السؤال أخ يقول: شيخنا بارك الله فيكم، ما أن يحل فصل الشتاء ويبدأ سقوط الأمطار حتى تكثر المشاكل في المساجد بين الأئمة والمصلّين، فمن مريد للجمع بين الصلاتين لأقل عذر، ومن مريد للجمع ولكن بعذر معتبر، أرجو أن توجه نصيحة لهؤلاء المتهاونين في أمر الجمع جزاكم الله خيراً؟
الجواب: جزى الله طالب النصيحة خيراً، لأنها هامّة.
ونصيحتي تكمن في نقاط:
النقطة الأولى:
الناس ثلاثة أصناف في الجمع:
• المتهاون، و الصلاة خير موضوع، وليس التفريط في النوم، وإنما التفريط في اليقظة، فاليقظان إن صلّى الصلاة في غير وقتها من غير عذر فهو مفرّط، وشأن الشريعة الوسط، الوسط هو الحق، فشرع الله وسط بين الجافي عنه والغالي فيه، فلا نريد غلوا، و لانريد جفاءا، وقس الناس بأضعفهم، فإن غلب على ظنّك أنّ أضعف الناس الحريصين على الجماعة لا يعودون للصلاة الثانية بسبب العذر الذي قد طرأ فاجمع، فالجمع فيه تحقيق عذر نوعي لا يخصُّ شخصاً بعينه، فمن لم يكن معذورا يجمع تبعا المعذور.
ولذا قال علماؤنا: من كان معتكفا في المسجد لا يجوز له أن يجمع بين الصلاتين استقلالا، وإنما يجمع تبعا لغيره.
يعني لو عشرة معتكفون في المسجد لا يوجد غيرهم لماذا يجمعون؟
لكن لو عشرة مع المئات يجمعون تبعا لغيرهم
هذه النصيحة الأولى.
• النصيحة الثانية:
متى شككت في حصول العذر أو عدمه فارجع إلى الأصل، والأصل أن تؤدى الصلاة في وقتها، فإذا وقعت في شك هل هذا العذر يجوز لي الجمع أو ما يجوز لي الجمع، ماذا تصنع؟
ما هو الأصل في الصلاة؟
الأصل أن تؤدى الصلاة في وقتها، فإن وقع في قلبك شك في قيام العذر على الوجه الشرعي للجمع بين الصلاتين فابقى على الأصل.
هذه النصيحة الثانية.
وأما النصيحة الثالثة والأخيرة:
يمكن أن يقع تساهل بين جمع المغرب والعشاء أكثر من التساهل بين الظهر والعصر.
بعض الناس يتساهل في الجمع بين الظهر و العصر، فيجمع، والوقت طويل بين الظهر والعصر، أعني أنه أطول من الوقت بين المغرب والعشاء، فسرعان بعد نصف ساعة يصبح الجو مشمسا، ويظهر عوار صنيع هذا الإمام الذي جمع لكلّ ذي عينين.
فالموفّق من الأئمة يدقق في قيام العذر بين الظهر والعصر أكثر من تدقيقه في قيام العذر بين المغرب والعشاء.
علماً أنّ الجمع بين الصلاتين بين الظهر والعصر مشروع، والدليل الذي يستدل به العلماء على الجمع بين المغرب والعشاء هو عين الدليل الذي فيه الجمع بين الظهر والعصر.
وفي الأحاديث التي جاءت: جمع النبيّ صلّى الله عليه وسلم سبعا و ثمانيا.
سبعا: المغرب والعشاء.
ثمانيا: الظهر والعصر.
ولمّا عرض ابن رشد في بداية المجتهد أقوال العلماء في الجمع فذكر الجمع بين الظهر والعصر، (ومذهبه مالكي)، والمالكية لا يجوّزون الجمع بين الظهر والعصر، وقالوا: استعجب من مالك، استدل بالنصف الأول على الجمع بين المغرب والعشاء، ولم يستدل بالنصف الثاني على الجمع بين الظهر والعصر،
وقالوا: قد صوّب الشافعي مالكا، لأنه استدل بجزء من الحديث وتأول اﻵخر.
فنصيحتي للإمام أن يحقق العذر على وجه فيه تدقيق بين الظهر والعصر أكثر من العذر بين المغرب والعشاء.
ونصيحتي لإخواني الأئمة أن يرغّبوا الناس بالجماعة، فإذا وجد مسوغ شرعي للجمع بين الصلاتين فافعل، وعلّم الناس أن الأصل في الصلاة أن تؤدى في وقتها، فلما جاء عذر حال دون تأديتها في وقتها أدّيناها جمعا لأن في الشرع أداء الصلاة في جماعة مقدم على أدائها في الوقت.
فمن أدلة وجوب صلاة الجماعة الجمع بين الصلاتين.
يعني لما يتعارض أمرين أداء الصلاة في الوقت وأداء الصلاة في الجماعة، في عرف الشرع أيهما أقوى؟
أداء الصلاة في الجماعة أم أداء الصلاة في الوقت؟
أداء الصلاة في الجماعة.
ولذا بوّب البخاري في صحيحه، وقال باب (وجوب صلاة الجماعة).
هذه نصيحة أحبها لإخواني؛ وأحب لهم أيضا من يَقدُم للجمع
-والعادة أنه لا يَقدُم- فيأتي ليجمع فحسب، هل يجمع بهم أم لا؟
يجمع بهم فالرخصة عامة وليست خاصة فلا يجوز ان نفرق بين من أتى للجمع ومن أتى للجماعة
لكن من الحسن بمكان أن يذكّرهم بهذا المعنى: يعني يا من تأتون للجماعة اعلموا أن الجماعة فرض و أقوى في الشرع من أدائها في الوقت، فجئتم هنيئا لمجيئكم، ولكم أجر الجماعة ولكم جائزة الجمع بين الصلاتين،
لكن هل لا تؤدى صلاة الجماعة إلا بجائزة فاليوم لتأليف قلبك نعطيك جائزة للجمع بين الصلاتين وأن تؤدي الصلاة في الجماعة، لكن غدا لما مسوغ أو سبب الجمع بين الصلاتين يزول هل ستبقى لا تأتي إلا بجائزة، فجائزة الترضية للضعاف، جائزة الترضية تعطى لتأليف القلوب، وأنت ما ينبغي أن تبقى مؤلف القلب، كن رجلا كن قويا ممتثلا أمر ربك.
والله تعالى أعلم.
⬅ مجلس فتاوى الجمعة.
5ربيع الأول 1439 هجري
2017 – 11 – 23 إفرنجي
↩ رابط الفتوى:
⬅ خدمة الدرر الحسان من مجالس الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان. ✍✍
⬅ للاشتراك في قناة التلغرام:
http://t.me/meshhoor