النبي صلى الله عليه وسلم يقول: { من سمع النداء ولم يجب فلا صلاة له إلا من عذر}، والعلماء يقولون ينبغي أن نحمل الحديث على ما كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أذن جهوري الصوت في وقت صحو من غير مكبرات الصوت فعلى كل من يسمعه يجب عليه التلبية، إلا المعذور، وما أكثر مساجد المسلمين اليوم، لكن من لم يسمع فإن لبى بالسيارة فهذا أمر حسن، ومن وقع في شك فهذا أمر يعود للورع والتقوى، فكلما ازداد الورع كلما لبى الإنسان لاسيما أن الخطوات من أسباب رفع الدرجات، فبكل خطوة لمن توضأ وأحسن الوضوء ثم خرج ليقضي فريضة فبكل خطوة ترفع لك درجة وتكتب لك حسنة، ويمحى لك بها خطيئة كما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لكن أيهما أفضل البيت القريب من المسجد أم البيت البعيد عن المسجد؟ بلا شك؛ البيت القريب أفضل، وأيهما أحسن المشي من البيت البعيد عن المسجد أم من البيت القريب؟ المشي من البيت البعيد أفضل، لكن البيت القريب أفضل أفضل؛ فخير البيوت بيته صلى الله عليه وسلم، وجل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يسكن في حجرات بجانب مسجده، فالنبي صلى الله عليه وسلم عقد على ثلاثة عشر امرأة ودخل بإحدى عشر امرأة، ومات عن تسع، وتسع من بيوت أزواجه كن بجانب المسجد، وبيتان فقط كانا بعيدين عن مسجده صلى الله عليه وسلم، فلو كان بعد البيت أفضل، لكان هذا حال أغلب بيوته صلى الله عليه وسلم.
وربنا يقول: {إنا نكتب ما قدموا وآثارهم}، فقد ذكر ربنا أن يكتب كل شيء، وخص الآثار بالذكر، بمنزلته وأهميته. ومعنى قوله عز وجل: {وآثارهم}: الخطوات للمسجد، ومن فضل الله علينا أن الله يكتب الخطوات في الذهاب والإياب كما ثبت عن أحمد وابن حبان بإسناد صحيح، من حديث عقبة بن عامر، وقصة بني سلمة معروفة لما أرادوا أن يقربوا من المسجد، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: {بنوا سلمة دياركم تكتب آثاركم}، ولذا أورد ابن جرير هذا الحديث عند تفسير قول الله تعالى: {إنا نكتب ما قدموا وآثارهم}، ففسر الآثار بهذا الحديث، وأحسن تفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فربنا خص الآثار بالذكر؛ لما لها من أجر، ولذا لا يزيد الإنسان في المشي إلى المسجد لكن لا تجب الجماعة إلا في حق من يسمع الآذان في وقت صحو، من مؤذن جهور الصوت، فهذا هو الواجب على كل من يسمع الأذان على هذه الحال، فإن لم يلبي يأثم، ويرتكب حراماً وصلاته صحيحة وتسقط من الذمة على أرجح الأقوال، والله أعلم.