السؤال: الأخ يسأل عن صلاة الفجر، بعض المساجد لا يلتزمون بالوقت المحدد سابقاً، ففي رمضان يُقيمون الصلاة بعد الأذان بخمس دقائق، فما حكم الصلاة إذا أُقيمت مباشرةً بعد الأذان؟
الجواب:
أولاً: بارك الله فيك، الأردن على صغرها مدينة ذات جبال.
شاركتُ في ورشة عمل حول ضبط الأوقات، وجاء خبراء من عدة بلاد، وكان موضوعها المعادلات الحاسوبية في ضبط الأوقات في مصر، والعراق، وقطر.
وهم خبراء معروفون وأسماء معروفة في العالم الإسلامي، يعتمدون نظام الحاسوب، وهذه المعادلات ما كانت تُراعي موضوع الارتفاع، لأن هذه البلاد كلها ليست فيها جبال كبلادنا، فكان يظهر من خلال اعتماد هذه البرامج عَوار في موضوع الأوقات.
أنا ممن دُعيت لمنطقة من مناطق ناعور بالأردن، وشيخنا الألباني -رحمه الله- كتب هذا في كتابه السلسلة الصحيحة المجلدة السادسة.
دعانا بعض إخواننا جزاه الله خيرا لتناول الطعام، وقدم لنا الطعام، وأذن المؤذن، ولما أردنا أن نشرب رأينا قرص الشمس بتمامه وكماله أمامنا.
أمامك قرص الشمس كامل وأذّن.
وأخونا المُضيف يقدم الشراب والتمر، والشمس أمامنا بالتمام والكمال وهذا الكلام أظن في عام ( ١٩٩٧) فكان هناك خلل.
مع أن المعادلات يقينية، لكن المعادلات هذه تلاحظ البلاد التي من حولنا.
تبين لي أن المركز الجفرافي الملكي نقطة الإرتكاز في التوقيت الموجود في تلاع العلي.
الأماكن البعيدة، أجمعت الكلمة في أثناء البحث أن شرق سحاب غير تلاع العلي، وهناك فرق قرابة (١٣ – ١٤) دقيقة في الوقت.
الكلام متشعب وطويل ولا أريد أن أطيل.
أولاً: تبين أنه نحتاج في الأذان الموحد إلى أكثر من خارطة للأردن، ما تصلح خارطة واحدة لكل الأردن.
مثلاً: الرصيفة إذا لم تتبع عمان في الأوقات؛ فهي أقرب في اتباعها للزرقاء من عمان في التوقيت، في الرصد النظري.
وقامت أثناء الورشة مجموعة رصدوا الوقت بالعين.
فأنت تسألني وتحدثني: أين أنت؟
وأنا يجب أن أنظر.
فالذي يقول: والله بعد ربع ساعة، بعد ثلث ساعة لطلوع الفجر: هذا خطأ.
ربع ساعة وثلث ساعة، هذا شيء تقديري.
أنت الأن تسأل عن إقامة الصلاة، وعن الطعام والشراب، فيجب أن أضبط الوقت في المكان الذي أنت فيه، هذه واحدة.
الثانية: الأمر القبيح جداً أن الناس يأكلون ويشربون هكذا على الهوى، هذا يأكل ويشرب بعد الأذان بربع ساعة، وذاك بعد خمس وعشرين دقيقة، وبدون ضبط، هكذا بالهوى.
أنت شربت بناءً على ماذا؟.
الخبر من أين جاءك؟.
إذا رصدت أين رصدت؟.
صحيح أن بلادنا صغيرة، ولكنها بلاد مباركة وجبال، والجبال ترصد من مكان لمكان.
فأنت إذا ما ضبطت وتيقنت ليس لك أن تقلّد غيرك.
يجب تكون ضابط المكان الذي أنت فيه، وتكون صاحب خبرة.
أما أن لا تكون صاحب خبرة، فذاك يقول: عشر دقائق وذاك يقول: خمسة عشر دقيقة، وذاك يقول: ثلاثون دقيقة، من أين ذلك؟ وممن يُقبل ذلك؟
فالذي لا يعلم الواجب عليه أن يتقيد بالاذان، متى أذن المؤذن عليه أن يُمسك.
أما الذي يضبط فيحرم عليه أن يثير فتنة؛ فإذا أراد أن يأكل ويشرب: يأكل ويشرب وحده، بعد أن يكون خبيراً، وبعد أن يكون متيقناً على عمله.
أما هكذا الأمور تترك للهوى فهذا الأمر لا يشرع.
فمن يسأل الأن أنه أنت تقول للمصلي متى يصلي؟
أنا قلت: تضبط الوقت.
فمن لم يضبط الوقت: إن صلى مع الإمام وهو لا يعلم: فالإمام ضامن، كما في رواية عند أبي داوود ٥١٧ وصححه الألباني.
يعني: إذا أنا صليت مع إمام وأنا لا أعرف الوقت فالإمام يضمن.
أما إذا كنت أعلم الوقت فقد أخبرنا النبي ﷺ: في الحديث: “كيف بكم إذا أتت عليكم أمراء يصلون الصلاة لغير ميقاتها قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك يا رسول الله؟ قال: صل الصلاة لميقاتها واجعل صلاتك معهم سبحة” رواه أبو داود ٤٣٢ وصححه الألباني.
ما معنى سُبحة؟
نافلة.
فالذي ضبط الواجب عليه أن يتحقق من الصلاة.
ولذا لماذا يتعجل الناس في الصلاة؟
لماذا يتعجل الناس في الإقامة؟
لماذا لا يبقوا في دائرة الأمان كما يقولون، ويبقون على حالهم؟.
لا نحتاج إلى قيام الليل مع تضييع فرض الفجر، يعني ما نحتاج نقوم الليل اذا ترتب على إقامتنا للليل تضييع فرض الفجر.
وعلماؤنا رحمهم الله تعالى منذ القدم يشكون أن الناس يصلون الفجر في غير وقتها، وممن شكا من هذا الحافظ ابن حجر في فتح الباري.
قال رحمه الله تعالى: (من البدع المنكرة ما أحدث في هذا الزمان من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة في رمضان، وإطفاء المصابيح التي جعلت علامة لتحريم الأكل والشرب على من يريد الصيام، زعماً ممن أحدثه: أنه للاحتياط في العبادة، ولا يعلم بذلك إلا آحاد الناس، وقد جرهم ذلك إلى أن صاروا لا يؤذنون إلا بعد الغروب بدرجة، لتمكين الوقت زعموا، فأخروا الفطر، وعجلوا السحور، وخالفوا السنة، فلذلك قل عنهم الخير، وكثر فيهم الشر، والله المستعان) فتح الباري (٤/١٩٩)
قوله: ( بعد الغروب بدرجة):أي: بثلث ساعة.
الشيخ صالح المقبلي في كتابه (العلم الشامخ)، يقول: الذي يطوف حول الكعبة ويصلي الفجر لو أنه صعد على جبل أبي قبيس.
تعرفون جبل أبي قبيس؟
جبل أبي قبيس كان بجنب الكعبة بالضبط وزال الآن.
قال: لو أن الواحد منهم بعد أن صلى الفجر، صعد على جبل أبي قبيس لوجد أن الفجر لم يطلع.
في مكة كانوا قديماً يصلون قبل الوقت، ونبه على هذا أكثر من عالم من العلماء السابقين.
شاركت أيضاً في ندوة أخرى في القدس قامت على التلفون، وسردت أقوال اثني عشر عالما، يرون أن الأوقات في زمانهم على اختلاف بلدانهم واختلاف أماكنهم كانوا يشكون من وقت الفجر.
فالظاهرة التي يُشكى منها موجودة، وليست جديدة، هي ظاهرة قديمة.
لكن: الواجب ضبط الأمر، وعدم السماح للخوض في مثل هذا الأمر الدقيق، كأن يُخاض فيه بجهل، أو بهوى، أو يُخاض فيه بغير علم، أو يُتكلم فيه من غير عُدَّة، ومن غير المتخصصين.
اليوم هم يقولون: نحن نؤخر ونقدم الفجر والمغرب بقليل، تمكين للوقت، يعني نقدم الفجر ثلاث أربع دقائق، نؤخر المغرب ثلاث أربع دقائق، قال: تمكينا للوقت.
فأنت الآن لما تصلي بعد الفجر بأربع دقائق من الوقت فالوقت بعد ما دخل، حتى على من زعم ووضع الأوقات، فالوقت بعد ما دخل.
وهذا أكثر ما يلزم النساء في البيوت، المرأة الصالحة تقوم الليل في البيت، ولعلها لا تنام ولعلها ترى الأسهل لها أنها تعد السحور، وتخدم أولادها وزوجها.
وبعض النساء مجرد ما يؤذن الفجر، تصلي الفرض وتنام، يعني: مجرد ما يؤذن الفجر.
فأقول لها: لا يا أختي انتبهي، تأخري قليلاً، لا تصلي بعد الأذان مباشرة، اجلسي لك نصف ساعة، انتبهي هذا أحوط لدينك، وأحسن وأورع وأبعد عن القيل والقال.
فأنا ما أستطيع أن أقول أن صلاة من صلى كذا باطلة، إلا بعد أن يتثبت الإنسان، ويكون من أهل الخبرة ويتيقن على الرؤيا.
لعل هذه المعالم تفيد في مجمل الجواب وأحواله.
مداخلة من أحد الحضور:
إخواننا الذين يرصدون ويطَّلعون، ممن جمعوا بين العلم في هذا الباب وعلم الشريعة يقولون: أن البحرية الأمريكية لها برنامج على التلفونات، وبرنامجها أدق البرامج في ضبط الأوقات ومعرفة الأوقات للأسف، وهم يفعلون هذا لحركة الرياح وطريقة السفن، فيما يخصهم.
والله تعالى أعلم.
⬅ المجلس الثالث من مجالس الوعظ في شهر رمضان لعام ١٤٣٩ هجري.
↩ *رابط الفتوى:*
⬅ خدمة الدرر الحسان من مجالس الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان.✍✍
⬅ *للإشتراك في قناة التلغرام:*