون : اكتبوا له أفضل ما كان يعمل} وفي رواية أخرى عند أحمد : {إن العبد إذا كان على طريقة حسنة من العبادة ، ثم مرض، قيل للملك الموكل به : اكتب له مثل عمله إذا كان طليقاً } وفي رواية أخرى صحيحة على شرط الشيخين عند أحمد : { ما من مسلم يصاب ببلاء في جسده إلا أمر الله الحفظة الذين يحفظونه أن اكتبوا لعبدي في كل يوم وليلة من الخير ما كان يعمل}.
فينبغي لذلك للسليم أن يغتنم صحته قبل مرضه وينبغي للشاب أن يغتنم شبابه قبل هرمه. ((ونعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ)) فهاتان نعمتان جليلتان عظيمتان من الله على العبد؛ أن يكون صحيحاً سليماً وأن يكون عنده الفراغ . وما أكثر الفراغ هذه الأيام وما أكثر أسباب اللهو وإضاعة الوقت .
وكان قديماً الذي يضيع ماله سفيهاً يحجر عليه، والمال إن ذهب قد يعود، ولكن الأشد سفهاً الذي يضيع وقته؛ فإن الوقت إن ذهب لا يعود أبداً. وإن أردتم أن تعرفوا دين الرجل وعقله ، فانظروا استغلاله وقته، فإن كان يستغل وقته فهو يحفظ رأسماله، وإلا فاغسل يدك منه . فمن ضيع وقته يقتل نفسه . وكان الحسن يقول : (( أدركت أقواماً أحرص على أوقاتهم من حرصكم على دنانيركم ودراهمكم )) وكان يقول (( ابن آدم إنما أنت أيام، فإذا مضى يوم مات بعضك )) فاليوم الذي يمضي يموت منا، فنتقدم إلى الآخرة وإلى الموت شئنا أم أبينا كل يوم .