السؤال الثالث: ما هو سبب تعدّد المذاهب عند الصحابة؟

الجواب: الصحابة رضي الله عنهم كانوا في المدينة بين مُقلّ ومُكثِر في الجلوس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين ناقلٍ وبين فقيه، وبين من يغشى مجالسه ممن يأتي من أطراف المدينة ومن خارج المدينة أحيانا، ثم لمّا مات النبيّ صلّى الله عليه وسلم بقي أبو بكر وعمر حاجزين الصحابة في المدينة خصوصا الفقهاء الكبار، فلم يأذن عمر أن يخرج الكبار من الفقهاء من المدينة،و كان يقول إذا نزلت بي نازلة ماذا أفعل؟

وهذا أصل في الإجتهاد الجماعي.

يا ليت في النوازل الكبار أن يجتمع الفقهاء والعلماء المعروفون الصادقون ويتكلمون فيها، ما يتكلمون بقول واحد، فللأسف هناك مصائب تمارس تحت اسم الفتوى.

لما مات عمر، أذن عثمان للصحابة أن يخرجوا فخرج الصحابة وانتشروا في البلدان فكانوا أكثر ما كانوا في العهد الأول الأنور في العراق في الكوفة والبصرة. الكوفة وصلها ألف وخسمئة صحابي، وهي العاصمة الثانية للإسلام في عهد علي بن أبي طالب، لما اتسعت رقعة الإسلام جهة الشرق رأى علي رضي الله تعالى عنه أن ينقل عاصمة الإسلام من المدينة إلى الكوفة؛ فالصحابة رضي الله عنهم ذهبوا إلى محل الفتوحات و محل الحركة كما يقولون، وكان الصحابة في الكوفة والبصرة، وأغلب الأحاديث النبوية إن رأيت الصحيحين وجدت طبقة التابعين وأتباع التابعين يعني قبل الصحابة طبقة وطبقة اثنتين أو ثلاثة، أغلب أحاديث الصحيحين من البصرة أو الكوفة؛ فانتشر الحديث من هناك.

لذا قال أبو يعلى الخليلي في كتابه الإرشاد: الحديث النبوي بذرة كانت في المدينة فنمت وترعرعت في البصرة والكوفة فأينعت وأثمرت ما وراء النهر، فقطف الثمار البخاري من بخارى ومسلم من نيسابور والنسائي من نسا وابن ماجه من قزوين وأبو داوود من ساجستان، فهؤلاء الذين قطفوا هذه الثمرة.

فالشاهد أن الصحابة افترقوا في بلدان، ومع افتراقهم بقي شيء من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في صدورهم فكانوا يسألون فكانوا يجيبون، فبعضهم وبعض تلاميذهم كانوا يجيبون في مسائل بالرأي والإجتهاد وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة قولاً فصلاً هو ليس عنده، وإنّما عند صحابي آخر مثلا في الشام ،أو صحابيّ شاميّ يقول قولا اجتهادا من عنده والصحابي الذي سمع النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة هو في الكوفة، فتوزّع الصحابة وتوزّعت وتعددت الآراء.

أسباب الإختلاف كثيرة جدا من أهمّها عدم بلوغ الأحاديث، ولذا بعض الأحاديث بلغت بعض الأئمة الكبار ولم يتثبتوا من صحتها، لأنّ الحديث ما كان قد دوّن.

فالإمام الشافعي رحمه الله تعالى له عشرات المسائل يفتي فيها بقوله إن صح الحديث فهو مذهبي، فعلّق الفتوى على صحة الحديث.

أسألكم أيهما المتقدم وأيهما المتأخر؟

علماء الحديث الذين دوّنوا الحديث أم الفقهاء؟

يعني أيهما متقدم على الآخر؟

أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله جميعا أم البخاري ومسلم وأصحاب الحديث؟

البخاري ومسلم متأخرين.

يعني هل هم نقلوا الحديث من دون فقه؟

معاذ الله.

هم فقهاء، هم من كبار أهل العلم؛ ولذا حصل مذهب يسمى مذهب الفقهاء، وحصل مذهب يسمى أهل الحديث، فمذهب أهل الحديث ليسوا ملزمين بقول أحد، إلا بقول النبي صلى الله عليه وسلم.

إلزام مذهب يحتاج لدليل.

كل الأدلة في القرآن والسنة تأمر باتباع الكتاب والسنة وليس اتباع أشخاص، ولم يكن في ديننا أبدا أن نتبع شخصا، لا يجوز أن نلتزم بقول رجل دون سواه، فنحن من محبتنا للأئمة الأربعة وغيرهم، نتخير من أقوالهم ونترحم عليهم ونقول ما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا أخطا فله أجر واحد.

والله تعالى اعلم.

⬅ *مجلس فتاوى الجمعة.*

16 جمادى الأولى1439هـجري.
2018 – 2 – 2 إفرنجي.

↩ *رابط الفتوى:*

⬅ *خدمة الدرر الحسان من مجالس الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان.*✍✍

⬅ *للإشتراك في قناة التلغرام:*

http://t.me/meshhoor