وقع في هذه المسألة خلاف، وكذلك وقع الخلاف هل هي آية من سورة الفاتحة أم لا؟ والراجح أنها آية من الفاتحة، ويجب على الإمام والمأموم أن يقرأ البسملة، وأخرج الحاكم في مستدركه حديثاً بإسناد ظاهرة الصحة من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب وبسم الله الرحمن الرحيم آية منها}، فهي على أرجح الأقوال أنها آية من الفاتحة.
أما بالنسبة للجهر بالبسملة في الصلاة الجهرية، فالأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أنهم كانوا يسرون، فقد ثبت في الصحيحين عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يستفتحون بـ {الحمد لله رب العالمين}، ومذهب الجماهير الإسرار، ومذهب الشافعي الجهر بها، فالشافعي رحمه الله وجه حديث أنس وقال: معنى قوله: كانوا يستفتحون بـ {الحمد لله رب العالمين} أي إن أنساً رضي الله عنه أراد أن يقول إن النبي وصاحبيه كانوا يقرؤون الفاتحة قبل ما تيسر من القرآن فلو أنه قال كانوا يستفتحون بـ{بسم الله الرحمن الرحيم}، فان هناك بسملة في غير الفاتحة فلا يلزم من قوله ذاك انهم كانوا لا يقولون “بسم الله الرحمن الرحيم” لأن المراد أنهم كانوا يقرؤون الفاتحة قبل ما تيسر من القرآن، فحتى يعبر عن هذه الحقيقة فكان يقول: (يستفتحون بـ{الحمد لله} …) فليس في هذا دلالة على عدم الجهر بالبسملة أو إسقاطها.
ورد عليه جماهير العلماء بروايات أُخَرْ بعضها ثابت في صحيح الإمام مسلم وفي بعض الروايات عن أنس قال: (كانوا يستفتحون بـ{الحمد لله رب العالمين}) وفي رواية (كانوا يسرون {بسم الله الرحمن الرحيم}) إذاً ليس الكلام كما وجهه الشافعي رحمه الله، فمذهب الجماهير أبي حنيفة ومالك ورواية عن أحمد أنه لا يستحب للامام أن يجهر بـ “بسم الله الرحمن الرحيم” حتى أن الإمام مالكاً رحمه الله لما قيل له إن فلاناً ينكر على من لم يجهر بالبسملة غضب، وقال : سبحان أيريد أن يذبح؟
وإن رأى الإمام أن بإسراره بالبسملة، ودوامه على ذلك، يترتب عليه أن بعض العوام قد يظن أن البسملة ليست من الفاتحة، فيستحب له أن يجهر بها أحياناً، فقط من باب الإعلام أنها من الفاتحة، واختيار ابن تيمية وابن القيم : إن غالب هديه صلى الله عليه وسلم الإسرار وكان يجهر أحياناً، والأحاديث التي فيها ذلك معلومة، والله أعلم.