المسألة فيها خلاف بين الفقهاء قديماً، وكان قديماً قد شاعت ظاهرة الخدم والإماء، وكانت المرأة لا تخدم بحكم كثرة وجود الإماء والخدم، والأمة كانت تشتريها الزوجة، ومن يقرأ ما كتب في تراثنا في أسعار العبيد وشرائهم يعلم أن الأمة كلما كانت بشعة كان سعرها أغلى، لأن المرأة هي التي تختارها وتعلم أن لزوجها أن يطأها إن ملكها أما أمة زوجته فلا يطأها حتى يملكها.
وبعض أهل العلم قديماً قال: ليس على المرأة خدمة لزوجها، وهذا ليس بصحيح والصحيح العشرة بين الزوجين بالمعروف، وعليه فيجب على المرأة أن تخدم زوجها الخدمة المعروفة من مثلها لمثله، وتتنوع هذه الخدمة بتنوع الأحوال، فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية، فالبدوية مثلاً ترعى الغنم ويجب عليها أشياء تختلف عن الواجب على القروية، وليست خدمة القوية كالضعيفة، ولا الصحيحة كالمريضة، وليست خدمة امرأة الغني كالفقير، فهذه بحقها خدمة، وتلك بحقها خدمة، فيتنوع الواجب على المرأة بتنوع الأحوال، والواجب الخدمة التي تقع في العادة من مثل هذه المرأة لمثل هذا الزوج.
وقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم على فاطمة بخدمة البيت وقضى على علي بما كان خارجاً من البيت، وقد ثبت أن فاطمة رضي الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى من الرحى وسألته خادماً يكفيها لذلك، فأرشدها النبي صلى الله عليه وسلم لأمر عجيب فيه سر لا يعرفه إلا المجرب، فأرشدها إلى أن تسبح قبل أن تنام ثلاثاً وثلاثين، وتحمد ثلاثاً وثلاثين، وأن تكبر أربعاً وثلاثين، وهل بين الشكوى والإرشاد صلة؟ نعم، يقول شيخ الإسلام رحمه الله: (من حافظ على التسبيح والتحميد والتكبير قبل النوم فإنه يرزق بهمة وقوة على العمل لا يعلمها إلا الله عز وجل)، فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشدها لما شكت ضعفها إلى ما يقويها على عملها، وهو الذكر قبل النوم.
فالنبي صلى الله عليه وسلم ما أوجب لها خادمة، وقد قضى عليها بالعمل في بيتها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر عائشة وسائر أزواجه فكان يقول: {يا عائشة اسقينا يا عائشة أطعمينا}، وكان يقول: {يا عائشة هلمي الشفرة واشحذيها}، فكان يأمرها بالعمل، فالواجب على المرأة خدمة زوجها الخدمة التي تجب على مثلها لمثله، وليس الزوج المضياف كغير المضياف، فإن كان مضيافاً فعليها خدمة زائدة، وهذا الحد يعتد به بالعرف والعادة، وكما يقولون : العادة محكمة، وهذه قاعدة من القواعد الخمس الكلية التي يدور عليها الفقه في جل مسائله، أما القول بأن الخدمة ليست واجبة في حق المرأة فإنه يعطل هذه النصوص، فالمرأة إن قصرت في خدمة زوجها فهي آثمة، وهذا أرجح الأقوال، والله أعلم.