كتاب “بداية المجتهد” فيه ميزة لاتوجد في كتاب وهي سبب اختلاف الفقهاء فيذكر فيه سبب ومنشأ الخلاف بين الفقهاء .
وأما كتابي “التمهيد” و”الاستذكار” فكلاهما شرح لـ “موطأ” مالك . وهما كتابان مستقلان ليس بينهما صلة . والصنعة الحديثية في “التمهيد” غالبة، والصنعة الفقهية في “الاستذكار”غالبة ويوجد في “التمهيد” فقه، ويوجد في “الاستذكار” حديث وإسناد، و”التمهيد” رتبه على شيوخ مالك، ورتب الشيوخ على الحروف رواية يحيى الليثي، وأما “الاستذكار” فشرحه على ترتيب “الموطأ” المطبوع برواية يحيى الليثي . فالتمهيد عسر فحتى تستخرج الحديث منه فلا بد أن تعرف اسم شيخ الامام مالك فيه، ثم ترجع إليه في الحروف على التمهيد أما الاستذكار فقد شرحه على الترتيب المطبوع من رواية يحيى بن يحيى الليثي . وكلاهما كتاب مستقل . وكتاب “التمهيد” أجل
وذكر الذهبي في ترجمة ابن عبد البر في “السير” لما ذكر “الموطأ” قال : له هيبة . وقال : من أجل شروحه “التمهيد”، وأورد مقولة العز بن عبد السلام : ما طابت نفسي بالفتوى حتى اقتنيت المغني والمحلى . فقال الذهبي على إثرهذه المقولة : قلت : من نظر في هذين الكتابين ، “التمهيد” لابن عبد البر و”السنن الكبير” للبيهقي وأدمن النظر في هذه الكتب حتى يستحضر ما فيها فهو العالم حقاً. فهذه كتب مهمة .
وعندي لولا ابن عبد البر لما ذهب ابن حزم وما جاء في إسناد مذاهب التابعين ومن بعدهم . فابن عبد البر هو صاحب الفضل وهو صاحب الإسناد؛ لأن عمر ابن حزم في العلم قصير، فوقعت له مصنفات بالإجازة لانه أمير . والذي تعب واجتهد ابن عبد البر . وكان في المضايق يقول ابن حزم : كتب الى ابن عبد البر، فيأتي بالأسانيد . فابن عبد البر اعتنى عناية رائعة بمذاهب الصحابة والتابعين ومن بعدهم . وأسند وتكلم على الرواة وتكلم على الأحاديث وفقهها .
وبطبع “التمهيد” فرح طلاب العلم ومحبي الكتب و”التمهيد” نقل منه أشهر عند العلماء المتأخرين . وإن كنت وجدت ابن القيم في “إعلام الموقعين” لما يقول : قال ابن عبد البر فغالباً ينقل من “الاستذكار” لأنه أسهل والله أعلم.