[ النبي ﷺ أخبرنا عن اشتداد الفتن ] إذاً الفتن التي

[ النبي ﷺ أخبرنا عن اشتداد الفتن ]

إذاً الفتن التي ندرسها هي الفتن التي تموج موج البحر، وإن سألت عن موج البحر في الفتن فانظر إلى بلاد المسلمين، ولا سيما في وقت الثورات، وقت الاضطرابات، الوقت الذي تلعب فيه هذه الأمواج بهذه الأمة.

اسمع إلى حذيفة ماذا يقول فيما رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما أخرجه مسلم في صحيحه، قال:
« قالَ حُذَيْفَةُ بنُ اليَمَانِ: وَاللَّهِ إنِّي لأَعْلَمُ النَّاسِ بكُلِّ فِتْنَةٍ هي كَائِنَةٌ، فِيما بَيْنِي وبيْنَ السَّاعَةِ، وَما بي إلَّا أَنْ يَكونَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ أَسَرَّ إلَيَّ في ذلكَ شيئًا، لَمْ يُحَدِّثْهُ غيرِي، وَلَكِنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، قالَ وَهو يُحَدِّثُ مَجْلِسًا أَنَا فيه عَنِ الفِتَنِ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَهو يَعُدُّ الفِتَنَ: منهنَّ ثَلَاثٌ لا يَكَدْنَ يَذَرْنَ شيئًا، وَمِنْهُنَّ فِتَنٌ كَرِيَاحِ الصَّيْفِ، منها صِغَارٌ وَمنها كِبَارٌ. قال حُذَيفةُ: فذَهَب أولئكَ الرَّهطُ كلُّهم غَيْري ».

الراوي : حذيفة بن اليمان | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم | الصفحة أو الرقم : 2891
| التخريج : أخرجه البخاري (6604)

«إني لأعلم الناس بكل فتنة هي قائمة بيني وبين قيام الساعة»، أي أعلم خلق الله.

« منهنَّ ثَلَاثٌ لا يَكَدْنَ يَذَرْنَ شيئًا، وَمِنْهُنَّ فِتَنٌ كَرِيَاحِ الصَّيْفِ» ريح الصيف عارض.

فقال حذيفة رضي الله تعالى عنه:
«فذهب أولئك الرهط غيري».
كان معي مجموعة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ماتوا قبلي فبقيت أنا أذكر هذا الحديث، الشاهد: أراد الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم شبّه الفتن بالأمواج، شبَّهها برياح الصيف، وقسَّم الرياح إلى قسمين: قسم كبار وقسم صغار.

فالفتنة تموج بالأمة ، وتشبيه النبي ﷺ بعضها برياح الصيف دلالة على سرعة مجيئها ، وسرعة انقضائها ، وبيان ضعف أثرها.

الفتن التي وقعت في أمة الإسلام كثيرة ، ومن أكبر الفتن التي وقعت في بلاد المسلمين فتنة التتار، قتلوا فيها أعدادًا كبيرة جدًّا.

والنبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا عن اشتداد الفتن، وهنا لفتة لا بد أن أربط بها الحديث الأول مع الحديث الثاني: كيف تبدأ الفتنة؟

تبدأ بالاختلاف ، والخلاف يشتد ونترك التحاكم إلى: “عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ”، نأخذ الداء ونترك الدواء.

فتبدأ الفتنة بالاختلاف، وتتربع ويظهر أثرها القوي في القتال، وأول فتنة ظهرت في الأمة:
مقتل الخليفة عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه.

فالفتن تبدأ بالاختلاف، تشتد حتى تصل إلى سفك الدماء.

وهناك حديث جليل فيه كثير من الفوائد التي تخص الفتنة، سأذكره لكم وسأكرر ذكره في كل مناسبة يأتي ذكرها للفائدة التي فيه، وهي تخالف ما قبلها وما بعدها، حديث أخرجه مسلم في الصحيح قال :

«عن عبد الله بن عمرو -رضى الله عنهما- قال: كنا مع رسول الله ﷺ في سفر، فنزلنا منزلا فمنا من يُصلح خباءه، ومنا من ينتضل، ومنا من هو في جَشَره، إذ نادى منادي رسول الله ﷺ: الصلاةَ جامعة، فاجتمعنا إلى رسول الله ﷺ فقال: إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقًّا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جُعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرَها بلاءٌ وأمور تنكرونها، وتجيء فتنة يُرقِّق بعضها بعضًا، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مُهلكتي، ثم تنكشف، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأتِ إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه، ومن بايع إمامًا فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر»
أخرجه مسلم، كتاب الإمارة، باب الأمر بالوفاء ببيعة الخلفاء، الأول فالأول، برقم (1844).

قال عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة ـ تابعي الحديث ـ قال لعبد الله بن عمر وهو صحابي الحديث:
آلله سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فأهوى عبد الله بن عمرو بيديه إلى أذنيه وقلبه فقال: سمعته أذناي ووعاه قلبي.

هذا حديث جليل، وفيه بيان أسباب النجاة من الفتنة، ولما ننتهي من أسبابه سنذكره مرة أخرى، ولكن شاهدي من إيرادي الحديث في هذا الموطن أن أقول:
إن الفتن ستعصف بالأمة وتأتي على شكل أمواج، وذلك من قوله صلى الله عليه وسلم: “حتى تجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف، ثم تجيء، فيقول المؤمن: هذه هذه”.

فدل هذا القسم من الحديث على أن الفتن تعصف وتهب على الأمة على شكل أمواج، تأتي ثم تنكشف، ثم تأتي، ثم تنكشف، المؤمن الذي يحافظ على ثوابته أخبر عنه نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله: يقول المؤمن: هذه مهلكتي، لا يغير ولا يبدل، ثم تنكشف، ثم تجيء، فلما تجيء في الموجة الأخرى يقول المؤمن: هذه هذه، أي: هذه مهلكتي.

المؤمن في الفتن العُـمِّـيَّةِ يجب عليه أن يعتزلها، ولا يجوز له أن يشارك فيها، فالمؤمن في وقت الفتنة يخاف، ولا سيما يخاف من الدم، يخاف من القتل، وكان الإمام أحمد لما يُسأل عن القتل كان يقول:
أجبُن عن الإجابة فيه، فكان جبانًا، وهذا الجبن محمود وليس بمذموم.

المصدر:
الدورة الشرعية الثالثة للدعاة في اندونيسيا – منهج السلف في التعامل مع الفتن – المحاضرة الأولى.
تاريخ:
29 جمادى الآخرة 1446 هـ
30 ديسمبر 2024 م✍️✍️

◀️ رابط الفتوى:

[ النبي ﷺ أخبرنا عن اشتداد الفتن ] إذاً الفتن التي