نعم من يحلق شاربه يوجع ضرباً، وهي مثلة كما كان يقول الإمام مالك، ومراد الإمام مالك في الإحفاء الحلق بالكلية، ومراد النبي صلى الله عليه وسلم: بقوله: {أحفوا الشارب}، أي خذوا منه وأكثروا من الأخذ، فالإحفاء معنى مشترك بني الأخذ بالكلية والتشديد في الأخذ، كما يقول الإمام ابن عبد البر.
وقد جاءت روايات أخرى فيها: {قصوا الشارب، جزوا الشارب، أنهكوا الشارب}، فرواية أنهكوا تبين لنا الإحفاء الوارد في الحديث، فالمراد الجز والأخذ حتى تظهر البشرة، فمن السنة أخذ الشارب أخذاً شديداً وليس الحلق فإنه مثلة، فالإحفاء الوارد في الحديث غير الإحفاء الوارد في كلام الإمام مالك، وحلق الشارب أسوأ من حلق الليحة، وحلق اللحية عند الأئمة الأربعة حرام، فكيف بحلق الشارب.
أما ما روي عن عمر بن الخطاب أنه كان لما يقسم يفتل شاربه فهذا يحمل على أن الإنسان لا يضع كل اهتمامه وخلقه في شعره وشواربه، فأحياناً تمر بالإنسان مشاغل وأشياء تجعل شاربه ثخين، لأنه منشغل عن ذلك، كما تمر عليه أوقات لا يصبغ، ولا يكون عقله بالصبغ، لكن من السنة الصبغ بين الحين والحين، ومن السنة حتى تفقد الإنسان نفسه يستقصي شاربه ويأخذ منه شديداً فما تركه عمر عبادة إنما تركه للانشغال وما شابه، والله أعلم.