ما حكم طلب المسلم الدعاء من أخيه المسلم

طلب الدعاء من المسلم للمسلم يُنظر فيه، فالإكثار منه ليس بحسن، وهو في بعض الصور مشروع وفي بعضها ممنوع. وقد كره السلف لما رأوا الإكثار من طلب الدعاء منهم، ذلك وكثير من الناس اليوم من المصلين أو طلاب العلم لما يتلقون ثم يتفرقون فيقول كل واحد منهم للآخر ادع لي.
 
وقال ابن رجب رحمه الله تعالى في كتابه “الحكم الجديرة بالإذاعة” قال: (وقد كان عمروغيره من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، يكرهون أن يطلب منهم الدعاء، ويقولون: أأنبياء نحن؟ فدل على أن هذه المنزلة لا تطلب إلا من الأنبياء) فأنت كلما رأيت أخاك تقول: ادع لي، ادع لي، هذا ليس بحسن، وأخرج ابن جرير عن سعد بن أبي وقاص أنه لما قدم الشام أتاه رجل فقال له: استغفر لي، وكان سعد مجاب الدعوة، فقال له سعد: ((غفر الله لك))، ثم أتاه آخر، فقال: استغفر لي، فقال له: ((لا غفر الله لك، ولا غفر الله لذاك، أنبي أنا؟)) فلما خرجت فلتة من ذاك الرجل قال: ((غفر الله لك))، ولما تزاحم عليه الناس قال: ((لا غفر لله لك ولا غفر الله لذاك، أنبي أنا؟)) ففهم سعد، كما قال الشاطبي في الاعتصام قال: (فهم سعد من هذا الرجل أمراً زائداً وهو أن يعتقد فيه أنه مثل النبي، أو أنه وسيلة إلى أن يعتقد فيه مثل ذلك، أو يعتقد أن طلب الدعاء سنة تلزم، أو تجري في الناس مجرى السنن اللازمة فمنع سعد ذلك)، ففي مثل هذه الصورة لا يجوز طلب الدعاء، أما من غير هذه الأمور فلا أرى فيها حرجاً.
وأخرج ابن جرير عن زيد بن وهب، أن رجلاً قال لحذيفة: استغفر لي، فقال له حذيفة: ((لا غفر الله لك))، ثم قال حذيفة: ((هذا يذهب إلى نساءه فيقول: استغفر لي حذيفة أترضين أن يدعو الله أن يجعلك مثل حذيفة؟)) فكره حذيفة أن يشتهر هذا الأمر، وأن يعتقد في حذيفة ما لا يدعيه، وقد أسند ابن جرير عن ابراهيم التمعي قال: (كانوا يجتمعون فيتذاكرون فلا يقول بعضهم لبعض استغفر لي) أي الصحابة، وأسند الخطيب في كتاب “التلخيص” عن عبيد الله بن أبي صالح  قال: (دخل علي طاووس يعودني فقلت له يا أبا عبد الرحمن ادع الله  لي) فقال: (ادع لنفسك فإن الله عز وجل يجيب المضطر إذا دعاه)، فأن يترك الإنسان الدعاء لنفسه، ويطلب من غيره وأن يجري هذا الطلب مجرى السنن اللازمة، ويعتقد فيمن يطلب منه الدعاء اعتقاداً زائداً، فهذه كلها عوارض ولوازم، تجعلنا نقول: إن هذا الطلب على هذا الحال وهذه المواصفات ممنوعة.
وقد أجمل ذلك شيخ الإسلام في كتابه “قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة” فقال: (ومن قال لغيره من الناس ادع لي أو ادع لنا، وقصد بأن ينتفع ذلك المأمور بالدعاء، وينفع هو أيضاً بأمره، ويفعل ذلك المأمور به كما يأمره بسائر فعل الخير فهو مقتد بالنبي صلى الله عليه وسلم مؤتم به، ليس هذا من السؤال المردود، وأما إن لم يكن مقصوده إلا طلب حاجته، لم يقصد نفع ذلك، والإحسان إليه فهذا ليس من المقتدين بالرسول صلى الله عليه وسلم، المؤتمين به في ذلك، بل هذا من السؤال المرجوح الذي تركه إلى الرغبة إلى الله وسؤاله ، [وقد وقع تحريف هنا في كل الطبعات إلا طبعة الشيخ ربيع، فوقع بدل وسؤاله ورسوله، وهذا خطأ فالرغبة لا تكون إلا لله]، أفضل من الرغبة إلى المخلوق وسؤاله، وهذا كله من سؤال الأحياء الجائز المشروع) فينظر للقائل: أدع لي، إذا كان يأمره بعبادة وطاعة فهذا فيه اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وأما إذا كان مقصوده طلب حاجته فهذا من السؤال المرجوح، والمطلوب أن تسأل الله حاجتك وألا تسأل غيره.
وأما حديث (( لاتنسانا يا أخي من دعائك)) لم يثبت ولم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما حديث النبي صلى الله عليه وسلم وقوله لأبي بكر وعمر: {إن رأيتما أويساً القرني فاسئلاه أن يدعو لكما}، والحديث الظاهر منه أنه حسن، رغم أن الإمام مالكاً كان ينكره، وكان يقول: لا يوجد أويس، والحديث فيه إلمامة إلى أن هذا أمر خاص بأويس، فلم يطلب النبي صلى الله عليه وسلم من أحد أن يدعو لأحد إلا لهذا الرجل، لأنه عرف باستجابة دعوته، وأما من عداه فما أدرانا أنه مثله؟ والأصل في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وأمثالهما أن الذريعة مسدودة في حقهم بأن يتجهوا للمخلوق وأن ينسوا الخالق، أما من عداهم فهذا الفساد يلحق بهم.
فإذا سلمت المحاذير مما ورد في كلام ابن تيمية والشاطبي فلا أرى حرجاً، والذي أنكره كثرة الطلب، وأن يكون ذلك شعاراً للإنسان كلما التقى آخر يقول له: أدع  لي أدع  لي، وهذا لا يدعو وهذا لا يدعو، فأصبحت كأنها شعار ملاقاة  بدل السلام عليكم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.