هذا مما وقع فيه خلاف على أقوال أرجحها اثنان، فأرجح الأقوال هو أن كل الأعمال الحفظة والكتبة تعرف ثوابها وتكتبه ، الإ الصوم فإنه لله عز وجل ، أي يجازي به. ويؤكد هذا رواية عند مسلم فيها فصل بين قوله صلى الله عليه وسلم وبين الحديث القدسي، فقال : (( كل عمل ابن أدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها الى سبعمائة ضعف، قال الله تعالى : ((إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به )) ففي هذا اشارة الى أن الصوم مستثنى من عمل الكتبة، فمثلا – ولله المثل الاعلى – رجل عنده عمال أعجبه عامل منهم لتفانيه في العمل، وله عليهم مسؤول، يعطيه مالاً ليحاسب العمال، فأراد هذا الرجل أن يكرم هذا العامل المخلص فقال للمسؤول: حاسبهم إلا فلان فاجعل حسابه معي دون واسطتك، فهذا الانسان مستثنى من حساب المسؤول فكذلك الصوم مستثنى من أجر الكتبة، فإنه لله وهذا أقوى الأقوال .
وهناك قول آخر يشبه من حيث الثمرة، فيقول العلماء في معناه بأنه يعمق المراقبة في النفس؛ ولذا النبي صلى الله عليه وسلم وصى رجلاً بالصوم فقال له : (( عليك بالصوم فإنه لا ند له )) فإن المراد في عبادتنا أن نعمق مراقبة ربنا في نفوسنا. ومن أكثر العبادات التي تعمق مراقبة النفس لله الصوم . فكأن كل العبادات أمام كون أثر المراقبة في النفس ظاهرة كأنها للانسان الإ الصوم فإنه يبقى لله ؛ بمعنى أن الصائم في كل لحظة وفي كل حين يشعر أن له رباً يراقبه.
وهناك معنى آخر ذكره ابن عيينة، فقد نقل المنذري أن سفيان بن عيينة سئل عن هذا الحديث فقال : إذا كان يوم الحساب فإن الله عز وجل ، يحاسب عبده، ويؤدي ما عليه من المظالم من سائر عمله ، حتى لا يبقى إلا الصوم، أي إن العبد ان فنيت حسناته بسبب المظالم ولم يبقى شيء، فيجعل الله عز وجل الصوم له بمعنى أنه يجازي به عن الأشياء المتبقية، وهذاغريب، والارجح الأول ، والله أعلم.