http://meshhoor.com/wp/wp-content/uploads/2016/08/س-1.mp3الجواب : باب رفع التعارض الظاهر بين الكتاب والسنة للعلماء جهود عظيمة فيه ، ولا يوجد اختلاف بين الوحيَيْن الشَّريفيْن ، سواء بين الآيات بعضها مع بعض ، أو بين الأحاديث بعضها مع بعض ، أو بين الآيات والأحاديث ، إذ كُلها وحي من عند الله عز وجل .
وإذا ظهر فيما يبدو باديَ الرأي خلاف فإنما هو في ذهن وعقل الإنسان .
للعلماء جوابان كُلِّيان في التوفيق بين الآيتين ، الجواب الأول أسهل والثاني يحتاج لشيء من البسط .
أما الجواب السهل فقوله تعالى : “وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون” يوافق قوله تعالى “ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم” ، فلذلك تعود على من ؟
*على الاختلاف أم على الرحمة ؟*
“ولا يزالون مُختلفون إلا من رحمَ ربُك ولذلك” أي وللرحمة خلقهم وليس بين الله تعالى و أحد من خلقه نَسَبْ وإنما العلاقة بين العِباد جميعاً وبين الله تعالى إنما هي العُبودية ، ولذلك خلقهم،خلقهم ليعبدوه ، وليحصلوا الرحمة من هذه العبادة سواءً في الدنيا أم في الآخرة ، فالتعارض غير ظاهر .
متى يظهر التعارُض ؟
يظهر التعارُض إذا أرْجَعْنا ولذلك خلقهم إلى الاختلاف ، فإذا أرْجَعْنا ولذلك خلقهم لذلك تعود على قوله تعالى” ولا يزالون مختلفين “فخلقهم للاختلاف وخلقهم للعبادة فحينئذ يظهر باديَ الرأي نَوْع تعارُض وحينئذ يأتي الإشكال، وحينئذ نبدأ بالكلام في رفع الإشكال ، فإذا كانت لذلك تعود على الاختلاف ، فيقال والله المستعان وعليه التكلان : *أنَّ لله إرادتان :*
1 – إرادة شرعية .
2 – إرادة كونية .
ولخلق الله تعالى أيضاً :
1 – خلق شرعي .
2 – خلق كوني .
وللإرسال إرسال لرُسُل الله تعالى :
1 – هناك رُسُل لله تعالى في الشرع
2 – هناك رُسُل لله في الكون ، في الإرادة الكَوْنية ، “إنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم ازا “، فالرُسُل في إرادة الله الشرعية هُمُ الأنبياء الذين أنزل عليهم الكُتُب وبينوا الأحكام من خلاله .
وهُناك نَوْعٌ آخر من الرُسُل وفْقَ سُنَّة الله في كَوْنِه وهُمُ الشياطين ، الشياطين رُسُل ، لكن رُسُل مَنْ ؟ رُسُل الكافرين ، أرسلهم على الكافرين تؤزهم أزا ، فالشياطين رُسُل لله ، لكن كيف يكون الشيطان رَسُول من رُسُل الله ؟
يكون على وِفْقَ سُنَّة الله في كَوْنِه لا في شرعه ، وأمَّا الأنبياء فَهُم على إرادة الله في شرعه .
ولذا الله جل في علاه خلقَ الناس على إرادة الله في كَوْنِه للاختلاف كما قال الله تعالى : “فمنهم شَقِي وسعيد” ، فخلق الله تعالى الناس منهم السعيد ومنهم الشقي ، والسعيد : الذي يستجيب لأوامر الله ويتبع الرُسُل والشَّقِي : الذي يَتنَكَّب هذا الأمر ، وحينئذ هذه الآية يكون لها مَوْقِع ومَوْضِع ، و دائماً رفع الخلاف الظاهر بين الآيات غالباً ما يكون على اختلاف الأحوال ، واختلاف الأحوال هو خيرُ سبيل لرفع الخلاف الذي يبدو من ظاهر الآيات، أما تقديم الجن على الإنس في الآية “وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون” الذي يبدو ُ لي ثلاثة وجوه، وجدت وجهاً في كُتُب التفسير ووَجهَيْن أسأل الله جل في علاه أن أكون نلتُ شيئاً من حقٍ أو صواب في ذكرهما .
* فالذي درج عند السَّابقين أنَّ الجِن قُدِمَت على الإنس لتقَدُم خِلْقَتُهُم ؛ فخلقَ الله الجِن قبل الإنس ، فالله جل في علاه قَدَّم الجِن على الإنس لأنَّ خلقهم تقدم على خلق الإنس .
* ويمكن أن يُقال أنَّ العبادة الأصل فيها الإخلاص والسِّر وعدم الإظهار ، والجِن من جنَّ وفعل جنَّ أي ستر ، يقال مجنون عقله غائب ، يقال جنين مستور في بطن أمه ، يقال جنة سترت أرضها بالخضرة ، ويقال مجن يستر صدر صاحبه ، ففعل جن مداره على السِّتر والخفاء ، وهذا مراد الله تعالى من العبادة ، فالأصل في العبادة تكون بين العبد وبين الله عز وجل بالسِّر ، وحتى لو كانت في العَلَن فينبغي أن تكون قائمة على الإخلاص ، فيمكن أن يُقال لأنَّ العبادة كذلك فقدم الله تعالى الجِن على الإنس .
* ويمكن أن يُقال وجه آخر ، أيهُما أبلغ في الكلام وأكثر في الكلام ؟ الجواب: الإنس ،؛”قل لإنِ اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا “، فقَدَّم الله الإنس على الجِن في معرض التحدي بالإتيان بمثل القرآن ، يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان ، فلمَّا كان التحدي بالعمل ، فقدَّم الله تعالى الجن على الإنس ، العبادة القَوْلِية والقلبية أوسع من العبادة الفعلية ، العبادة القلبية أوسع من العبادة الظاهرية ، والعبادة القولية أوسع من العبادة البدنية ، ولذا قَدَّم الجن على الإنس لقدرتهم على العمل والحركة وإلى آخره ، فهذه أوجه ، ولكن يبقى الأول هو الأقْعَد والمذكور عند السَّابقين ، والله تعالى أعلم .
⬅ مجلس فتاوى الجمعة
29 _7 _ 2016
↩ رابط الفتوى :
◀ خدمة الدُرَر الحِسان من مجالس الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان .✍?