السؤال:
شيخنا الإخوة هنا يريدون كلمة عن فضل شعبان، وأحب الأعمال فيه، وأهم الاشياء التي يجب اجتنابها في شهر شعبان.
الجواب:
جزاكم الله خيرًا وبارك الله فيكم.
الحديث الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم: شهر شعبان يغفل عنه كثيرٌ من الناس وهو بين رجب ورمضان.
فعن أسامة بن زيد قال قلت يا رسول الله لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان، قال “ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم” النسائي٢٣٥٧ وحسنه الألباني.
ولفضل هذا الشهر، كان في حسن علاقة الناس بعضهم مع بعض،
وتوهم كثير من الناس؛ فابتدعوا فيه أشياء عظيمة وكثيرة، وكان ذلك قديمًا، وكان ذلك تحديداً كما ذكر الطرطوشي -رحمه الله- في كتابه (الحوادث والبدع) سنة ثمانية وأربعين وأربعمائة لما أُحدثت الاجتماعات والصلوات في المساجد، وكان بعض الناس يعتقد أن الصلاة في ليلة النصف من شعبان كصلاة ليلة القدر، بل بعضهم يعتقد أن ليلة القدر هي النصف من شعبان، ويذكر في تفسير قول الله في سورة الدخان
﴿إِنّا أَنزَلناهُ في لَيلَةٍ مُبارَكَةٍ، إِنّا كُنّا مُنذِرينَ، فيها يُفرَقُ كُلُّ أَمرٍ حَكيمٍ، أَمرًا مِن عِندِنا إِنّا كُنّا مُرسِلينَ، رَحمَةً مِن رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّميعُ العَليمُ﴾[الدخان ١٦].
قالوا: هذه التي تنزل فيها المقادير إنما هي ليلة النصف من شعبان، وهذا تفسير مبتدع، والقول بأن ليلة القدر هي النصف من شعبان قولٌ ما أنزل الله به من سلطان، والواجب تفسير القرآن بالقرآن وتفسير القرآن بالسنة
وليلة القدر كما ذكر الله تعالى وقال
﴿إِنّا أَنزَلناهُ في لَيلَةِ القَدرِ، وَما أَدراكَ ما لَيلَةُ القَدرِ، لَيلَةُ القَدرِ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرٍ، تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ وَالرّوحُ فيها بِإِذنِ رَبِّهِم مِن كُلِّ أَمرٍ، سَلامٌ هِيَ حَتّى مَطلَعِ الفَجرِ﴾[القدر ١٥].
وكانت ليلة القدر في رمضان، وبين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الشهيرة الكثيرة، وأنها في رمضان دون سواه.
الثابت في ليلة القدر بارك الله فيك بعد التنبيه والتنويه أن هذه الاجتماعات المحدثة تُكسل عن الاجتماعات الشرعية التي شرعها الله جل في علاه، وكثيرٌ من الناس يشتدوا فيها على وجه قد يضيعوا بعض الفرائض، وهذا كما قال الإمام الأوزاعي فيما هو معلومٌ عنه، قال
(بلغني أن من ابتدع بدعةً خلاه الشيطان والعبادة، وألقى عليه الخشوع والبكاء لكي يصطاد به)
ولما ذكر الإمام الشاطبي في كتابه الاعتصام وهو الكتاب البديع في تأصيل موضوع البدعة طبق هذا على الخوارج الذين قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم أن الاصحاب رضي الله تعالى عنهم يحقر أحدهم صلاته مع صلاتهم، وتلاوة القرآن مع تلاوتهم إلى آخره.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ “يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ، وَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَنْظُرُ فِي النَّصْلِ فَلَا يَرَى شَيْئًا، وَيَنْظُرُ فِي الْقِدْحِ فَلَا يَرَى شَيْئًا، وَيَنْظُرُ فِي الرِّيشِ فَلَا يَرَى شَيْئًا، وَيَتَمَارَى فِي الْفُوقِ” البخاري٥٠٥٨، مسلم١٠٦٥.
فليلة النصف من شعبان ليلة معظمة وردت فيها أحاديث، والأحاديث الواردة فيها كثيرة عن جمع من الصحابة، ووردت مرفوعة للنبي صلى الله عليه وسلم، ووردت مرسلة أيضاً، ومفاد هذه الأحاديث أن الله جل في علاه يغفر لكل أحد إلا لمشرك أو مشاحن.
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “إنَّ اللَّهَ ليطَّلعُ في ليلةِ النِّصفِ من شعبانَ؛ فيغفرُ لجميعِ خلقِه إلّا لمشرِك أو مشاحنٍ”. سنن ابن ماجه١٣٩٠وحسنه الألباني.
فالمشرك محروم من الغفران، وأما المشاحن فقد قيل في المشاحن المبتدع، واللفظ لا يساعد عليه، والذي يظهر أن المراد بالمشاحن الذي بينه وبين أخ له شحناء وقطيعة، فيغفر الله تعالى لكل أحد الا للمشرك والمشاحن.
إذا كانت هذه المشاحنة من أجل دين وهجران من أجل الدين فهذه غير داخلة في الحديث، وأما إذا كانت من أجل حظوظ النفس، ومن أجل الدنيا فهذا العبد محرومٌ من المغفرة حتى يرجع ويُجيد ويُصلح علاقاته مع من شاحنهم.
وبهذه المناسبة كثير من الناس يهجر بعضهم بعضاً بحجة أنه يهجره من أجل الدين، ولو سألته عن أخص خواصه، يكون من بينهم بعض من يجالس بكثرة؛ سواء من الأصحاب أو الجيران أو الأقارب تاركٌ للصلاة ويفعل كثيراً من الموبقات؛ فيقال له أنت لو كنت قد هجرته من أجل الله لهجرت هؤلاء وهم جلساءك، وهم الذين يتكررون عليك تزورهم ويزورنك وهكذا.
فالشاهد أكرمكم الله جميعاً أن الأصل في الهجران أن يكون من أجل الله تعالى.
ويعجبني في هذا الباب كلام جميل وبديع، وهو ضابط عجيب ودقيق لابن أبي جمرة في شرحه على مختصره للبخاري المسمى (بهجة النفوس) قال كلاماً بديعاً واستدل وانطلق من صنيع أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه.
فكان مِسطَح وهو صحابي فقير من أقارب أبي بكر، وممن ابتلي فخاض في عرض عائشة وكان يتهمها، وكان وهو يتهمها كان أبو بكرٍ ينفق عليه، ولم يقطع أبو بكرٍ النفقة على مسطح إلا بعد أن أنزل الله براءتها من السماء، قال أبن أبي جمرة: لو أنه قطع النفقة بمجرد خوضه، لكان هجرانه من أجل حظ نفسه، ولكنه لما هجره بعد أن أنزل الله براءتها من السماء دل هذا على إخلاص أبي بكرٍ الصديق رضي الله تعالى عنه وأنه هجره من أجل معصيته لا من أجل حظ النفس
“{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ } الْآيَاتِ قالت عائشة رضي الله عنها فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ هَذَا فِي بَرَاءَتِي قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، (وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ) وَاللَّهِ لَا أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَمَا قَالَ لِعَائِشَةَ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى { وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا }، إِلَى قَوْلِهِ { غَفُورٌ رَحِيمٌ } فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بَلَى وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي
فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ الَّذِي كَانَ يُجْرِي عَلَيْهِ” البخاري ٢٦٦١.
وسمعت شيخنا الألباني -رحمه الله- في أكثر من مجلس يقول كثير ممن يهجر بعضهم بعضاً في هذه الأيام إنما يصنعون ذلك لحظوظ أنفسهم، وقل من يهجر أخاه من أجل الله.
فالشاهد بارك الله فيك ونحن نتكلم وطُلب مني أن أتكلم عن فضائل ليلة النصف من شعبان، فالثابت في ليلة النصف من شعبان أن يتفقد الإنسان أحواله مع خلق الله تعالى.
من المعلوم أن الاشياء الكبيرة بين يديها أشياء ايضاً خطيرة ومهمة
ورمضان من أعظم الاشهر، وهو أفضل شهر على الإطلاق مجموعاً في سائر الشهر بأيامه ولياليه، ومن عظمة هذا الشهر كان بين يدي شهر شعبان
وهذا الشهر من أجل أن يحسن الإنسان علاقاته مع إخوانه المسلمين، وأن يقلع ويتوب إلى الله عز وجل من هجرانهم، ومن الشحناء التي تكون في القلب نسأل الله تعالى العافية، ويكون القلب ممتلئاً بغيظٍ وحقد وحسدٍ على سائر إخوانه.
فمن أراد أن يتشرف بفضل شهر رمضان؛ فالواجب عليه أن يتخلص من هذا الأمر.
عنوان شهر رمضان شهر صيامٍ، وشهر قيامٍ، وشهر عبادةٍ، وشهر صلة بالله جل في علاه، فحتى يمكن الإنسان ويحسن علاقاته مع ربه، وحتى يقبل الله تعالى عليه ويغفر له ذنوبه
ورمضان من الرمض، والرمض هو الحر.
فكان ينبغي للعبد قبل هذا الشهر أن يتفقد علاقاته مع الخلق وأن يحسن إليهم.
فأجلُّ طاعةٍ من الطاعات في شهر شعبان أن يعيد الإنسان علاقاته مع الناس وأن يحسنها، وأن يقلع عن الشحناء وما شابه.
هذه نصيحتي لإخواني المستمعين حول هذا الشهر.
والله الموفق.
مداخلة الأخ المتصل:
شيخنا هل لقراءة القرآن في شعبان فضيلةٌ خاصة؟
الشيخ مشهور بن حسن:
ورد عن كثير من الصحابة أنهم كانوا يهيئون أنفسهم ويستعدون لقراءة القرآن على وجهٍ يعني فيه كثرة، وهذا من باب الدربة، وأخذ النفس وتحفيزها على كثرة تلاوة القرآن.
وهنا مفاضلة يذكرها كثير من أهل العلم أيهما أفضل أن يقرأ الإنسان القليل من القرآن بتدبر أم أن يكثر من قراءة القرآن؟
والذي ترجح عندي وهو قول جماعةٍ من أهل العلم أن في رمضان كثرة القراءة خيرٌ من القراءة بالتدبر، وفي غيره القراءة مع التدبر خيرٌ من كثرة قراءته.
هذا والله أعلم✍️✍️
↩ رابط الفتوى:
◀ خدمة الدرر الحسان من مجالس الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان✍️✍
📥 للاشتراك:
• واتس آب: +962-77-675-7052
• تلغرام: t.me/meshhoor