السؤال: ما هو ضابط إمامة المسلمين؟ وهل إمامنا في إندونيسيا مسلم؟ وهل يلزم أن نطيعه؟ وقد سألت الأستاذ الشيخ الدكتور باسم، وهو يوجهنا أن نسأل إليكم شيخنا الحبيب.

السؤال:
ما هو ضابط إمامة المسلمين؟
وهل إمامنا في إندونيسيا مسلم؟ وهل يلزم أن نطيعه؟ وقد سألت الأستاذ الشيخ الدكتور باسم، وهو يوجهنا أن نسأل إليكم شيخنا الحبيب.

الجواب:
أولاً، والكلام طويل، وتحملني وأنا معكم للفجر، ما عندي مشكلة.

البلاد التي تجاور إندونيسيا: ماليزيا، سنغافورة، وأيضًا ماليزيا مسلمة، سنغافورة مسلمة.

علماؤنا مجمعون على أن أحكام الإسلام إذا ظهرت في بلد، من أمثال الصلاة والزكاة واللباس والعادات والتقاليد المأخوذة من الإسلام، فهذه دار إسلام، وهذا مذهب جماهير أهل العلم، وهو مذهب الأئمة الثلاثة عدا الإمام أبي حنيفة، ويقول بهذا صاحبا الإمام أبي حنيفة: أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي، ومحمد بن الحسن الشيباني.

فظهور الإسلام واضح في إندونيسيا، ترى المرأة تقود دراجة بحجاب، مختمرة أو مستورة تغطي رأسها، تقيم حكم الله جل في علاه، على تفاوت في المعاصي، فالإسلام ظاهر في إندونيسيا، فإندونيسيا الحمد لله بلاد الإسلام، دار إسلام،
وهذا كلام جماهير أهل العلم.

أبو حنيفة رحمه الله اشترط في دار الإسلام ثلاثة شروط:
① الشرط الأول: أن يأمن أصحاب هذه الدار بالأمان الأول الذي فُتحت فيه البلد، من الذي فتح بلادكم؟

نحن أهل الشام نترضى عن أبي بكر وعن أبي عبيدة، وأنتم تترضون عن الصحابة وعن التجار، أخلاق التجار التي فتحت البلاد، والمسلمون في إندونيسيا منذ أن فتحت بالإسلام هم في الأمان الأول، فهذا الشرط متحقق عنده.

② الشرط الثاني عند الإمام أبي حنيفة:
أن تتاخم الديار ديار إسلام، ولا يمكن أن تكون هنالك دار كفر والذي يتاخمها دار الإسلام، واستدل بقول النبي ﷺ الحسن: “الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه”.

واستدل بأن الأموال التي أخذها الكفار من المسلمين حال كونها دار حرب لما يُهزم الكفار، تعود إلى المسلمين، فالإسلام لا يُقَرُّ بيد عادية، واستدل بأن الجهاد لَـما يحتل الكفار البلاد يجب على كل أحد، وفي هذا الوجوب دلالة بالإيماء على أن البلاد ما زالت بلاد إسلام، وقد أفتى عدد من فقهاء الشافعية لما احتلت هولندا بلاد إندونيسيا، أفتوا بأنها دار إسلام وليست دار كفر بالاحتلال، فكيف والناس ليسوا محتلين؟ وقد امتن الله تعالى على أهل جاوا أو أهل إندونيسيا بتعبير أوسع، أن دحروا الكفار الذين احتلوا هذه البلاد.

فإندونيسيا بلاد إسلام، وهذا مدون في الكتب كما هو مدون أن بيت المقدس سلتها الصليبيون واحتلها اليهود، وشعائر الإسلام ظاهرة في فلسطين وبيت المقدس، يا إمامة الألوف المؤلفة في الصلوات ولا سيما صلاة الجمعة، ولذا قال الإمام الذهبي: “قال وبيت المقدس ما زال منذ أن فتحه عمر إلى يومنا هذا بلاد إسلام” ، فما اعترف بكون بلاد بيت المقدس بلاد كفر.

وهذا كلام علمائنا في البلاد التي احتلت، كـ(عدن) لما احتلتها بريطانيا في القرن الثامن عشر الهجري، وكـ مصر لما احتلها نابليون بونابرت، احتلت من قبل الفرنسيين، فعلماؤنا من فتش وبحث في دواوينهم ولي كتاب، تحت الطبع الآن كتاب حول هل فلسطين بلاد إسلام أم بلاد كفر؟ وما هو الواجب على المسلمين؟ فصلت هذا بتطويل، فالشاهد أن البلاد التي تتاخم البلاد الإسلامية هي بلاد الإسلام.

فبلاد إندونيسيا المتاخمة لها بلاد إسلامية، ماليزيا مثلاً، والعجيب أن علماءنا قالوا ونص على هذا أحمد في مسائل ابنه عبد الله، ونص عليه الشافعي في الأم، أن البحر لا يقطع المتاخمة، يعني إذا وجد بين بلد وآخر بحر، فهذا البحر لا يقطع المتاخمة، وكذلك الفيافي والصحاري والبلاد الشاسعة، فهي لا تقطع المتاخمة.

فبلاد إندونيسيا بلاد مسلمة، والحكم على البلاد، هل هي دار إسلام أم دار كفر؟ إنما هي بقواعد، ليس الحكم محكوماً بالحكم بما أنزل الله، ما عرف أحد من السابقين قال بأن الدار تصبح دار إسلام بأن تُـحكَم بما أنزل الله، وإنما قال وعَلق الحكم بهذا أن هذه بلاد إسلام أو بلاد كفر هم جماعة التكفير والهجرة، وأخذوه من كلام موهِـمٍ مبهم لسيد قطب في “ظلال القرآن”.

فالبلاد بلاد الإسلام، والأصل في من حكم بالإسلام أن يبقى مسلماً، ولذا قال العلماء: “لو أن رجلاً قال قولاً أو فعل فعلاً يحتمل مائة وجه، تسعة وتسعون منها كفر وواحد يحمل على الإسلام، فالواجب علينا أن نحمله على الإسلام”.

وهذا يعرفه من درس التاريخ دراسة مفصلة، تحولت ثلاثة دور من دار إسلام إلى دار كفر: الأولى الأندلس، الأندلس أصبحت اليوم إسبانيا، وسموا بـ المورسكيين أو المدجنين، وكان بعض المورسكيين من قريش، حُـمِلوا بالقتل أو النفي حتى استطاعوا أن يجعلوا السيادة للنصرانية وليست بلاد المسلم، والبلد الثانية أنطاكية، والبلد الثالثة طرسوس.

لو أنكم قرأتم، وأنتم شافعية المذهب، جل الناس “شافعية”، لو قرأتم “فتح العزيز” للرافعي وهو شيخ من شيوخ الشافعية، شيوخ الشافعية من اثنان، إن اتفقا على قول فهو المذهب من الشافعية، من هما؟
الرافعي والنووي، الرافعي والنووي، النووي اختصر “فتح العزيز شرح الوجيز”، أبو حامد الغزالي كتب “الوجيز والوسيط والبسيط”، “الوجيز” و”الوسيط” و”البسيط” طُبع من قريب.

فشرح الرافعي “فتح العزيز” واختار النووي في “روضة الطالبين”، “روضة الطالبين” مختصر لـ “فتح العزيز” وزاد عليه بقوله: “قلتُ”، فإذا قرأتم “روضة الطالبين” وفيه “قلتُ”، فهذه “قلتُ” وما بعدها من زيادات الإمام النووي، وما عدا ذلك لخص فيه كلام الرافعي في “فتح العزيز”.

لو نظرتم في مبحث “اللقيط” في “فتح العزيز” وغيره من كتب الشافعية، قالوا: “اللقيط في طرسوس” و “اللقيط في أنطاكية”، إيش يعني طرسوس وأنطاكية؟
يعني بلاد بين الشام وبين تركيا، إيش المراد؟

قال: “لو وجدنا لقيطاً لو وجدنا لقيطاً في بلدة من هاتين البلدتين، كيف نحكم عليه؟” قالوا: “نعامله معاملة اللقيط المسلم ونحكم بإسلامه، وإن كنا علمنا أنه لا يوجد مسلم في هذه البلاد” ، لعله جاء من امرأة، أم ولد، وأبوه ممن هربوا.

والشاهد من إرادي لهذا المثال، أنه متى احتمل أن يكون الإنسان مسلماً فلا يجوز لنا أن ننقله إلى الكفر، حتى اللقيط، وهذا كلام نقوله ديانة وفقهاً، ولا نقوله سياسة ولا لنرضي أحداً أو نسخط أحداً، هذا هذا كلام علماء، فقال علماؤنا: “أن تخطئ في تكفير الكافر، وأن تجعله مسلماً أحب إلى الله من أن تخطئ في نقل المسلم إلى الكفر”.

فمتى وجد احتمال الإسلام، فالأصل أن نلقي الناس على الإسلام وليس على الكفر.

فلسنا مطلوباً منا أن نبحث عن عيوب الناس، مع مراعاة أن هذا أمر للاسف، طلبة العلم يغفلون عن أن الأحكام الدنيوية غير الأحكام الأخروية، واضح؟ أبسط؟ طيب أبسط، انتبه، أتكلم في مسائل دقيقة ومهمة، قال الله تعالى في أواخر الأحزاب: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}، قال الله بعدها: {لِّيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}.

أقسام الناس الملّية ثلاثة لا أربعة، وهذا مذهب القرآن وهذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم، خلافاً للخوارج وخلافاً للمعتزلة، تأمل الآيات، لما حمل الإنسان الأمانة، ووصفه الله تعالى بأنه ظلوم جهول، فقسم أصناف من حمل الأمانة، فالصنف الأول من حملها في الظاهر دون الباطن، فقال الله عنهم: {لِّيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ}، المنافق كيف يعامل في الدنيا؟
مؤمن، وكيف يُعامل في الآخرة؟ {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ}.

لكن كيف نجري الأحكام على المنافق في الدنيا؟
نجري عليه أحكام الإسلام أم أحكام الكفر؟
إذاً أحكام الإسلام وأحكام الكفر تنفك في الدنيا والآخرة، أولاً أو لا تقبل الانفكاك؟
تقبل الانفكاك، في الدنيا يعامَل كمسلم وقد يكون عند الله كافر.

الصنف الثاني لما ذكر الله الأمانة، قال:
{لِّيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ}
من رد الأمانة في الظاهر والباطن.

القسم الثالث:
تأمل معي ، ماذا قال الله عن القسم الثالث: قال: {وَيَتُوبَ}
{وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}.

ما في منزلة بين منزلتين كما يقول المعتزلة، ولا يوجد أن المؤمن يكفر بالكبيرة، لو كانت الكبيرة تكفِّـر ما قال الله {وَيَتُوبَ}، قال: {وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}.

الأمانة ثقيلة، فأصناف الناس المِـليّة ثلاثة لا أربعة، أصحاب الكبائر ليس صنفاً، أصحاب الكبائر داخلون في { وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}.

فأمر صاحب الكبيرة، أمره إلى الله، لا نُكفره، إن عامله بعدله هلك، عذبه في النار ولم يَخلد فيها، وإن عامله بفضله نجا، فأصحاب الكبائر يدورون بين العدل والفضل، أصحاب الكبائر يدورون بين معاملة الله لهم بالعدل أو معاملة الله عز وجل لهم بالفضل، {وَيَتُوبَ اللَّهُ }.

فالمعتزلة قالوا: “مرتكب الكبيرة منزلة بين المنزلتين، لا مسلم ولا كافر”، طيب ربنا قال الناس ثلاثة!

الشاهد من إرادي أن هنالك صنف، هذا الصنف نعامله في الدنيا على حال والله يعامله على حال، لأن عِـلم الله جل في علاه هو الخبير.

فرق بين عليم وفرق بين خبير، الخبير الذي يعلم دقائق الأشياء، فالخبير عنده علم وزيادة، فنتركه إلى الله جل في علاه.

هناك قسم من الأحكام الشرعية تُعامَل في الظاهر غير معاملة الباطن، وهذا موجود في كتب القضاء.

طيب، أسألكم الآن، تخيل معي قاضي مسلم ويقضي على البينة، رجل غصب من آخر سيارة، ثم رشى شهوداً فشهد الشهود أنهم شهدوا أنه اشترى السيارة، فيأتي القاضي فيقال: “فلان يدَّعِي أن هذه السيارة له”، فيقول السارق الغاصب: “لا، أنا اشتريتها بشهود، فلان وفلان شهود”، ويحلفون اليمين، القاضي يقضي لمن؟
يقضي بالشهود.

طب حكم الله سبحانه وتعالى؟
هل هذا حكم ظاهر ولا حكم باطن؟
حكم القاضي حكم ظاهر والله يعامِل بالحكم الباطن.

لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أم سلمة الذي أخرجه الستة: البخاري ومسلم، أصحاب السنن.

قال صلى الله عليه وسلم:
«إنَّما أنا بَشَرٌ وإنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، ولَعَلَّ بَعْضَكُمْ أنْ يَكونَ ألْحَنَ بحُجَّتِهِ مِن بَعْضٍ، فأقْضِي علَى نَحْوِ ما أسْمَعُ، فمَن قَضَيْتُ له مِن حَقِّ أخِيهِ شيئًا، فلا يَأْخُذْهُ فإنَّما أقْطَعُ له قِطْعَةً مِنَ النَّارِ».

صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 7169

النبي ﷺ يقول للصحابة:
“أنا بشر أقضي بينكم على نحو ما أسمع، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض”.

أقضي على نحو ما أسمع، وحقيقة الحال يقول النبي صلى الله عليه وسلم:
“فمن قضيت له من حق أخيه شيئاً، فإنما أقضي له بقطعة من نار”.

إخواننا عاملين دوشة في قضية العمل وجنس العمل، وهل هو شرط أم هو ليس شرطاً للإيمان، نحن نحكم بإسلام من يقول “لا إله إلا الله” ، وحكمه عند الله جل في علاه ، وقد يكون خلاف الظاهر ، الأمر لله.

الحكم الدنيوي :
لا نحكم بكفر الناس ، نحكم بإسلام من قال لا إله إلا الله.

لكن إنسان زنديق ما فعل شيئاً من خير لا يحب هذه الكلمة ؛ هذا أمره إلى الله عز وجل.

فعدم الفطنة إلى افتكاك حكم الدنيا عن حكم الآخرة سبب من أسباب انتشار التكفير والجرأة على التكفير، وبعض الناس التكفيريون أصناف، بعض الناس أبله، يقول: “كل موظف دولة كافر”، لا إله إلا الله، المدرس كافر، بعضهم يقول: “إمام المسجد كافر”، نعوذ بالله، نعوذ بالله.

فسؤالك يا أخي بارك الله فيك، فليس هنالك ارتباط بين الشريعة التي يُحكَم فيها الناس وبين كون الدار دار إسلام أو دار كفر.

فالشخص أمره إلى الله عز وجل ما دام أنه مسلم ويقول “لا إله إلا الله” فهو مسلم، هذا حكمنا عليه في إيش؟
في الدنيا، وهو يفضي إلى الله، والله الذي يحاسبه، وارتحنا وخلاص، أما أن ندخل في التفاصيل والدقائق وبعض الناس يتكلم عن الحكام كأنه عايش معهم 24 ساعة، ويعرف أنه بيصلي ولا ما بيصلي، وإذا رآه بيصلي بيقول لك:
“لا لا لا هذا مش، هذا بيصلي بدون وضوء”.

ما أدراك؟ تعلم الغيب؟ ما أدراك؟
احمد ربك عز وجل أنه حاكمك بيصلي، احمد الله عز وجل.

في السفرات الماضية، أنا لعل هذه سفرة رقم 21، 22 لي في إندونيسيا، كنا في “سورابايا” ، أعلى المسؤولين في الشرطة والجيش والأمن، جزاهم الله خيراً، لما كنا في “سورابايا” يستقبلنا ويعزمنا ويحس بنا ويفرح بنا، جزاكم ربي خيراً، هذا شأن المسلم.

أصير أدور وأفتش؟!

إذا أردتَ تدخل في الباطن ؛ العابد تجعله منافق، ليس لك الباطن، الباطن ليس إليك.

المصدر:
الدورة الشرعية الثالثة للدعاة في اندونيسيا – منهج السلف في التعامل مع الفتن – المحاضرة الأولى.
تاريخ:
29 جمادى الآخرة 1446 هـ
30 ديسمبر 2024 م✍️✍️

◀️ رابط الفتوى:

السؤال: ما هو ضابط إمامة المسلمين؟ وهل إمامنا في إندونيسيا مسلم؟ وهل يلزم أن نطيعه؟ وقد سألت الأستاذ الشيخ الدكتور باسم، وهو يوجهنا أن نسأل إليكم شيخنا الحبيب.