[هل الأصل في الناس الامتحان، وأن تفحص عن عقائدهم، وأن تتتبع أحوالهم؟ ]

[هل الأصل في الناس الامتحان، وأن تفحص عن عقائدهم، وأن تتتبع أحوالهم؟ ]

ومن الأمور المهمة جدًا التي ينبغي لطلبة العلم أن يُحتاطوا لها، وأن ينتبهوا لها، وأرجو أن تعطوني اهتمامكم، وهي مسألة مهمة: تأمل معي:
{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ..} [الإسراء : 36]

هل الأصل في الناس أن تمتحنهم؟
أو أن الأصل أنك تعاملهم وأنت لست مسؤولًا عنهم؟
هل الأصل في الناس الامتحان، وأن تفحص عن عقائدهم، وأن تتتبع أحوالهم؟

أقول بتعبيرٍ أدق:
بعض المشايخ -للأسف- وأدركنا هذا، وأنا أتكلم وفي مخيلتي أشخاص لا عناية لهم بالعلم، ولا بمسائله وأهله وكتبه، وإن انشغلوا به فيوظفونه لأمر آخر، ينشغلون ببعض الناس، ولكل واحد من هؤلاء الناس له عنده ملف، ويعاملونهم معاملة الساسة، متى أغضبهم أخرجوا الملف، ومتى سكتوا عنه غلقوا عليه.
هذا ليس دينًا، وهذا على أصل معوج، هذا الفعل قائم على أصل أعوج، قائم على أصل أن يتتبع سقطات الناس. وهؤلاء، الله يُمهلهم، فإن سقطوا لا يقومون بعدها.
وهذا أمر معروف بالسَّـبر، وما نجا أحد من هؤلاء، فالله يفضحهم في عقر دارهم.

تأمل معي الآية:
{ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ..} [الإسراء : 36]

لا تنشغل بالناس، انشغل بنفسك، انشغل بعيوب نفسك، لا تنشغل بالناس، والذي ينشغل بسؤال الناس والسؤال عن الناس، من هم؟
هم الخوارج.

طالب العلم يُقرّر الحق ولا يبالي، إن قرر الحق لا يبالي بأثره، يقول الحق.

وجدتُ عبارة فرحتُ بها كثيرًا للإمام الذهبي، في المجلد السادس من كتابه “تاريخ الإسلام” :
وقال القاسم بن أبي صالح: جاء أيام الحج أبو بكر محمد بن الفضل القسطاني، وحريش بن أحمد إلى إبراهيم بن الحسين، جاءه اثنان فسألاه عن حديث الإفك، رواية الفروي، عن مالك. فحانت منه التفاتة، فقال له الزعفراني: يا أبا إسحاق تحدث الزنادقة؟
وقال: ومن الزنديق؟
فقال الزعفراني : هذا وهذا، ثم قال إن أبا حاتم لا يحدث حتى يمتحن.
فقال: أبو حاتم الرازي أمير المؤمنين في الحديث: والامتحان دين الخوارج.

ثم قال ابن ديزيل: من حضر مجلسي فكان من أهل السنة، سمع ما تقر به عينه؛ ومن كان من أهل البدعة يسمع ما يُـسخِّن الله به عينه ، فقاما، ولم يسمعا.
——–
ص708 – كتاب تاريخ الإسلام ت بشار – إبراهيم بن الحسين أبو إسحاق بن ديزيل الكسائي –

فالشاهد: من إيراد القصة، أن الامتحان والبحث عن عيوب الناس، والسؤال عن عقائد الناس، متى بدا لنا شيء يخالف الشرع رددناه، فالناس وسط وطرفان:
متساهل يسمع الباطل، ويرى أن الرد ليس بمشروع، وهذا خطأ.
فالله الذي تولى الرد على فرعون ، وأهل الباطل يُردُ عليهم.

وصنف آخر:
يُنقّر عن الناس، ويدخل في خفاياهم، ويبحث عن عيوبهم.
وهذا الفعل خطأ، والأصل:
{ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ..} [الإسراء : 36]
فإن علمت وبدَا باطله، رددت عليه.
فبعض الناس يقول:
الردود ليست من الشرع!
وهذا خطأ.
وبعض الناس يتعنّت في البحث عن بواطن الناس وخفاياهم، ويصنع لكل واحد إضبارة.

أنا أعرف هذا، هؤلاء الناس، أعرفهم ، يعني: كل واحد عنده شيء!
وهذا يُخالف قول الله عز وجل.
تسمعون، والله هذا كلام لا أحبه، ولكن لولا أنه واقع، والله ما تكلمت به.

وليس لأنه واقع، وأنا أعلم أنه واقع من 20 سنة، وأنا ساكت عنه، لكن أصبح له أثر، وأصبح له مدرسة، وأصبح هناك ناسٌ يدافعون عنه.
وإن قلتُ:
يا أيها الناس، اعتدلوا، الزموا الحق،
يُقال لك: أنت تطعن في إمام الجرح والتعديل!
لا حول ولا قوة إلا بالله.

المصدر:
المحاضرة الثانية
فضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان
نيل المرام في شرح آيات الأحكام
الدورة العلمية 27
التاريخ:
4 صفر 1447 هـ
29 يوليو 2025 م✍️✍️

◀️ رابط الفتوى:

[هل الأصل في الناس الامتحان، وأن تفحص عن عقائدهم، وأن تتتبع أحوالهم؟ ]