الجواب : من السنن المهجورة الثابتة في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر المؤذن أن يقول صلوا في رحالكم ، وذلكم في وقت يقع فيه حرج على الناس من الإتيان لبيوت الله عز وجل.
وفي هذا إشارة واضحة إلى أنّ الأصل في الجماعة الوجوب ، فلما يأتي عذر يمنع الناس من الصلاة في جماعة ( كالمطر والبرد الشديد ) والوقت الذي يجوز فيه الجمع بين الصلاتين فيقول المؤذن : ( صلوا في رحالكم ) .
والسؤال : هل هذه الكلمة ( صلوا في رحالكم ) تُقال في صلاة الجمعة؟
الجواب : نعم، كذلك في صلاة الجمعة إذا وُجِدَ العذر؛ يقال: ( صلوا في رِحالكم ) .
وهذا يتضمن أن العذر في الجمع بين الصلاتين ينبغي أن تكون فيه مشقة ، وينبغي أن يفحص الإمام العذر على وجه يتيقن فيه على وجوده.
ما معنى صلوا في رِحالكم؟
لأننا إن فهمنا الكلام على ظاهره ، فقد يبدو لبعض ِمن يريد أن يتعامل مع هذا النص معاملة لغوية محضة ولا يعرف أساليب الشرع في التشريع ؛ فيقول :
الصلاة في المسجد حَرام ، لأن النص في العربية : ( صلوا في رِحالكم )
فإذا جئنا لنصلي جماعة في المسجد ؛ فهذا حرام .
وهذا القول منكر من القول وزور ، فلا يقول به أحدٌ من المعتبرين .
ما معنى صلوا في رِحالكم ؟
علماؤنا يقولون : هذا أمر وَرَدَ بعد حذر ، أمرٌ سبقه منع .
ما هو المنع ؟
يُمنع في حق من سمع النداء أن يتخلف عن الجماعة ، مثل قوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ } سورة الجمعة الآية رقم ١٠
الإنتشار في الأرض في وقت النداء يوم الجمعة حرام .
فلو أن رجلاً بعد صلاة الجمعة أراد أن يبقى في المسجد للعصر ؛ مأذونٌ فيه أم ممنوع ؟
الجواب : مأذونٌ، ليس بممنوع، لأن قول الله تعالى: {فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ }؛ أمر بعد ماذا؟
أَمرٌ سبقه حظر، مثل قوله عز وجل:
{ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ } ، هل يجب على الزوج كلما طَهُرت زوجته من الحيض؛ أن يأتيها ؟
الجواب : لا ، لكن عند الحيض كان ممنوعاً ، {فأتوهنَّ} ، أمرٌ سبقه حذر .
ومثل قوله تعالى: {وإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة : 2] ، فهل يجب على كل مَن تَحَلَّلَ مِن حج أو عمرة؛ أن يبحث عن صيد ؟
الجواب : لا ، لكن كان الصيد في حقه ممنوعا ً، وعليه فقِس.
فقوله وأمره صلى الله عليه وسلم أن يقول المؤذن : ( صلوا في رِحالكم ) كان ممنوعاً أن تصلي في رَحلك من غير عذر ، فالآن لك أن تصلي في رَحلك.
لكنك لو جِئت للمسجد فلك جائزتين:
١- جائزة الجماعة.
٢- جائزة الجمع بين الصلاتين.
لو أن رجلا أراد أن يترخص؛ لا يأتي للجماعة في وقت المطر وفي وقت الجَمعِ بين الصلاتين؛ فهل هو آثم؟
الجواب : لا .
فالمؤذن يؤذن، ويَفتح المسجد ، ويقول: ( صلوا في الرحال ) ، وينتظر الناس.
متى يقول المؤذن : ( صلوا في الرحال ) ؟
الجواب : قال علماؤنا رحمهم الله تعالى بناءً على اضطراب وقع في رواية حديث عبد الله بن عباس ، وفصل هذا الاضطراب والألفاظ الإمام ( النَّسائيّ ) رحمه الله تعالى في ( السنن الكبير ) .
الناظر فيما أورده “النسائي” في السنن الكبير يجد أنَّ القول يكون تارة بدل ( حي على الصلاة )
، بدل أن يقول : ( حي على الصلاة ) يقول : ( الصلاة في الرِّحال ) ، وفي رواية: ( ألا صَلُّوا في رِحالكم ) .
وبعضُهم قال: ( بدل الحيعلتين )
لا يقول : ( حي على الصلاة ) ، ولا ( حي على الفلاح ) ، يقول : ( صلوا في رِحالكم ) .
ومنهم من قال أنها تُقال بعد ( الحيعلتين ) ، يعني تقول:( حي الصلاة ) ، ( حي على الفلاح ) ، ثم تقول: ( صَلُّوا في رِحالكم )
ومنهم مَن قال : ( تُقال بعد الأذان ) ، تؤذن بالألفاظ المعهودة وبالترتيب المعهود؛ ثم بعد ذلك تقول: ( صَلُّوا في رِحالكم ) ، *وهذا هو الراجح*.
رواية ( ألا صلوا في رِحالكم ) بعد الأذان هي عند مسلم في الصحيح ، هذا أولاً.
ثانيا ً: في هذا محافظة على الأذان، وعلى صيغته ، فالأصل في الأذان أنه ذِكرٌ، والأصل فيه أن يبقى على حاله.
ثالثا ً: فيه دلالة ظاهرة على مشروعية صلاة الجماعة ، فإن المؤذن يقول: ( حي على الصلاة ) ، ( حي على الفلاح ) ، وبعد ذلك يُعطيك المؤذن الرخصة ، فيقول :
( صلوا في رحالكم ) ، فإن رغبت أن تأتي للجماعة فأمر حسن ، وإن رغبت أن تتخلف؛ فهذه رخصة.
فالأحسن أن يقول المؤذن: ( الصلاة في الرِّحال ) ، ( صلوا في رِحالكم ) ان يكون ذلك بعد الفراغ من الأذان ، وهذه سنة مهجورة ينبغي للمؤذنين أن يعتنوا بها ، وأن ينتبهوا لها.
العام الماضي كان في بلادنا نسأل الله عز وجل أن يحفظها من كل ضر وشر وسوء ،كان ثلج في يوم جمعة ، وكثير من الناس ما استطاعوا أن يصلوا الجمعة في المسجد ، ماذا يصنعون ؟
الجواب: يُصَلُّوا في البيوت.
ماذا يُصَلُّون في البيت ؟
الجواب : الظهر ، كما ثبت عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه-: ( مَن لم يُصلي الجمعة يُصَلِّي الظهر ) ، ولو صلاها جماعة في أهل بيته فحسن.
لو كان هناك مجموعة يجتمعون ويُصَلُّون الجمعة في بيت ؟
الجواب : لا حَرج ، أَمرٌ حسن.
يعني أنا ممكن أنتقل في مساحة صغيرة بسبب الثلج ، فأنا وأقاربي وبعض أصحابي وجيراني اجتمعنا في صالة كبيرة وخَطَبَ واحد منا؛ لا حَرج ، فقد كَتَبَ عمر بن الخطاب لأبي موسى الأشعري كما عند ابن أبي شيبة فقال له: ( جَمِّعوا حيث كنتم ) .
فلا يَلزَم من صحة صلاة الجمعة ( المسجد) ، ( ولا قرية) ، ( ولا وجود قاضي ) ، ( ولا وجود حاكم يحكم بما أَنزل الله ) ، ( ولا وجود خليفة ووالي ) ، كما هو مَذهب الشيعة .
الشيعة قبل سنة التسعة والسبعين قبل الخميني؛ ما كانوا يُصَلُّون جمعة قط ، لأن من شرطهم : أن صلاة الجمعة تحتاج إلى إمام ، فَظَهَر إمامهم؛ فأصبحوا يُصَلُّون الجمعة.
عند الحنفية : الجمعة لا تجوز إلا في مَحِلَّةٍ فيها قاضي .
فعُمَر يقول: جَمِّعوا حيث كنتم .
فلو مجموعة اجتمعوا، ولا يَلزم للجمعة الأربعين ، بعض المذاهب كالشافعية يقولون: أقل ما تُقام به الجمعة الأربعون مِمَّن تجب في ذمتهم الجمعة ، يعني النساء والصبيان غير محسوبين ، لكن هذا ليس براجح .
الراجح أنّ أقل الجمعة هو أقل الجماعة (إثنان أو ثلاثة).
والله تعالى أعلم .
⬅ مجلس فتاوى الجمعة.
⏰ 2016 – 1 – 5 إفرنجي
↩ رابط الفتوى :
◀ خدمة الدرر الحسان من مجالس الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان.✍✍