[الفتنة لا تروج ولا تقوم إلا بثلاثة أركان]
هذه الفتن لا تبقى نظرية، كما نقول الآن، نتكلم فيها بكلام نظري، أنا الآن أجهد أن أذكر لكم كليات فيها سنن لله جل في علاه، وفيها فهم مُجمل عام للفتن التي تنزل بالأمة، لكن الفتن لما تصبح لها وجود وحضور في المجتمعات، فالفتنة لا تروج ولا تقوم إلا بثلاثة أركان ، وهذه الأركان هم وكلاء الفتنة ، وهذا صح عند أبي شيبة في المصنف وعند أبي عمرو الداني في كتابه الفتن ، وكتاب أبي نعيم في “حلية الأولياء”.
قال حذيفة رضي الله تعالى عنه:
وكلت الفتنة بثلاثة، بالحاد النحرير، الذي لا يريد أن يرتفع له منها شيء إلا قمعه بالسيف، وبالخطيب الذي تدعو إليه الأمور، وبالشريف المذكور، فأما الحاد النحرير فتصرعه، وأما هذان فتبحثهما حتى تبلو ما عندهما».
[كتاب السنن الواردة في الفتن للداني-باب ما جاء في الفتن وغوائلها، وكثرة الهرج، وفساد الدين]
قوله “وأما هذان” :
أي الشريف والخطيب.
قال “فتبحثهما فتبلوا ما عندهما”، ولفظ أبي نعيم في “الحلية”: قال: “فأما هذان فتبطحهما لوجوههما”.
إذًا الفتنة قوة ضاغطة، “تبطح”، “تبطح” إيش يعني؟
يعني تجعل الرجل ينام على وجهه، الإنسان واقف في هواء ريح شديد فيأتيه ريح فيخر على وجهه من شدة ضغط الهواء، من شدة ضغط الفتنة، بعض الناس ينبطح، شو يعني ينبطح؟
يعني يغيِّـر ويبـدِّل.
الفتنة يحركها:
① الصنف الأول:
رجل نحرير صاحب همة ، ليس عنده أناة ولا حكمة ، ويؤمِن بالسيف والقتل والدم ، ويتورط في ذلك ، هذا الأول ، وهذا الصنف تَنبعُ الفتن من تحت قدميه.
الصف الثاني:
② الخطيب، الإعلام، وسائل الإعلام، ومن يحرك هذه الفتن وينشرها في المجتمع، فحذيفة أطلق عليهم “الخطيب”.
نحن الآن نقول “خطباء للفتن”؛ الآن تنتقل للناس عبر وسائل التواصل وعبر التلفاز وما شابه.
③ الصنف الثالث:
رجل وجيه، حسيب، له منزلة وله مكانة في المجتمع، فهذا النحرير يلعب بهؤلاء الصنفين، فالفتنة تبطحهما على وجوههما.
فالفتنة حتى تنتشر في الأمة، لا بد لها من ثلاثة وكلاء، وكلاء الفتنة، حذيفة سماهم “وكلاء الفتنة”.
كل فتنة إن بحثتها وفحصتَـها ، ونقَّرتَ ونقّبتَ عن أصحابها، فهي تدور على هؤلاء الثلاثة:
قسم “نحرير” شديد، ذكي، لكنه متهور، و”خطباء” يدعون إليها، ثم بعض الناس الذين لهم مكانة في المجتمع، يتعلق النحرير بهما، فيكون بوقًا لما يريد.
ولذا الفتنة ، العاقل يجب عليه الحلم والتؤدة وعدم العجلة، والأصل في المسلم في الفتنة العزلة، ولنا كلمة مطولة في طرق مقاومة الفتنة، ومنها العزلة، سيأتينا الكلام مطولًا عن ذلك.
وقد مدَح عمرو بن العاص الروم ؛ لأنهم حلماء عند الفتنة، وهنالك كلام جرى بينه وبين “المستورد بن شداد” أخرجه مسلم في صحيحه ، قال:
«تَقُومُ السَّاعَةُ والرُّومُ أكْثَرُ النَّاسِ. فَقالَ له عَمْرٌو: أبْصِرْ ما تَقُولُ، قالَ: أقُولُ ما سَمِعْتُ مِن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: لَئِنْ قُلْتَ ذلكَ، إنَّ فيهم لَخِصالًا أرْبَعًا: إنَّهُمْ لأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ، وأَسْرَعُهُمْ إفاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ، وأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ وخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ ويَتِيمٍ وضَعِيفٍ، وخامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ: وأَمْنَعُهُمْ مِن ظُلْمِ المُلُوكِ ».
الراوي : المستورد بن شداد | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم
الصفحة أو الرقم: 2898
“تقوم الساعة والروم أكثر الناس”، الروم بنو العيص، من سلالتهم الآن ؟
أهل أوروبا، غير العجم، العجم غير الروم، العجم أقوام مختلطوا النسب ، أشبه ما يكون العجم الآن بأمريكا، والروم أوروبا.
“إن فيهم” ، “في الروم” ، إن فيهم لخصالًا أربعًا:
① إنهم لأحلَـمُ الناس عند فتنة.
② وأسرَعُـهُم إفاقة بعد مصيبة ، إذا نزلت بهم نازلة يلملمون أنفسهم ويفيقون.
③ وأوشكَهُـم كَرّةً بعد فَرّة”؛ إنِ انهزِموا يلملموا أيضًا أحوالهم ويقومون.
④ “وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف.
⑤ وخامسة حسنة جميلة، وأمنَـعُهُم من ظلم الملوك”.
هذا موجود، لا يظلمون شعوبهم.
فالشاهد من هذا، إيراد هذا الحديث، أن الأصل في وقت الفتن الحلم، فالحلم في وقت الفتنة محمود، لما وقع ما وقع بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من فتن وقتال ، فكان بعضهم معتزلًا، فقيل له: “لِم لا تقاتِل؟”، قال: “أعطوني سيفًا له عين تبصر ، ولسان ينطق ، يخبرني من أقتل!
أنا لا أقتل المسلم.
الفتن التي نتكلم عنها هي الفتن التي تقع بين المسلمين ، يريق بعضهم دم بعض، فالواجب حينئذ العزلة، ولا يجوز لنا أن نشارك فيها ولو بكلمة، والكلام يأتي بإذن الله تعالى مطولًا فيما بعد.
المصدر:
الدورة الشرعية الثالثة للدعاة في اندونيسيا – منهج السلف في التعامل مع الفتن – المحاضرة الثانية.
تاريخ:
29 جمادى الآخرة 1446 هـ
30 ديسمبر 2024 م✍️✍️
◀️ رابط الفتوى: