السّائل:
أحسن الله إليكم، كُتُبُكم الّتي خرجت -في مثل ما تفضلتم- السّلسلة الصّحيحة واختصارها، كذلك السّنن، هناك طبعة أولى وطبعة ثانية، ما الفرق بين الأولى والثّانية؟
الجواب:
أمّا كُتب السّنن الأربعة، فالفكرة فكرة مكتب دول الخليج.
جاء مندوب منها، وتكلّم مع الشّيخ الألباني، وعَمَلُ الشّيخ -رحمه الله- على السُّنن أغضب أقوامًا، وسمعنا أقوامًا يقولون:
ما سُبِق الشّيخ الألباني -رحمه الله- في تمييز كتب السُّنن إلى صحيح وضعيف!
وقال بعضهم: هذا عملٌ مبتدع، هذا العمل يخالف منهج أهل السّنن (أصحاب السنن) وهذا منهج مبتدع!
طبعًا -من نافلة القول- قبل أن أرجع للجواب على السّؤال، تاريخ العلوم بابٌ مُغفل ومهم.
الآن كثير خرج إلى السّاحة، وقالوا:
لا بدّ أن نتبع منهج المتقدّمين دون منهج المتأخرين، وأشغلتنا هذه المسألة.
والله مرّة اتصل بي أخ من الرياض يسألني عن المسألة، وكنت في ورطة؛ عندي حديث، وأشتغل فيه، شيء بين يدي -يعني: مشغلة-، تأخذ الظّاهر والباطن، ويأخذك بكُلك -وكلكلك-، فقلت له: اتصل بي بعد العشاء، رنّ الهاتف وتذكرت، قلت: يا الله، ثمّ فتحت الهاتف، ثمّ الله -عزّ وجلّ- فتح عليَّ بشيء، ما كان في بالي ولا زوّرت في نفسي شيئًا في جواب سؤالي، قلت له: يا أخانا، الأهم من علم الحديث علم التّوحيد، لا نريد أن نأخذ كتب الشّيخ محمّد بن عبدالوهاب، لا نريد أن نأخذ منهج المتأخرين في التّوحيد.
قال: لا.
قلت: لماذا؟
العلوم كلها فيها متقدّم ومتأخّر، علوم القرآن فيها متقدّم ومتأخّر، علوم التّفسير فيها متقدّم ومتأخّر، وعلوم الحديث فيها متقدّم ومتأخّر، وعلم التّوحيد فيه متقدّم ومتأخّر.
لماذا في علم الحديث نأخذ علم المتقدمين ولا نأخذ علم المتأخرين؟!
لذا هذا يحتاج إلى دراسة تاريخ العلوم، كيف بدأت العلوم وكيف انتهت.
النّاس في العصر الأول ليسوا كالنّاس في هذا العصر.
قالوا في يوم من الأيام -قديمًا- وذكر هذا الخطيب البغدادي وغيره… قال: (من أسند فقد أحال).
أنا أقول لك: حدثنا فلان عن فلان عن فلان -وواحد منهم كذّاب- قال -صلّى الله عليه وسلّم-، في هذه الحالة أنا بَرِئتْ ذمّتي؛
لماذا؟
النّاس ليس عندهم تلفزيونات، فحديث النّاس في مجالسهم الخاصّة -قبل العامّة- حول الدّين، من يكذب على النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من الأئمّة؟!
فالكذّاب الكلّ يعرفه، فحين أقول له: حدثني فلان عن فلان؛ يقول لك: هذا كذّاب، العامّيّون يعرفون الكذّابين، الكذّابون والدّجالون معروفون.
“من أسند فقد أحال”.
واحد -الآن- في هذا الزّمن يقول: من أسند فقد أحال.
نقول هذا غير صحيح.
من أسند ما أحال.
كم واحد إذا أسمعته سندًا في “صحيح البخاري” أو “صحيح مسلم” أو سند فيه كذّاب، كم واحد يستطيع أن يميّز بين هذا وهذا؟
فتاريخ العلوم مهمّ جدًا.
حينَ نفسر أقوال العلماء ونفهمها على وجهها، أمرٌ مهمّ.
قديمًا النّاس تعرف “سنن أبي داود” ومنهجه، تعرف أن سنن أبي داود كتاب أحكام، وكتابٌ بوّب على الشّيء، وبوّب على نقيضه، وأورد أحسن ما يمكن في الباب.
فإذا كنت أنت طالب علم وقرأت باب نقض الوضوء من القهقهة (باب القهقهة تنقض الوضوء) وقرأت إسنادًا عند أبي داود ولم يثبت، فأبو داود شرطُه أن يضع لك أرجى ما في الباب، أصح ما ورد عن النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم في الباب يضعه، فإذا هذا ما صح، من باب أولى غيره لا يصح.
فجزى الله خيرًا أبا داود؛ جزاءً عظيمًا على الأحاديث الضّعيفة الّتي وضعها في سننه، لو أن أبا داود ما عمل هذا؛ أتعب النّاس بعده تعبًا لا يوجد بعده تعب، كلّ باب تحتاح أن تجمع فيه كلّ الأحاديث، فهو يقول لك: لا، أنا أضع لك أحسن حديث، ابحث، ابحث. وإذا أردت أن تبحث عن كلّ باب، وتذكر أحسن حديث تحت الباب، هذا يحتاج منك لأشهر في الباب الواحد، فأبو داوود أراحك، أراحك بماذا؟
بوضعه للأحاديث الضّعيفة في تبويبه تحت الباب.
وأنا دائمًا أقول لإخواني: لو رأيت أبا داوود؛ سأُقَبِّلُهُ بين عينيه، وأقول له: هذه قُبلة للأحاديث الضّعيفة الّتي دونتها في كتابك.
الآن النّاس لا يتعاملون مع “سنن أبي داود” كما تعامل معه السّابقون.
سنن أبي داود -الآن- يحتاج إلى خدمة، “ضعيف أبي داوود”، و”صحيح أبي داود”، و”ضعيف التّرمذي” ….. بحاجة إلى الخدمة.
هل هذا عمل مبتدع؟
مبتدع لغةً، كما قال عمر: (نِعمَ البدعة هذه)، أمّا مبتدع شرعًا فليس له وجه بهذا الكلام.
وجدت عبارة بديعة وجميلة وفرحت بها، ذكرها العزّ بن عبد السّلام في كتابه “قواعد الأحكام”، -وهو متقدّم- لكنّ النّاس في زمنه ليسوا في زمن عصر الرّواية -يعني: غاب عنهم منهج أبي داود- يقول:
( يجب على العلماء في هذا الزّمان فصل كُتب السّنن إلى صحيح وضعيف).
العزّ يقول هذا!
العزّ ما عمله؟ العزّ ليس محدّثًا.
والحديث في الفترة الأخيرة، خُذ زمن العثمانيين وانزِل، تجد أنَّ علم الحديث تدهور وأصبح ضعيفًا جدًّا.
أنا سمعت الشّيخ/ عبد الفتاح أبو غُدّة يقول:
كان الخطيب في حلب حين يصعد المنبر يذكر حديثًا، وأحيانًا يكون الحديث طويلًا يقرأ حديثًا من صفحتين وثلاثة وأربعة، وحين يريد أن يُدلِّل أنَّ الحديث الّذي يُسمِعُهُ لمن يسمع خُطبة الجمعة من المصلين، إذا أراد أن يشدّ أزره بأنَّ الحديث له سند، فبعدَ أن يقرأ حديثًا من أربع أو خمس ورقات، يقول الخطيب: أخرجه ابن الجوزي في “الموضوعات”.
طبعًا النّاس غير فاهمين ما “الموضوعات”.
طالب العلم حين يسمعها؛ يقول: هذا الحديث كذب.
في ذاك الزّمان -زمن غربة الحديث- كان حين يقول: أخرجه ابن الجوزي في “الموضوعات” كأنّك تقول: أخرجه مسلم في “الصّحيح”، أو أخرجه البخاري في “الصّحيح”، وما شابه.
فأصبح علم الحديث في تدهور.
والشّيخ الألباني -رحمه الله تعالى- بشهادة القاصي والداني، له جهد عظيم، وله سبق في تدليل الصّحيح والضّعيف عند المثقفين -بعامّة-، وطلبة العلم بكافة تخصصاتهم -بخاصّة-، ولا سيما طلبة علم الحديث.
الشّيخ الألباني بدأ بالصّحيح والضّعيف، وَجَدَ أنّه مُقيَّد بمهلة -يعني: لا بدّ في خلال فترة معينة محدودة أن يُخرج الكتب الأربعة، وصار الوقت يهجم عليه، ولا يستطيع أن يخرج الكتب؛ فاضطر الشّيخ الألباني أن يكتب في الطّبعة الأولى من صحيح سنن النّسائي، كتبَ منهجًا، ومفادُ المنهج الّذي ارتضاه الشّيخ الألباني في كُتبِه قال: الحديث الّذي لم أعزُهُ إلى مصدر من كتبي حُكمي عليه إنمّا هو حُكمٌ على الإسناد لا على الحديث.
وفرقٌ حين تحكُم على الإسناد، قد تقول: الحديث ضعيف بهذا الإسناد، لكن قد تكون له شواهد ومتابعات فيكون حسنًا أو يكون صحيحًا.
أمّا الحديث الّذي عزاه إلى الكتب الّتي خرجه فيها مطولاً، كالسّلسلتين: الصّحيحة، والضّعيفة، وكُتبه الأخرى… فالشّيخ إذا وضع مصدره فهذا حُكْمٌ على الحديث، وأمّا إذا حكم دون ذلك فهو الضعيف.
هذا منهج علمي، وبَرِئت الذمّة، ولا يعرف هذا إلا أهل العلم.
ظهر الكتاب، فصرت أنا وأنت من طلبة العلم نحتاج للكتاب المطبوع.
الشّاهد:
الله يوفقنا -وإيّاكم- صار عندي -الآن- كتاب الشّيخ الألباني الصّحيح والضّعيف، وصار عندي الأصل، أنا -كطالب علم حديث-، أُريد الإسناد، وأي طالب علم يريد الإسناد.
بدأتُ الاقتراح على الشّيخ الألباني، ثمّ على النّاشر/ الشّيخ سعد الراشد -رحمه الله- قلتُ: لماذا لا نضع حُكم الشّيخ الألباني على نشره من أصل السّنن مسندةً؛ والطّلبة يستغنون عن الصّحيح والضّعيف، يُكتب صحيح وضعيف وحُكم الشّيخ الألباني على كلّ حديث.
فالله -عزّ وجلّ- أكرمني بهذا، توليت فقط الإشراف على أحكام الشّيخ الألباني، كنت في الإمارات في ذاك الحين، سافرت إلى الإمارات، فبعض الأخوة المتحمسين من المُحبّين للشّيخ الألباني، رأيته جالسًا متحمّسًا، وغضبان، وأمامه مصادر، وغافل عن الّذي كتبه الشّيخ الألباني في سنن النّسائي.
قال: ماذا هذا الكتاب السيء؟
قلت: أي كتاب؟
قال: السّنن التي طبعتها أنت.
قلت: أين السّوء فيه؟!
أنا ما راجعت أصول الكتاب ولا قابلته مع نسخ، واعتمدت على أصول الشّيخ الألباني.
قال: لا، أقصد بخصوص أحكام الشّيخ الألباني -رحمه الله-.
الشّيخ الألباني -رحمه الله- يُحسّن حديث، وأنت تقول عنه ضعيف.
قلت: تفضّل هات بيان.
يقول: الشّيخ يقول هكذا، قلتُ: صحيح، ولكن هذه غفلة عن منهج الشّيخ الألباني، الشّيخ الألباني لمّا فرغ من السُّنن الأربعة، وكتب إسناد الضّعيف، كتب ضعيف على الإسناد، الشّيخ الألباني لم يتوقّف عن العمل، بقي يعمل.
فصار الحديث الّذي حكم على إسناده بالضّعف -هنا-، هذا حكم على الإسناد، صار هناك حسن، لا توجد مشكلة.
هذا منهج، وهذا منهج للشّيخ الألباني، وهذا ممّا لم يلتفت إليه كثير ممّن قدح في الشّيخ الألباني.
نعرف واحدًا ألفَّ كتاب اسمه: “تناقضات الألباني”، بدأ يدور على المشايخ، ما اكتفى بأهل السّنة، استفاد من رجل مُجرم -نسأل الله له العافية-، مرِضَ مرضًا نفسيًّا خطيرًا، يقولون عنه: عُماني إباضي، له كتاب اسمه: “الطّوفان الجارف”، وردَّ على أهل السّنة، وردَّ على الشّيخ الألباني -رحمه الله- في طليعته، أخذ كلّ كلام هذا الرّجل واستفاد منه في كتاب: “تناقضات الألباني”، والعجيب لمّا طُبع “تناقضات الألباني” كان حين يذكر كلمة الألباني يجعلها بخطّ صغير، يعني: صغّر اسم الشّيخ، إلى آخره، وحشاه من هذا .
كتاب الصّحيح ضعيف، وهناك ضعيف! قلت: يا رجل، لا يوجد تناقض، هذه مناهج وليس تناقض.
حدثني رجل أعرفه من أهل الأردن، ليس من المُحبّين للشّيخ الألباني، لكنّه من الحاذقين العارفين بعلم الحديث، يقول لي: جاءني فلان، يقول لي: ماذا عندك تناقضات للألباني؟ وهو معروف، لا يجلس مجلسًا يتكلّم عن الشّيخ الألباني إلّا حين يُسأل، أو تأتي مسألة يتعرّض للشّيخ، معروفٌ في تعارضه.
قال له: يا فلان، ما شأنك وشأن علم الحديث؟
أهل الحديث يتصارعون فيما بينهم، على حلبة أسود تتصارع، أنت ما دخلك في هذه الحلية، لماذا تدخل بين الأسود؟
تطلع على الحلبة تطيح بنفسك!
قال له: هذا -يعني: الألباني- لا بدّ أن اكشفه للنّاس، ولا بدّ للنّاس أن يعرفونه، إلى آخره… يعرفون ضلاله ويعرفونه، وهذا ليس أهلاً للتّصحيح وليس أهلاً للتّضعيف.
قال: انظر يا فلان، أنا أسألك مئة سؤال، إن شئت تحريرًا، وإن شئت شفويًا، إن أجبت على سؤال؛ أعطيتك ما عندي، سؤال واحد من مائة، وأمّا إذا لم تُجب؛ فأنت لست من أهل الحديث، دع هذا وشأنك.
قال: غضب وأخذ حذاءه وخرج.
فالشّاهد:
الّذين يتكلمون على الشّيخ الألباني -رحمه الله- لا يُميزون بين دقّة الشّيخ في مناهجه، فالشّيخ -رحمه الله تعالى- ظهرت الطّبعة الأولى مُسندة، والطّبعة الأولى غير مسندة من الكتاب.
أمّا غير المسند فالطّبعة هي هي، طبعًا -للأسف- الكتاب يملكه حقّ فلان، لكن لا بدّ الطّبعة الأخرى تتناسب مع تخريجات الشّيخ الألباني، وهذا -للأسف- غير حاصل.
↩ رابط الفتوى:
⬅ خدمة الدرر الحسان من مجالس الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان✍️✍️
📥 للاشتراك:
• واتس آب: +962-77-675-7052
• تلغرام: t.me/meshhoor