[ سنن وأحكام الدفن ]

[ سنن وأحكام الدفن ]

جاء في الحديث:
وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ, أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ – رضي الله عنه – أَدْخَلَ الْمَيِّتَ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيِ الْقَبْرَ، وَقَالَ: هَذَا مِنَ السُّنَّةِ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ.

الشرح للشيخ مشهور حسن:
هذا حديث صحيح عبد الله بن زيد صحابي جليل فعل فعلا وهذا الفعل قال عنه هذا من السنة ، وفعل الصحابي الذي يتبعه قوله هذا من السنة يريد سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-.

أدخل الميت من قبل رجلي القبر جهة المحل الذي في القبر الذي توضع فيه الرجلان هذا يسمى رجلا القبر.

كيف يدخل الميت؟
يوضع الرأس في المكان الذي سيؤول أخيراً إلى أنه موضع قدمي الرجل.

يوضع الرأس هناك ، ثم الدافن يستله سلاً يدخله من رأسه إلى داخل القبر ، هذه هي الهيئة المسنونة المشروعة في إدخال الميت إلى القبر.

يوضع الرأس عند المكان الذي سيؤول إلى قدميه ، ثم يسحبه سحباً من رأسه إلى داخل القبر.

قال :
«وهذا من السنة».
فيسل سلاً رفيقا ، لأنه ثبت في صفة دفن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه سُلَّ في قبره من قِـبَلِ رأسه.

وسيأتينا مَن الذي دفن النبي صلى الله عليه وسلم ومن الذي غسله.

إذا لم يكن بالإمكان هذه الصفة في السَّـل لسبب يخص القبر ؛ فحينئذ نحن مضطرون ولا حرج لو أدخل من غير أن يُـستل إلى قبره.

لذا من السنة أن يُستَل الميت من رأسه ، أول ما يوضع الميت يوضع رأسه في المكان الذي فيه الرجلين ، ويسميها العلماء رجلا القبر ثم يحمله ياخذه ويسل سلاً إلى داخل القبر ، هذا هو المسنون في هذا الأمر إلا إن كان الأمر ليس مقدوراً عليه.

الحديث:
٥٧٤ – وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا, عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: «إِذَا وَضَعْتُمْ مَوْتَاكُمْ فِي الْقُبُورِ, فَقُولُوا: بِسْمِ اللَّهِ, وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم». أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ, وَأَبُو دَاوُدَ, وَالنَّسَائِيُّ, وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ, وَأَعَلَّهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِالْوَقْفِ.

الشرح للشيخ مشهور حسن:
هذا كلام لابن عمر رضي الله عنه ، ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بزيادة خرجها الحاكم والبيهقي ولكن سندها ضعيف ، والحديث عند الحاكم :
أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما وضعت أم كلثوم في القبر فقال -صلى الله عليه وسلم- منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ، ثم قال بسم الله وعلى ملة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

الآية :
{۞ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ} [طه : 55]

يرددها الناس في الدفن ، لكن لم تثبت ، هي وردت في حديث ضعيف عند الحاكم والبيهقي.

الثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تقول بسم الله ، الباء متعلقة بشيء محذوف ، تقديره وضعته بسم الله ، أدخلته بسم الله ، دفنته بسم الله ، فهذه كلها تصلح أن تكون متعلقات بـ (بسم الله).

أدخلته القبر ، دفنته ، وضعته في القبر وضعته بسم الله ، كما تقول بسم الله ، آكل بسم الله ، أشرب وهكذا.

«وعلى ملة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-» :
ما شرع الله على لسان أنبيائه يسمى ملة رسول الله ﷺ ، وما أنزله الله على أنبيائه يقال هذا من دين الله -سبحانه وتعالى-.

فالملة تضاف للنبي -صلى الله عليه وسلم- ، والدين لا يضاف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وإنما الدين يضاف إلى الله.

فالطريقة تقول ملة رسول الله ﷺ .

وأما الدين يضاف على ملة رسول الله ﷺ :
تقول: على الطريقة التي سنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسنها وهو حي.

ولذا قال :
وعلى ملة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

فمن السنة الغائبة التي قل من يتذكرها أن الميت عندما يُستل سلاً ، يقول الذي يَـستل :
بسم الله على ملة رسول الله ﷺ.

هذه سنة هجرها كثير من الناس بسبب الجهل أسأل الله أن يعلمنا وإياكم وأن يرزقنا مع العلم العمل.

٥٧٥ – وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا; أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: «كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.

٥٧٦ – وَزَادَ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ: «فِي الْإِثْمِ».

الشرح للشيخ مشهور حسن:
حديث مهم ورد الحديث بألفاظ ، وهذه الألفاظ يعني الفقيه يستنبط منها.

عن عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
كسر عظم الميت.

في لفظ «كسر عظم المؤمن ككسره حياً».

في رواية يعني عند الدارقطني :
في الإثم.

أي :
إثم من كسر عظم حي كإثم من كسر عظم ميت ، قال في الإثم.

وزيادة في الإثم الراجح عند المحدثين أنها مدرجة وليست من ألفاظ الحديث لم يقلها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإنما قالها بعض الرواة ، وقالها بعض الرواة للتوضيح ولبيان فقه الحديث.

ما معنى قول النبي -صلى الله عليه وسلم- كسر عظم الميت ككسره حياً ؟
أي في الإثم.

وبناء على رواية كسر عظم المؤمن كان شيخنا -رحمه الله تعالى- يقرر أن استفادة المؤمن من عضو الكافر مشروع ، ولا يجوز أن يستفيد المؤمن من عضو من أعضاء المؤمنين.

ولذا لما شُـخِّصَ ولده ، أسأل الله أن يحفظه ، ويكون معنا في بعض الدروس ، والآن ليس هو معنا ، ولهذا لما احتاج ولده (أبو عبادة عبد اللطيف أسأل الله أن يحفظه) لأن يزرع كبد ؛ فقال له خذ الكبد من الكفار ، فقال لي عبد اللطيف ذهبت إلى الصين فوجدتُ رجلاً محكوماً عليه بالإعدام ، وباعوا كل شيء فيه إلا الكبد ، فلما جئتُ فقال بعد أن أعدموه أعطوني الكبد.

فالشيخ هنا -رحمه الله- بناء على رواية كسر عظم المؤمن كان يتساهل في الأخذ الشيء من غير المؤمن ، قال:
وأما الكافر يأخذ منا ؛ فلا ، وأما أنا آخذ من المؤمن فلا.

ويقول هذا كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا كلامه عند أبي داوود.

الحديث:
٥٧٧ – وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ – رضي الله عنه – قَالَ: أَلْحَدُوا لِي لَحْدًا, وَانْصِبُوا عَلَى اللَّبِنِ نُصْبًا, كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

٥٧٨ – وَلِلْبَيْهَقِيِّ عَنْ جَابِرٍ نَحْوُهُ, وَزَادَ: وَرُفِعَ قَبْرُهُ عَنِ الْأَرْضِ قَدْرَ شِبْرٍ. وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

الشرح للشيخ مشهور حسن:
الحديث عند مسلم ، في السنن الأربعة عن عبد الله بن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال اللحد لنا والشق لغيرنا.

لنا أمة الإسلام اللحد وأما غيرنا له الشق ، وفي رواية والشق لأهل الكتاب.

الأراضي الرخوة يسهل فيها اللحد ، والأراضي الصلبة الشديدة يعسر فيها اللحد ، ولما توفي شيخنا -رحمه الله- ودفن وكان يحب أن يُحمل على الأكتاف ، فيسر الله -عز وجل- له أن يدفن في المقبرة القريبة من بيته ، في جبل هملان ماركا الجنوبية ، وحُـمِل على الأكتاف ، وكانت المقبرة مليئة ، ولم يبق إلا أماكن معدودة ، دفن فيها أربعة ، وكادت أن تغلق فلما حُـفِر ؛ كان مكان قبره صخرة كبيرة ، وما استطاعوا أن يدفنوه حتى طال بهم الأمد ، وشيخنا -رحمه الله- حفر قبره بالكمبريصة (آلة معروفة تستخدم بحفر الشارع) ، وشق له بها شقاً ، ومكث حفر القبر من قبيل العصر إلى ما بعد المغرب ، حتى دفن في هذه الصخرة ، فكأنه وضع في صندوق.

اللحد لنا والشق لغيرنا ، الشق أن تحفر حفرة عميقة حتى تأمن الرائحة الكريهة ، وحتى تأمن أكل السباع والكلاب للميت فتكون عميقة ، ثم إن عمدت إلى مكان القبلة ، وحفرت في هذا المكان حفرة للميت ، فتضع الميت في أسفل القبر في حفرة خاصة به ، ثم تهيل التراب ، هذا يسمى لحداً ، وقليل من يفعل اللحد.

واليوم إذا أراد الرجل أن يلحد الميت في مقبرة سحاب مثلاً (مقبرة تقع في عَـمَّان) ؛ يحتاج أن يأخذ مساحة قبرين ، وليس قبر واحد ، يأخذ مساحة قبر ويعمق الحفرة ، ثم يعمد إلى جهة القبلة ، فيحفر في داخل الحفرة حفرة أخرى ، فالحفرة الأخرى تتعدى إلى القبر الذي بعده ، كلفة زائدة ، لكن هذه سنة ، ومن كان مستطيعاً فاللحد هو الأفضل ، والشق لأهل الكتاب.

والنبي -صلى الله عليه وسلم- قضى الله -عز وجل- في سنته في كونه أن يُـلحَد ، فكان هناك اثنان يدفنون ويَحفرون ، فالذي حفر قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أبو طيب الأنصاري ، وكان يُلحِد ، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- أُلحِد في قبره.

في الحديث :
ألحدوا لي لحدا.

هذه وصية سعد ، وسعد مات بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وقال وانصبوا علي اللبن نصبا ، ثم فصل ذلك بقوله كما صنع برسول الله صلى الله عليه ، هذا هو حب النبي -صلى الله عليه وسلم- ، حتى طريقة دفنه ، تحب أن تموت في الطريقة التي دفن فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

أنت ميت لكن أن توصي من تحب أو أن تكتب في وصيتك كما صنع برسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

ما معنى وانصبوا لي اللَّـبِن؟
وهل من فرق بين اللَّـبِن والآجُـر؟
الآجُر واللبن ما الفرق بينهما؟
الآجُـر الذي يتماسك بالنار ، الذي يسمى عندنا اليوم بتعبيرنا اللبِن ، نسيمه لَـبِن هو في اللغة ليس لَـبِناً ، إنما هو في اللغة الآجُـر ، يعني يدخل الأسمنت فيه ، يدخل النار فيه ، واللبن إنما هو تراب وماء دون نار ، والنار تؤذي الميت كيفما كانت.

فيقول : وانصبوا لي نصباً.
أي ضعوا اللبن في عصره ، الذي لم يطبخ بنار حول القبر.

هناك أثر مجاهد عند أحمد فيه زيادة ، وسدوا خلل اللبن ، يعني ضعوا لي لبن ، والخلل الذي بين اللبنة والتي جنبها اجعلوا بينها تراباً حتى يظهر أن هذا المكان قبر ، حتى لا يداس عليه.

فهذا هو المشروع أن لا يكون هنالك آجر ، وانما يكون لبن وهذا معنى قول سعد وانصبوا علي اللبن نصبا.

انظر وضعه مسلم في صحيحه ، وهو من قول سعد ، لكن مسلم جعله في صحيحه لآخره لقوله :
كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم.

البيهقي زاد عن جابر:
رفع قبره على الأرض قدر شبر.

هذا في إسناده ضعف في إسناده الفضيل بن سليمان النمري وخالف من هو أوثق منه.

والشبر ما بين طرفي الأصابع الخنصر والإبهام ، الخنصر والإبهام ما بينهما مع التفريج ، هذا هو الشبر ، يرفع قدر شبر.

جثة الإنسان ، ثم التراب الذي أخرج من القبر ، يهال عليه ؛ فيكون شبراً ، ويكون حوله اللبِـن على حديث سعد.

هذا هو القبر المشروع ، يعني من غير تشييد للقبر ، من غير بناء ، من غير كتابة عليه ، وورد هذا في الحديث الذي بعده.

المصدر:
المحاضرة الثالثة لفضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان حفظه الله ، من كتاب بلوغ المرام من أدلة الأحكام ت الزهيري ، لابن حجر العسقلاني رحمه الله.
الموافق :
10 محرم 1447 هـ
05 يوليو 2025 م✍️✍️

◀️ رابط الفتوى:

[ سنن وأحكام الدفن ]