يجوز أن تسمع للفاسق والفاجر وأن تقرأ لهما بشرط أن تتمكن من معرفة المحق من المبطل ، والجيد من الرديء ، والخطأ من الصواب، والشرك من التوحيد، والبدعة من السنة، فإن علمت فالحمد لله . فمعرفة الشر في حق الذي يعرف السبيل ليس بحرام . بل معرفة الشر في حق من يعرف الخير من أجل التحذير والتنبيه والتحصين أمر كان عليه بعض الصحابة . كما قال الشاعر :
عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه
فأن يعرف الانسان الشر ليحذره لا حرج.
أما في مرحلة التنشئة وهو لايعرف المحق من المبطل ، فلا يجوز لأحد أن يأخذ شيئاً إلا بعد أن يتأكد أنه على حق . لذا قال ابن سيرين : ( إن هذا العلم دين . فانظروا عمن تأخذون دينكم) فالعلم الذي نتعلمه هو دين ، فلا يجوز لأحد أن يسأل من شاء. ولا يجوز للمستفتي أن يسأل أحد إلا إن علم أن فيه صفتين، الأولى : أنه أهل، ويتكلم بعلم ، وإن لم يكن يعلم يقل لا أدري، أو دعني أراجع. والثانية: أن يكون ذا ديانة وورع، فلا يجيب من يحب جواب يختلف عمن يبغض، فإن كان محباً مال اليه، وإن كان مبغضاً مال عليه. فالعلماء يقولون المفتي الماجن يحجر عليه، وإن كان أهل، حتى لا يلعب بدين الناس فالمفتي يوقع عن رب العالمين في الارض فلابن القيم كتاب سماه : “أعلام الموقعين عن رب العالمين” فالفتوى مقام خطير وليس بسهل . والفتوى كانت تدور بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن بديع كلام ابن القيم يقول : ((فإذا قل المفتون فقد يتعين على من يعلم الفتوى )) ولما كان العلماء كثر في زمن الصحابة والتابعين كانوا يتورعون، وكان كل منهم يحيل على الآخر، لأنهم يعلمون حرصاً من السائل، ويعلمون وجود من يصيب الخير والحق، في مثل هذه الفتوى . أما في العصور المتأخرة فإن أمسك أهل الحق، فإن أهل الباطل كثر . وما يخفى علينا حال المفتين اليوم، لاسيما على الفضائيات، يأتون بهم ويفصلونهم تفصيلاً وتستغرب لما تسمع من مثل القرضاوي على الفضائيات ويقول : النساء المقيمات في فرنسا يحرم عليهن أن يرتدين اللباس الشرعي طاعة لأولياء الأمور. نعوذ بالله هذا عين الضلال، فأي أولياء أمور ؟ ومثل هذا فتاوي عديدة جداً.
وننبه المسلمين أن يحرصوا على دينهم وألا يسمعوا لأمثال هؤلاء، ويكفي أن هذه الأجهزة فاسدة يعرض عليها الحق والباطل، ولا يجوز للإنسان أن يعتمد في الفتوى عليها، ولا يجلس أمامها شارح صدره لها، وفاتح ذهنه لها مستوعباً لما يقال، وإن جاز الجلوس أمامها يجوز فقط لطالب العلم المتمكن، الذي يريد أن يزيف الباطل إن سمعه، وأن يحذر منه فقط، أما العوام فلا، ويكفي القول سقوطاً أن يقال: يا شيخ سمعت في التلفزيون أو الستالايت كذا وكذا، فهذا العلم دين، فليحرص الإنسان وليحذر عمن يأخذ دينه.
فالإنسان إن أراد أن يشتري حاجة لأمور دنياه فإنه يستفسر ويسأل ويتعب، فواحد مثلاً يريد شراء بلاط لبيته فإنه يسأل عن جميع أنواع البلاط الموجود، ويتعرف على جميع أنواع البلاط الموجود في السوق المحلي والمستورد بجميع أصنافه، وهذا لأن قلبه متعلق به، أما لما يصل الأمر للدين فيقول الواحد منهم: ما يدرينا؟ فلماذا لا يعامل هذا الإنسان الفتوى كما يعامل بلاط بيته؟ فكيف اجتهد وسأل حصل على أفضل ما يريد من البلاط؟ فاحرص أيها المسلم على الفتوى مثل حرصك على أمر يخصك في دنياك، فاسأل واستفسر عمن تريد أن تستفتيه في أمور دينك، وقال سفيان الثوري: (إذا أراد الله بالأعجمي والعامي والحدث خيراً، يسر الله له عالماً من أهل السنة)، وفقنا الله لما يحب ويرضى.