[الخوارج: نشأتهم، تاريخهم، وعلاماتهم ، وهل هم كفار ؟]
قال فضيلة الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان حفظه الله:
وفي ثوب بلال فضة ، وكل الناس راجعين من غزوة حنين، بعد أن نال كل واحد منهم ما نال، ومع هذا، بقيت بقية من الفضة فجعلها النبي ﷺ في ثوبه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ منها ويعطي كل من جاء من غزوة حنين، كل من يرجع من غزوة حنين أخذ شيئاً ، قالوا: في ثوب بلال فضة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض منها ويعطي الناس -غير العطايا-، أيضًا اعتراض على العطية في أصلها واعتراض على هذه الحال.
فقال:
يا محمد اعدل، اعدل يا محمد، اعدل.
فالنبي صلى الله عليه وسلم بدأه:
ويلك، ويلك، الويل لك، ويلك، ومن يعدل إذا لم أكن أنا أعدل؟
وقالوا: أول ظهور للخوارج في هذه القصة.
والخوارج بدأوا هاهنا، ومتى ينتهوا الخوارج؟
تخرج فئة منهم مع الدجال تقاتل معه.
الخوارج باقون من زمن النبي صلى الله عليه وسلم من هاهنا -أي في هذه القصة- إلى وقت الدجال.
والنبي صلى الله عليه وسلم وصف خروجهم:
يخرجون وينقطعون، يخرجون وينقطعون، كلما خرجت طائفة منهم قُـطِعوا.
قال النبي ﷺ : قُطعوا.
صيغة الفعل المبني للمجهول ، من الذي يقطعهم؟
① العلماء بالحجج والبرهان والبيان كما فعل علي لَمّا ناظرهم.
② والحُكام.
هذه سنة الله فيهم:
يظهرون بين الحين والحين وينقطعون.
والخوارج أول فرقة بدعية ظهرت في الإسلام، وبعد هذا الظهور تمزقوا واختلفوا خلافا شديدا فيما بينهم ، ومن تتبع أخبارهم علم ذلك، وهذه سنة باقية لله.
فمن خرج عن طريق أهل السنة والجماعة، فإن الخارجين لَن يبقوا على قول واحد، وإنما سنة الله الماضية فيهم أنهم يبقوا يخرج بعضهم على بعض ، ولا يجتمعون على كلمة.
وهذا أمر رأيناه فيمن فارق السنة والجماعة، فالمفارقة قد تبدأ بشبر وتنتهي بذراع.
قد تبدأ مفارقة أهل السنة والجماعة على شيء قليل.
علامة الناجي أمران، وينبغي لك يا طالب العلم أن تتأمل جيداً قولك: (أهل سنة وجماعة).
أهل سنة :
خلاف بدعة، وأهل جماعة خلاف فرقة.
فلا يَجمع العقول إلا السنة النبوية، وغير السنة تُفرِّق ولا تَجمع.
فكل من يقول لمن دعا لسنة: إنك تُفرِّق ؛ هذا لا يَفهم سنن الله جل في علاه.
لا يمكن أن نجتمع إلا بالسنة، (أهل السنة والجماعة) هذا شعار الناجين عند الله عز وجل ، وأول من خرج عنه الخوارج.
والخوارج باقون لكنهم مندحرون ، يظهرون بين الحين والحين، كلما خرج منهم قَرن ؛ قُـطِع -قطعه الله وفق سنته-.
فأول ما بدأ الخوارج في اتهام النبي ﷺ بأنه لَم يَعدِل!
ومن يعدل إذا لم أكن أعدل؟
لقد خِـبتُ وخَـسرِتُ إن لم أكن أعدل ، أو لقد خِـبتَ وخَـسِـرتَ إن لم أكن أعدل.
(على الضم) والمعنى ظاهر ، خِـبتُ وخَـسِرتُ إذا لم أكن عادلاً.
والأشهر ورواية الأكثر بالتاء المفتوحة:
لقد خِـبتَ أنت ، وخَـسِرتَ أنت إن لم أكن أنا أعدل.
فأنت أهل خسران وأهل تباب.
فأنت تابع لي ومقتدياً بي، فأنت صاحب تباب، صاحب خسارة، ما دمتُ أنا لا أعدل ، فقائدك لم يعدل، فأنت مثله!
(فقال عمر) ، وفي رواية في حديث أبي سعيد فقال :
(فقال خالد) ، وفي رواية أخرى في حديث أبي سعيد فيها ذكر (عمر وخالد)، قالها عمر ثم قام خالد فقالها.
وهذا كما قلنا لا إشكال فيه ولا تعارُضَ فيه، فبدأ عمر بقوله رضي الله تعالى عنه:
دعني يا رسول الله ﷺ فأقتلَ هذا المنافق.
فأقتلَ (بالنصب) على أنها جواب الأمر، (دعني) يا رسول الله فأقتل هذا المنافق.
فبدأها عمر، فلم يأذن له النبي صلى الله عليه وسلم بقتله،
فخالد جالس، وخالد يَعرِف أين السيف يوضع، وهذا الموضع موضع سيف، وموضع السيف من شأن خالد، فما قنع باعتراض عمر.
فأعاد عليه صلى الله عليه وسلم وكان جوابه هو هو.
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
معاذ الله.
معاذ الله أن أعمل على قتلِه.
هل هذا دلالة على عصمة دمه؟
لا، ليس دلالة على عصمة دمه، معاذ الله ، منصوبة على المفعول به ، وتقديره:
أعوذ بالله عوذاً وأستعيذ به استعاذة أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي.
هذا مقصد مهم جداً للنبي صلى الله عليه وسلم، إن هذا المعترِض وأصحابه فله أصحاب، سبحان الله!
لَما سمع النبي ﷺ له أصحاب ، سنة عجيبة!
قال: إن هذا من أي أصحابه؟
من أين؟
ما يستطيع أحد ينكر على النبي صلى الله عليه وسلم، وينكر على ولاة الأمور ، إلا وله أصحاب، هذه سنة.
فأصحابه مسكوت عنهم، لكن النبي صلى الله عليه وسلم أدرج أصحابه مع هذا الرجل، هذه الشنيعة، أمرٌ بشع لا يقدر عليه واحد ، إلا جمع متواطئون فيما بينهم.
هذا معنى كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، فمباشرة قال:
إن هذا وأصحابه، والعجب أنه ذكرهم بقوله ﷺ :
يقرأون القرآن.
يقرأون القرآن ؟
نعم يقرأون القرآن، ويشعروك أنهم أصحاب ديانة.
قال ابن عباس وذُكِـر عنده الخوارج وما يَلقونَ عند تلاوة القرآن ، فقال رضي الله تعالى عنه:
ليسوا بأشد اجتهاداً من اليهود والنصارى، ثم هم يضلون (أصحاب ضلالة ويضلون الناس)، يقرأون القرآن بألسنتهم، لا يجاوز حناجرهم، حلاقيمهم في رواية أخرى.
[ الناتئة في آخر الرقبة ] هذه الحناجر.
يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية.
هل الخوارج كفار؟
في أصل الخوارج أنهم ليسوا كفاراً ، وهذه الفرق التي سماها النبي صلى الله عليه وسلم:
افترقت اليهود على 71، وافترقت النصارى على 72.
وستفترق أمتي على 73، هل هم كفار؟
لا، انتبه!
أمة محمد صلى الله عليه وسلم إن ذكرت في الأحاديث يراد بها أمران:
① إما أنها أمة دعوة.
② وإما أنها أمة استجابة.
اليهودي والنصراني من أمة محمد ﷺ ؟
(نعم) ، و (لا).
إن قلتَ نعم بمعنى أنهم من أمة دعوته ﷺ ، فالنبي ﷺ مدعو إليهم وهم مأمورون أن يستجيبوا للنبي ﷺ ، أما هل هم من أمة الاستجابة؟
لا، لا يسوا من أمة الاستجابة.
الآن انتبه!
قال النبي ﷺ : افترقت اليهود، افترقت النصارى، ثم قال: ستفترق أمتي.
إذن قوله ﷺ :
(ستفترق أمتي) المراد في الأمة أمة استجابة، لأن أمة الاستجابة جُـعِلَت في الحديث نفسه مقابل أمة الدعوة.
اليهود والنصارى من أمة الدعوة، ثم قال: ستفترق أمتي، فالمراد تفترق أمتي وهم ليسوا كفاراً، تفترق أمتي هم أهل فُـرقة ، ولكنهم ليسوا كفاراً.
ولذا العلماء قالوا:
إن الخوارج ليسوا كفاراً وما خرجوا من الملة، وتكلم عن هذا جمع، ومن أحسن ما يُذكَر مذهب علي الذي خرجوا عليه رضي الله تعالى عنه.
فقد صح عنه من عدة طرق عند بن أبي شيبة ومحمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة ، والبيهقي وابن نصر أيضاً طريق آخر عن طارق بن شهاب قال:
كنتُ عند علي فسُئل عن أهل النهرين، أمشركون هم؟ قال: من الشرك فروا، وفي رواية: إخواننا بغوا علينا، وهذا هو المقصد: إخواننا، لكن لما سُئل: هل هم مشركون الخوارج؟ قال: لا، هم من الشرك فروا، قيل: فمنافقون هم؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً، قيل: فما هم؟ فقال علي رضي الله تعالى عنه: قوم بغوا علينا.
الخوارج قوم بغوا علينا.
وذكر شيخ الإسلام مطولاً في منهاج السنة النبوية ، وذكر أنه قد تواتر عن علي رضي الله تعالى عنه أنه لم يعاملهم معاملة الكافرين، فلم يُذَفِّـف جريحهم ، لم يُـجهِز على من سقط جريحاً.
الكافر إن سقطَ جريحاً لك أن تجهز عليه يعني أن تكمل عليه حتى تزهق روحه، أما الخارجي في حربهم مع علي فأمر أصحابه علي أن لا يذفَّفَ على جريحهم، وما عامل أزواجهم معاملة السبايا، ولا استحل مالهم، بل وصلى عليهم.
ففي هذا دلالة على أن الخوارج ليسوا في أصلهم كفاراً،
ممكن يكونوا نفاق خرجوا بالنفاق؟ ممكن، كما حصل في الحادثة التي نحن بصددها، ونحن بصدد حادثة مهمة وقع خلاف شديد بين أهل العلم متى بدأ الخروج؟
والصواب قول من قال أن الخروج بدأ في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبدأت البذرة الأولى في خروجهم في غزوة حنين، ثم اشتدت بعدها في هذه الحادثة، ثم اشتدت بعدها لما أَرسلَ عليٌّ ، وكان ذلك في العام العاشر للهجرة.
في هذه السنوات من ذي القعدة من السنة الثامنة إلى السنة العاشرة، بدأت الخوارج تظهر وبدأت تُفرِّخ وتبيض، وأصبح لها وجود وأصبح لهم تحرُّك، وتحركهم في السر فيما بينهم على عدم مرأى ولا تربية ولا تعليم ولا تزكية من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هكذا بدأت الخوارج ، والخوارج يتواصون ، وقد يكون بينهم من هو مغفَّـل، ولكن هذا المغفل إن منّ الله عليه بالصدق -انتبه- ومن ألطف ما وقفت عليه ما ذكره اللالكائي في كتابه شرح السنة في المجلد السابع صفحة 1234 برقم 2317 ذكَـرَ بسنده إلى محمد بن يعقوب ابن الأصم قال:
طاف خارجيان بالبيت -فالظاهر أن واحداً منهم كان عاقلاً- فقال أحدهما لصاحبه: لا يدخل الجنة من هذا الخَلق غيري وغيرك.
ما في خوراج إلا أنا وأنت.
يطوفون في البيت فأحد يقول للآخر قال:
لا يدخل الجنة من هذا الخلق غيري وغيرك، فقال له صاحبه وكان أعقل منه، فقال له صاحبه: جنة عرضها كعرض السماء والأرض بنيت فقط لي ولك؟ جنة الله جعلها عرضها عرض السماوات والأرض بنيت لي ولك؟ فقال: نعم، قال: هي لك وترك رأي الخوارج، هذه الجنة لك إذا وحدك، لك هي لك فقط، وأنا تبت إلى الله عز وجل من مذهب الخوارج.
فالخوارج قوم “حدثاء الأسنان”، سنهم صغير، سفهاء الأحلام، وسيأتي هذا في ما يأتي من أوصافهم في الأبواب الآتية، فهؤلاء الخوارج ليسوا كفار، أي ليسوا مرتدين، لكن هناك فِرق، وهذه الفِـرَق نحكم بكفرها وهي من الخوارج ، لكن ليس كل خارجي يقول بقول هذه الفِرَق، فبعض الخوارج ينكر سورة يوسف، فمن أنكر سورة يوسف كافر خرج من الملة، لكن لا يقال أن كل خارجي كافر.
بل بعض الخوارج زعم أن النبوة ما انقطعت ، وستبقى، وهذا أيضاً يضاد النصوص الشرعية ، وفيها الخروج عن ملة الإسلام، فنحن لا نكفر كل خارجي، ولكن الخارجي أو غيره ممن قال كلاماً دل عليه الدليل الصريح الواضح، فإننا نكفره.
المصدر:
البث المباشر – لدرس شيخنا شرح صحيح مسلم – فضيلة الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان.
التاريخ:
26 ربيع أول 1447 هـ
18 سبتمبر 2025 م✍️✍️
◀️ رابط الفتوى: