السؤال:
بعض الطلاب عندما يختمون القرآن يحبون أن يُكرموا أصحابهم وزملائهم؛ فيأتوا بطعام إفطار في المركز، وليس هذا على سبيل التداعي، ولا هو على سبيل الإلزام ولا الاستمرار، فبعض طلبة العلم أنكر هذا وقال: هذا بدعة، فنريد جوابكم بارك الله فيكم؟
الشيخ : جزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين.
من المعلوم وهذا من المُقررات عند طلبة العلم: أن الأصل في المُعاملات الحِل، والأصل في العبادات المنع.
– فالأمور التي تقوم على المُعاملات: لا نُفتي بحرمتها ولا بحِلِّيَّتِها إلا إن وجد الدليل.
– والعبادات: لا نُفتي بمشروعيتها إلا إن وجد الدليل.
ولذا قال النبيﷺ للسيدة عائشة رضي الله عنها: (مَن عَمِلَ عَمَلًا ليسَ عليه أمْرُنا فَهو رَدٌّ.) (مسلم ١٧١٨).
-فالعمل وهو العبادة لا بد أن يكون عليه أمر النبي ﷺ.
– كذلك قال الله عز وجل: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ} [الشورى: ١٣].
– ونعى الله على أقوام فقال: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۗ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الشورى: ٢١].
– فالأصل في المشروعية وهي -العبادات-: المنع، والأصل فيها أن تكون تحت أمر النبيﷺ.
– الآن الأمر الذي لم يثبت فيه شيء فيُنظر: هل هو من العبادات أم أنه من العادات؟
– فإن كان من العبادات: فالأصل فيه أن يكون عليه أمر النبيﷺ.
– وأما إن لم يكن من العبادات؛ وإنما كان من العادات فنقول:
ما هي العادات؟
الجواب: الكلام والأكل والشرب والذهاب والمجيء والسفر والانتقال كلها عادات.
– لذا الله عز وجل مَنّ على قُريش فقال: {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ} [قريش: ١-٢].
ومن بديع كلام الإمام القرطبي في التفسير لهذه الآيه قال: منها يُستنبط جواز إتخاذ المصيف والمشتى.
يعني: رجل مبسوط عنده بيت في الصيف، وبيت في الشتاء؛ فالله يقول: {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ} [قريش: ١-٢].
فهذا أمر مباح ما فيه شيء.
– الآن: خاتم القرآن-الذي يختم القران-، سواء كان يختم خِتمة على شيخ، أو يختم وحده، يختم بحفظ، أو يختم ختمة تلاوة، أو يختم ختمة تعبُد وتألّه وتقرب من الله عز وجل: فهذا في عبادة عظيمة من العبادات.
وقد ثبت عند الدارمي في المقدمة عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: أن لكل من ختم القرآن دعوة مستجابة.
وكان بعض التابعين يختم على أنس فجاءه، وهذا أيضا عند الدارمي فقال: إن ختمت فأخبرني.
فكان الدعاء يَرغَبُ فيه من قبلنا عند الختم، ودعاء الختم دعاء مأثور ثابت عن جمع من الصحابة.
فأقول بارك الله فيكم: أنّ لخاتم القرآن دعوة مستجابة.
كان من عادة الإمام أحمد رحمه الله، وقد كان يختم القرآن كل أسبوع، فيقول صالح في كتابه (سيرة أبي) قال: (أبي كان يجمعنا يوم الجمعة بعد العصر ويختم ويدعو ونحن نُؤمِّن).
اُنظُر هذا الوالد المبارك كل يوم جُمعة عنده خِتمة، وعنده دعاء الخِتمة متى يكون؟
– يكون يوم جُمعة بعد العصر.
وأتوسّع قليلا: دعاء ختم القرآن في الصلاة في قيام الليل هذا ماذا يسمى عند العلماء؟
الجواب: هذا يسمى التّداخل في العبادات.
الإمام أحمد داخَلَ بين أمرين:
– بين دعاء ختم القرآن.
– وبين ساعة الجُمعة المستجابة بعد العصر.
– فمنه اعْتَمد على مَن داخَل بين دعاء ختم القرآن مع صلاة قيام رمضان، فكان هذا أصل لمن رأى هذا مشروعا.
إذاً: دعاء ختم القرآن أمر حسن، ولا حرج فيه.
– أما موضوع الطعام والشراب: إن اتُّخِذ هذا العمل ليس من باب العبادة وفُعِل وتُرِك: فلا حرج في هذا.
وهذا أشبه ما يكون بكلام علمائنا الكبار رحمهم الله تعالى لما ختموا كتبهم.
اُنظر الآن إلى فتح الباري: الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى لما ختم فتح الباري، وقد مكث ستة عشر عاما وهو يكتب فيه، وفتح الباري كان يكتبه ويوزعه على نبهاء الطلبة، وطلبة الحافظ ابن حجر العلماء منهم كُثُر، وكان يتناقش وإياهم حتى أكرمه الله تعالى بأن كتب هذا الكتاب البديع الذي اعتبره أهل العلم كتاب الإسلام الذي هو كتاب فتح الباري.
وكان شيخنا الألباني رحمه الله يقول: كتاب الإسلام فتح الباري، ورأيت هذا من كلام السخاوي رحمه الله.
الشاهد: فتح الباري لما ختمه صاحبه أولم وليمة لأهل القاهرة، أطعم أهل القاهرة لما ختم فتح الباري، لما فرغ منه.
أحد الحضور: يبدو أنه كان غنيا؟.
الشيخ: الحافظ ابن حجر صحيح كان غنيا.
كان قاضي قضاة الشافعية في زمنه، وقاضي قضاة الشافعية هو الشخصية الأولى المقدم في العالم الإسلامي، وكان نائبا على أكابر دور المخطوطات في القاهرة، كل كتب العالم كانت بين يديه.
أنا العبد الضعيف كتبت كتابا بعنوان (مُعجم المصنفات في فتح الباري)، أظن سمينا قرابة ١٤٥٦ كتابا في فتح الباري، ثم تبين لنا أنه فاتنا شيء قليل.
فالشاهد الله يوفق الجميع لما يحب ويرضى: هذه عادة.
أنا الآن أسألكم سؤالا، والسؤال مهم وفيه شيء.
الأعياد وزيارة الرحم في الأعياد: هل هي عبادة أم هي عادة؟ وهل هي مشروعة أم ممنوعة؟
الجواب: عادات.
ولماذا هي عادات؟
– كان الناس قديما يعيشون في مَحِلَّةٍ واحدة.
وللآن: أنا دخلت في بعض الأماكن في المدينة النبوية فيها قبيلة حرب مثلا ولهم مجلس، والمجلس سماوي مكشوف بين الأزقة وبين الدور تجتمع فيه العوائل، يجتمعون يسهرون، يعني يجلسون ويتسامرون.
فكان الناس قديما في أوقات الأفراح أو الأتراح هم يلتقون تحصيل حاصل، يعني ما في نعمل بيت شعر، هم ميّالون لهذا يجلسون لهذا.
فالقول: إنه الآن أنا مع إخواني وأخواتي وأقاربي كل واحد أصبح في بلد، والآن لما نجتمع نحتاج أن نسافر أو نركب السيارة.
حتى الآن في الأعياد غير الأول، ما كان الناس هكذا كالحياة التي نعيش، كان الناس يعيشون في مكان واحد وكل يوم يجتمعون.
فبعض إخواننا لا يفقه هذا.
بلغني واحد اتصل بي مرة يقول: عمه هو الجار في الجار -الحيط بالحيط-، وعمه مات؛ فقال: بأنه لا يذهب ويعزي، فإذا ذهبتُ هذا بدعة!!!.
هذا هو البدعة وما فعله.
فالمسألة تحتاج إلى ما يسميه علمائنا السابقون:
– المُقتضي قائم أم غير قائم؟
– وفعل أو تُرك قديما؟
– كيف كان الفِعل؟ وكيف كان الترك؟
و الموفق من وضع الأشياء في أماكنها.
هذا بإيجاز.
والله تعالى أعلم.✍?✍?
رابط الفتوى: