[تفصيل حول مسألة رضاع الكبير – لفضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان حفظه الله]
السؤال:
أحد الإخوة أخذ ولداً من الملجأ ، وعمره خمس سنوات فهل يجوز لزوجته أن ترضعه؟
الجواب الشيخ مشهور حسن آل سلمان:
قلت رضاع الكبير مسألة مما وقع فيها خلاف ، وجَـوَّز رضاع الكبير غير واحد من أهل العلم ، وممن تكلم عليها بشدة مجوزاً كالعادة الإمام ابن حزم في كتابه المحلى ، ثم تابعه على اختياره جمع وعلى رأسهم شيخ الاسلام ابن تيمية ، وابن القيم ، في جماعات من العلماء المفتين أو الفقهاء من سائر المذاهب.
وبالمناسبة -وهذه فائدة عزيزة نفيسة- لا يعرفها إلا الباحث الذي يتعنى البحث ، أي نحتاج لدراسة شاملة في أثر ابن حزم على ابن تيمية.
ابن تيمية متأثر جداً بابن حزم ، ولكنه رفض جموده وعدم تعليله للأحكام الشرعية ، لكنه ما أهدره ، وإنما أقام له وزناً كبيراً ، بل اعتمد عليه في مسائل كثيرة خلافاً لمذهب الإمام أحمد ، مع أنه يقال أن ابن تيمية حنبلي في المعتقد إلا أنه أخذ أشياء من ابن حزم في المعتقد ، مثل العذر بالجهل.
ابن حزم ما وجد في كلام الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله وجوداً للعذر بالجهل فأخذ المسألة ، وقرر المسألة على النحو الذي ذكره ابن حزم رحمه الله.
فالشاهد مع أنه ضلل ابن حزم في وقوفه على ظواهر الصفات ، وقال عنه جهمي جلد وأخذ كتابه البديع “الصفدية” لشيخ الإسلام ، أخذ مساحة واسعة جداً في الرد على مذهب ابن حزم في موضوع الصفات.
فشيخ الإسلام لا يقلد وإنما شيخ الإسلام يعتمد القول بعد البحث وبعد العرض على الأدلة ، والأدلة النقلية هي الأصل في تقريره رحمه الله.
نعود لمسألة ارضاع الكبير ، وقلنا هذه المسألة أصبح يُـتَندَّرُ فيها ، وأصبح الناس يذكرونها من باب التشنيع والتبشيع ، ولا سيما الطاعنين في أهل الأثر ، والغامزين في شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
وأنا أوافقهم في هذا الغمز ، وفي هذا التشنيع في صور دون صور.
فالصور التي يغمزون فيها لا يقول -بمشروعية رضاع الكبير فيها- لا ابن حزم ولا ابن تيمية ، يأخذون بصور ليست شرعية ، ولا تقبل أن تندرج تحت الضرورة التي ذكرها من جوز رضاع الكبير.
الأصل في رضاع الكبير أن سالما مولى أبي حذيفة كان صغيراً قد شب أو قد ظهر شاربه ، ولد صغير كبر ، أصبح يعني أي في ريعان في بدايات الشباب ، لما يخط الشارب ولم يظهر بعد.
يعني يصبح عمره 14 سنة ، 13 سنة قبل هذا بقليل ، بعد هذا بقليل ، كان يدخل على عائشه فكانت تجد في نفسها حرجاً من دخوله عليها.
تجد في نفسها حرجاً تراه كبير ، فشكت للنبي صلى الله عليه وسلم ، فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم أن ترضعه أحد أخواتها ، لتكون له خالة من الرضاعة ، ففعلت ، فذهب ما في نفسها.
فالحكم الفقهي مع الأمر الجبلي الذي جبل الله الناس عليه ؛ أمران متفقان ، وليسا بمختلفين ، ولذا قال العلماء في قواعدهم ، وهذه مسألة تحتاج لتطويل وكلام كثير ، لكن قالوا ما حُرِّم بالطبع ؛ حُـرِّم بالشرع ، فالإنسان مثلاً -أجلكم الله- لا يشرب البول ولا يأكل الغائط بالطبع ، فتحريم الطبع كتحريم الشرع ، وهذه مسألة مذكورة ذكرها السعدي في المنظومة ، وذكرتُ شرحها في كتاب التعليقات الأثرية.
الشاهد أن ارضاع الكبير تقتضيه الضرورة في بعض الصور ، مثل غزة مثلاً ، مثل سؤال الأخ ، ذهب إلى ملجأ ، ووجد ولداً صغيراً ليس له أهلا ، قد يكون ابن الزنا ، من آثار الحروب التي تقع بين الشعوب وبين الأمم وفي الدول ، كما حصل في دول البلقان قديماً ، حصلت مجازر عظيمة للمسلمين وأخيراً تجلت في سنة 79 لما دخل الصرب على كوسوفو وذبحوا ، يعني حدثني بعض الإخوة قال ذبحوا أبي وأهلي كلهم أمامي ، وأنا أنظر ذبحوهم ذبحا ، فلما زرنا بعض أطراف كوسوفو ، وكانت قريبة من الصرب ، وهناك مقبرة للصربيين ، فكان الكوسوفيين يرفعون أصواتهم بالدعاء عليهم ، لأنهم ذاقوا منهم الويلات.
فالشاهد تجد عبر مخلفات هذه الحروب ذكر أو أنثى في عمر 10 سنين ، هذا لا يستطيع أن يقوم بالحياة اللازمة التي فيها الحفاظ على النفس ، والحفاظ على العرض ، والحفاظ على العقل ، والحفاظ والتربية ، التي فيها شيء من البقاء على مقومات الإنسان إلا بأن يضمه من هو أكبر منه إلى أسرته ، فهؤلاء ماذا يفعل بهم؟
هذه صورة من صور رضاع الكبير ، ولا يمكن لأحد أن يصادرها ، وأن يمنعها.
علماؤنا لما قالوا برضاع الكبير قالوا به للضرورة ولم يطلقوه.
حصلت مقابلة تلفزيونية بين مفتي وبين مذيعة وكان ذلك في مصر أسأل الله أن يحفظها ، فتقول المذيعة مبادرة:
اجتمعت وإياك فيه خلوة ، وهذه خلوة محرمة ، فالأزهري
كعادة الأزهريين اللادينيين ، قال إذا ترضعيني رضاع الكبير أخرجي ثديك وأرضع منك!
هذا مهزلة ، هذا استهزاء بالشريعة ، وكل من يتندر في موضوع رضاع الكبير ، يريد أن يصور أن رضاع الكبير وسيلة من وسائل الإثارة الجنسية ، وقضاء الغريزه أن يقضي الإنسان شهوته من خلال رضاع الكبير.
هذه ليست تحت الضرورة ، وهذه صورة مستنكرة ، وهذه صوره محرمة ، الأصل في الرجل في حق المرأة:
يحرم عليه أن يمسها ، ويحرم عليه أن يختلط بها ، وان يخلو بها ، وأن يخالطها ، وصور الخلوة والاختلاط في هذا الزمان صور متداخلة.
يعني لو أن رجل و امراة مع مجموعة من الناس ذهبوا إلى حفلات الرقص مثلاً ، هذه تحرمها لماذا؟
تحرمها للرقص والغناء والنظر الحرام ، وتُحرمها خلوة وتُحرمها اختلاطاً.
الخلوة المشروعة لها مقومات ، ومن مقوماتها أن يدخل أكثر من رجل من أصحاب مروءة على امرأة لحاجة.
أما أن يدخل عاهر مع عاهرة ، وإن تكرر عدد العاهرين ، وعدد العاهرات ، فأصبحوا بالألوف ، بل أصبحوا بعشرات الألوف ، فاجتمعوا ؛ فهذا حرام خلوة ، وحرام اختلاطاً ،
هذه الخلوة متحققة.
بعض دور البغاء نسأل الله العافية يكون الناس على الدور ، هذا حرام ، ولو كان أكثر من واحد.
الشاهد :
رضاع الكبير جائز لضرورة ، والضرورة ينبغي أن تكون معتبرة ، والذي يقدر الضرورة من عدمها الفقيه ، (لا الشهوة ولا قضاء الإرب ، ولا الغريزه الجنسية) ، نسال الله العافية.
فـ رضاع الكبير جائز بشروطه ، وليس جائزاً بإطلاقه.
مداخلة:
والله حدث هذا الموقف مع أحد الإخوة ، انقلبت فيه السيارة أخوه وزوجته ، الاثنين ماتوا ، فبقي الولد؟
كيف ينشأ ؟ كان الولد عمره 15 سنة؟
قال الشيخ:
لو أن زوجة عمه أرضعته ؛ لا حرج.
هذا رضاع الكبير يعني يحدده المفتي بناء على الضرورة وبناء على النازلة وملابساتها ، ورضاع الكبير جائز.
هذا الأخ يسأل عن الولد عمره خمس سنين ، ذاك اليوم صلينا في المسجد وجدنا ولد في فراش رضيع عمره أيام ، جانب المسجد ، وتحت رأسه 100 دينار ، هذا كيف ينشأ؟
هذا يوضع في دور وينشأ وقد يكون ابن زنا ، ولا يؤاخذ في الشرع على أنه ابن زنا.
{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر : 38]
{أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ} [النجم : 38]
والسلف يقولون :
لو كان هذا ابن الزنا أقرأ القوم يؤمهم ، إذا أصبح تقياً ؛ حاله كحال الكافر أسلم.
فهذا يربى تربية برضاع كبير ، ويعيش حياة هنيئة ، ويعيش كأنه فرد من أفراد الأسرة ، كسائر أبناء أعمامه في هذه الأسرة ، وهم يحتسبون الأجر ، ولهم أجر كفالة اليتيم وزيادة.
مداخلة:
يا شيخ يحتاج خمس رضعات أم رضعة واحدة؟
أجاب الشيخ:
الرضاعة خمسة ، جاء عدة أحاديث ، وهذه الأحاديث يبدو أنها متعارضة ، ولكن العلماء حكموا ووفقوا بينها.
ورد في الحديث الصحيح :
«لا تُحرِّمُ المَصَّةُ ولا المَصَّتانِ ولا الإِمْلاجةُ ولا الإِمْلاجَتانِ»
قال جماهير أهل العلم -ليس الحنفية- ، المالكية والحنابلة :
تَحرم الثلاثة ، بناء على مفهوم المخالفة.
لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان ؛ مفهوم المخالفة أن الثلاث تَحرُم.
الحنفية قالوا تُحرِم الرضعة الواحدة ، بناء على أن أحاديث الآحاد لا تخصص عموم القرآن ، وهو التحريم من الرضاعة ، فقالوا الرضعة الواحدة تُـحرِّم ، وحَـدُّ الرضعة أن تكون مشبعة ، وحد الإشباع أن يأخذ الصبي أو الرضيع الثدي بإرادته وأن يتركه بإرادته ، فإذا نُزِع منه وخُلِص منه ؛ فهذه رضعة غير مشبعة.
وأسعد المذاهب في نظري و أرجحها :
مذهب الشافعية.
ومذهب الشافعية أن الرضاعة التي تُـحرِّم هي خمس رضعات.
الخمس رضعات هي التي تحرم ، والدليل على ذلك أمران ، الأمر الأول :
الحديث أنه كان فيما نزل في القرآن عشر رضعات يحرمن.
ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات”
فكان هذا قديماً ثم نسخ ، والدليل قول عائشة رضي الله تعالى عنها:
خمس رضعات يحرمن.
فالخمس رضعات هي التي تحرم ، فـ دون الخمس لا تحرم ، ويؤكد ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين:
«فإنما الرضاعة من المجاعة».
وقوله صلى الله عليه وسلم:
«إنما الرضاعة ما نشز منها العظم وفتق اللحم».
فالذي ينشز العظم هو خمس رضعات ، أما الرضعة والرضعتان ؛ فهي غير كافية لذلك ، سواء كانت هذه رضاعة طبيعية أو الرضاعة بأجرة ، هذا من الواجب على الأب أن يدفع أجرة للمرضعة ، حتى لو كانت زوجته ، ويظهر أثر ذلك في المطلقة ، فالمطلقة التي ترضع لها شيء زائد ، فالرضاعة لها أجرة خاصة.
وأما والناس اليوم فالرجل وزوجه ، هو وإياها ذمة واحدة ، أغلب الرجال الآن مع النساء ذمة واحدة في الأموال.
لذا يجب عليه أن يحجج زوجته ، ويجب عليه تطبيب زوجته ، وكلام السابقين فيما هو حجز النفقة طويل ، ويتعبنا.
فالشاهد الرجل والمرأة اليوم ذمة واحدة ، فهو تحصيل حاصل يشتري لزوجته الطعام ، والرضاعة هي أثر من أثر الطعام.
خمس رضعات يشبعن ، سواء كان ذلك في حق الزوجة أو في حق المطلقة أو في حق الرضاع الكبير.
مداخلة:
رضاع الكبير خمس رضعات أو رضعة واحدة؟
الشيخ:
خمس رضعات يُـحَرِّمن.
مداخلة:
لا يشبعن.
الشيخ:
منهم من نظر للمعنى ، ما هو المعنى؟
النشز والفتق قد حصل مع الكبير ، وهذا يؤكد شيء غريب يحتاج الى دراسة عميقة أي سنة الله جل في علاه وأثرها في الطبع ، هل يحصل بالعدد أم يحصل بالأصل دون العدد ، هل يحصل بالأصل والوصف أم يحصل بالأصل دون الوصف.
هذا أيضاً يحتاج إلى بحث عميق ، ولم أحداً بحث هذا ، لكن ظاهر حديث سالم :
أرضعيه.
الظاهر أرضعيه ، كما هو معروف من الأحكام ، ما هو معروف عندكم في الرضاع ، الظاهر أنه خمس ، والأمر يقبل النزاع والله تعالى أعلم.
مداخلة :
شيخنا ، هل الكبير إذا رضع يرث؟
الجواب:
لا ، سواء كان كبير أو صغير ، الرضاعة تُـحرِّم فقط ، أما الأم من الرضاعة ليست كـ الأم من الصلب ، وليس هو من الرحم الخاص ، ولا يوجد قطيعة ، ولا يرث.
أخونا يسأل وهو سؤال دقيق ومهم :
كيفية الرضاع ؟
الأصل في المكلف إن كان يجري عليه القلم ألا ينظر للعورة ، والنساء اللاتي يرضعن الكبار كأخوات عائشة رضي الله عنها يأبين أن يظهر الثدي للرضيع.
إذاً تسكب حليبها في إناء ، ثم هو الذي يشربه الكبير ، أما اذا كان لا يعرف العورات ، وإن كان فوق السنتين ، ثلاث سنوات أربع سنوات ، ولا يعرف العورات ؛ فلو أخذ الثدي لا حرج.
بعض الأولاد يرضع من أمه ، وهو ابن ثلاث سنوات وأربع سنوات وخمس سنوات.
بعض الأولاد يرضع ، ولا يعرف العورة ، يعني لا يعرف هذا ، فإذا كان الأمر كذلك ؛ الأصل من الثدي ، وأما إن كان كبيراً ويحرم عليه النظر إلى الثدي ؛ فحينئذ نأخذ الحكم من جميع النصوص ، ولا نأخذه من نص واحد.
بدن الإنسان أنا وأنت يسمى رأساً ، ولكن لا يسمى رأساً بالرأس لوحده ، ولكن يسمى رأساً :
بالرأس والأطراف والبطن والظهر وكل الاعضاء.
فقال الإمام الشاطبي في موافقاته قال :
كما يسمى الإنسان رأساً ، ولا يسمى رأسا إلا بجميع بدنه ، فالأحكام الشرعية لا تؤخذ من نص واحد ، وإنما تؤخذ من جميع النصوص ، ولا سيما عندما تتداخل الأحكام ، والله تعالى أعلم.
المصدر:
القناة الرسمية على يوتيوب – لقاء سؤال وجواب 14/5/2025 فضيلة الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان حفظه الله تعالى.
بتاريخ :
16 ذو القعدة 1446
14 مايو 2025✍️✍️
◀️ رابط الفتوى:
[تفصيل حول مسألة رضاع الكبير – لفضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان حفظه الله]