السؤال الحادي عشر:
هل صحيح أنَّ حُضور الغُروب في عرفة يجزئ عن الحاج أم عليه أن يقف بعرفة طِوال اليوم، وما حُكُم من تتبعَ الرُخَص في الحج لِيُجَنِّبَ أهله المشقة؟
الجواب :
اختلف أهلُ العلم في المقدار الواجب تَحقُقُه في عرفة
وأسهل المذاهب مذهب الإمام أحمد *فمن وقف في عرفة في أي ساعة من ليل أو نهار أجزأه،* بناءً على قَوْل النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا سأله بعض الأعراب فقال: يا رسول الله إني أتعبتُ نفسي واكللت راحلتي فما وجدت جبلاً إلا ووقفتُ فيه.
“هو أصلاً لا يعرف عرفات يعرف أنَّ هُنالك جبل اسمه عرفة يجب أن يقف عليه”.
فيقول أتعبتُ نفسي وأتعبتُ راحلتي فجئتك -وقد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم في مُزدلفة وصلى معه الفجر في مُزدلفة- يقول يا رسول الله ما رأيتُ جبل أو تلة إلا وقفتُ قليلاً ونزلت ، فلا أعرف عرفة أين من الجبال؟، وأدركتك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: *من أدرك عرفة في أي ساعة من ليل أو نهار فقد قضى تفثه وأتمَّ حَجَّه.*
استدل الشنقيطي رحمهُ الله بهذا الحديث فقال: هذا الحديث له منطوق وله مفهوم.
منطوقه: أنَّ عرفة لابُدَ مِنَ الوقوف بها.
مفهومه أشياء منها :
أنك لو وقفتَ في عرفة قبل الفجر بلحظة (فمعناها المَبيت في مُزدلفة ليس ركناً، ولكنه واجب للنُصوص الأخرى، لكن ليس ركناً لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: فقد قضى تفثه )، والعلماء أيضاً يستفيدون منه أنَّ مَنْ وَقَفَ بعرفة وهو لا يعرف فحَجَّهُ صحيح فاستفادوا منه لو أنَّ رجلاً مَرِضَ أو أُغمِيَ عليه فحمل بحمَّالة وهو مَريض لا يَعي ولا يدري ماذا يجري حوله، فَحُمِلَ بالحمَّالة فأُدخِلَ على عرفة ووقف بعرفة فحجُّه صحيح قالوا: فحجُّه صحيح.
فالرجل الذي جاء النبي صلى الله عليه وسلم: لا يعرف أينَ عرفة.
فالشاهد أنَّ أي ساعة من ليل أو نهار تجزئ.
لكن ما هي السنة؟
السنة التي اتفق عليها أهلُ العلم أن يكون الوقوف بعرفة بعدَ الزوال( بعد الظهر) وأن يَبقى الحاج واقفاً بعرفة حتى غروب الشمس فإذا سَقطتِ الشمس نَفَرَ إلى مُزدلِفة.
وذهب المالكية وغيرهم إلى وجوب إدراك جزء من الليل وجزء من النهار في عرفة قالوا: من لم يُدرك جُزء مِنَ الليل وُجزء مِنَ النهار فهذا عليه دم.
فالواجب أن تُدرك شيئاً مِنَ النهار وشيئاً مِنَ الليل، لكن حديث الأعرابي يُدلِّل على صحة الإجزاء وأنه ليس هُنالك دم، لكن هُنالك مُخالفة للسُنَّة العملية التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
أمَّا التتبُع لذاتِ الرُخَص فهذا ممنوع، وأمَّا إن كُنتَ طالبَ علم وأردتَ أن تُجنِّبَ نفسك وأهلك المشقة فأخذتَ بالرُخَصِ المُقررة عند العُلماء بأدلتها فهذا أمرٌ لا حرج فيه.
فقد كان قَتادة رحمه الله تعالى يقول: الفقهُ رُخْصَةُ من ثقة.
فإذا رَخَّصَ لك إنسان ثقة وأعطاك شيئاً يُبعد عنك المشقة فلا حرج، فالمشقة في شرع الله تعالى لا تراد بذاتها.
قال تعالى: “ما جعل عليكم في الدين من حرج “.
قال تعالى: “يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر”.
وما خُيِّرَ النبيُ صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيْسَرهُما ما لم يكن إثماً.
وأما تتبُع ذات الرخص وإن خالفت النُصوص فقد قال غير واحد من السلف منهم أيوب السختياني وغيره قال: من تتبَع الرُخَص فقد تزندق.
وقال غيره: إذا تتبعتَ الرُخَص اجتمع فيك الشَّرُ كُلُّه.
والله تعالى أعلم.
⬅ مجلس فتاوى الجمعة
15 – 7 – 2016
↩ رابط الفتوى :
◀ خدمة الدرر الحسان من مجالس الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان ✍?✍?