أما القول بأن الخوارج أصحاب نسك وعبادة فنعم ، فقد وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : {سيأتي أقوام يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرأون القرآن لا يتجاوز حلاقيهم}، لكن كيف يكونون ضلالاً؟ لأن الفساد أصله في أمرين : إما فساد في الإرادة وهذه لما تفسد تقعد صاحبها عن عمل الصالحات، وقد يقع في المحظورات، وإما فساد في التصور يكون التصور خطأ، فالإنسان يعبد ويجتهد ويكون تصوره لدين الله خطأ ، وكما أن النقصان من الطاعات معصية ، فإن الزيادة عن الواجب معصية ، وفساد الخوارج الذين كفروا علياً ومن معه فسادهم في التصور وفساد التصور أخطر من فساد الإرادة فمن فهم شيئاً في دين الله خطأ وتعدى على الدين ، وإرادته سليمة ، هذا أخطر على الإسلام والمسلمين ممن فهم الإسلام صواباً وإرادته فاسدة وتصوره صحيح ، فصاحب الكبيرة يزني ، يشرب الخمر، ويعترف بالتقصير ويتوب، أما صاحب البدعة كيف يتوب؟ هو يتصور أنه يعبد الله في هذه البدعة فكيف يتوب منها؟ والخوارج أهل هوى ، والخوارج كانوا ينازعون الأصحاب على الحكم، ولذا كفروا الناس ، وقد ظفرت بأثر للحسن البصري ذكره أبو حيان التوحيدي في كتابه “البصائر والذخائر” في الجزء الأول ص 156، يعطي إشارة على الفساد الموجود عند الخوارج، قال “أتى رجل من الخوارج إلى الحسن البصري ، فقال له : ما تقول في الخوارج؟ قال الحسن : هم أصحاب دنيا، قال : ومن أين قلت أنهم أصحاب ، والواحد منهم يمشي بين الرماح حتى تتكسر فيه، ويخرج من أهله وولده ، قال الحسن : حدثني عن السلطان ! هل منعك من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والحج والعمرة ! قال : فأراه إنما منعك الدنيا فقاتلته عليها” أ.هـ. أي أنك قاتلته على أن تكون صاحب رئاسة وصاحب سلطنة، فالخوارج أصحاب دنيا على رأي الحسن البصري والفساد في تصورهم .