الشيخ : المسألة مهمة ، والكلام طويل وخطير ، شيخنا الألباني الله يرحمه لما كان يُسئل عن أمثال هؤلاء ، فكان يقول فيهم نزعة خارجية ، الخارجي الذي يُكفر بالذنب ، من كفر حكامنا اليوم بمجرد الحكم بغير ما أنزل الله فهو خارجي ، لماذا تكفره ؟ لأنه يحكم بغير ما أنزل الله ، هذا التعليل يلزم أن تُكفر صاحب البيت الذي يحكم بغير ما أنزل الله ، وصاحب المتجر ، والمعلم ، إلى أخره ، فمجرد الحكم بغير ما أنزل الله فهذا يكون خارجي ، وهذا يترتب عليه سيف ، الخروج بالسيف ، الأوضاع في العصور المتأخرة ليست كالأوضاع في العصور الأولى ، من كفر الحاكم بقرائن قامت عنده وليس لمجرد معصية الحكم بغير ما أنزل الله واحتفت به ، ورائه كافرا ، فرأى الخروج عليه هذا يخطأ ، لأن الخروج لا يأتي إلا بشر ، ولا يضلل ولا يبدع ، مثلاً انسان عند حاكم ، هذا الحاكم ليس بمسلم ، فرأى القيام عليه ، الحاكم نصراني ، أو الحاكم نُصيري ، أو الحاكم كافر أصلاً ، غير مسلم أصلاً ، فرأى الخروج عليه ، فماذا نقول عنه ؟ نحن لا نضلله ، لكننا نخطئه للأثر المترتب على الخروج ، مثال أخر ، رجلٌ ما رأى أن حاكم ما باعتبارات ما ليس بمسلم ، فرأى الخروج ، فلو أنّ تصوري كتصوره لكان حكمي كحكمهِ ، فقواعدي وقواعده في الحكم واحده ! لكن تصوري يختلف عن تصوّره ، فأنا الآن أُخطّئه وانا الان لا أضلّله ، أخطّئهِ وأُحاربُ قوله الباطل واتبرأ الى الله تعالى منه ، ولا أستطيع أن اقول أنّه مبتدع وأنّه ضالّ ، اذا كانت قواعده كقواعدي في الحكمِ على التكفير ، وأنّه لا يكفّر بمجرد المعصية وإنّما عنده قرائن على التكفير ، أنا لا أقرّ بها ، هذا الصنف القلق هو أسباب مشاكل المسلمين هذه الأيام ، وهذا الصنف القلق هو الذي يُتعِب الدعوة السلفيّة هذه الأيام ، فبعض الناس لمّا تقول له تكفّر من حكم بغير ما أنزل الله ، يقول لك : لا أنا ما أكفّر بمجرد الحكم بغير ما أنزل الله ،وانّما أنا أُكفّر بكذا وأُكفّر بكذا ، فيبدأ يسرد لك أشياء هي في عرف الشرع قرائن ، فيقول أنا لا أكفّر بمجرد الحكم بغير ما أنزل الله ، أنا أكفّر فلانًا لأنه لبس صليبًا ، أنا أُكفّر فلانًا لأنه سجد لشي ما ! يعني عنده قرائن ، وعنده شُبه ، يعني هو لا يُكفّر ، هو متبرئ أصالةً من مذهب الخوارج الذين يكفرون بالمعصية ، هو قامت عنده قرائن فيُكفّر بسبب هذه القرائن التي احتفت بشخصية معينة ، مثلا القذافي كان أكثر شخصيتان مقلقتان جدا في الكلام على النّاس وهما :
1 – الشخصيّة الأولى صدام حسين .
2 – الشخصية الثانية القذافي .
القذافي شُهِر عنه أنه ما كان يقرأ “قل” ، كان يقول ” هو الله أحد ” ولا يقرأ قل ، غفر الله شديدًا وكثيرًا للشيخ عبد الحميد كِشك ، الشيخ عبد الحميد كشك في ذاك الزمان كان شريطه بمثابة محطة من المحطات الفضائية ، وكان له شريط في تكفير القذافي ، وكان يردد ويقرر أن القذافي كان يُنكِر ” قل ” واضطر القذافي وانا عندي مصحف الجماهيرية الليبية ، عندي المصحف وحصّلته من بعض إخواننا الليبيين المصحف عندي وطبعه القذافي وكلمة ” قل ” كتبها بيده
يعني الذي يقرأ مصحف الجماهيرية الليبيّة يجد أن ” قل ” ليست مطبوعةً طباعةً ، ” قل ” مكتوبه بخط يد ، فرأى القذافي حتى يردّ على كشك أنّه هو بخطّه يكتب ” قل ” ، كتب ” قل ” بخط يده ، وموجود المصحف الآن وعليه خط يده .
فواحد اعتقد أنّ الحاكم الفلاني للا يعتقد قرآنية آية ، دعنا من الحاكم ، واحد مسلم قال : سورة كذا ليست من القرآن ! ماذا نقول عنه ؟ ، نقول هذا كُفُر ، ونقيم عليه الحجّة إذا قامت عليه الحجّة وبقي يقول به فهذا كافر خارج من الملة ، من زاد في القرآن شيء او نقص منه فقد كفر ، حتى لو كان هذا حاكم ! حاكم أو محكوم سيّان ، فنحن وجدنا وبلونا بعض النّاس يتكلّم في خواص بعض الحكّام فيُكفّره لا لأنه يحكم بغير ما أنزل الله ، هو يُكفّره بقرائن ، فأنا أُخالِفه في تصوّره ، الخلاف بيني وبينه في التصوّر ، فهذا التصوّر أنا أقول يترتب عليه ظن ، والأصل اليقين لا يزول بالظنّ قولا واحدا ، والكلام في الحكّام ، بعض من تكلّم في الحكام كأنه خبرهم وعجنهم وخبزهم وعاش معهم ويعرف ما في بواطنهم ، ويحكم عليهم من دواخلهم ، ويأتي بالشيء ثمّ يجعل هذا العمل أمرٌ لا ينفكّ عنه الكفر ، والصواب خلاف ذلك ، فلو أنّ رجلًا مثلا رأيته يسجد للصنم ، هذا كُفر ، فقربت منه فوجدته يصلي وهو أعمى ، أعمى ويصلي رأيته ساجد ، هل تقيم عليه الكُفر الآن ؟ ، لا أحكم عليه بالكُفر لأنه رجل أعمى ، ويصلّي صلاة المسلمين ، وقام وسجد وركع وdقرأ ولا يعلم أن الصنم موجود ، فبعض الناس عنده مجرد هذه السجدة ، مجرد هذا العمل لأنه يسبق هذا الحكم بُغض ويسبق هذا الحكم سوء ظن ، فأنا أقول أن بعض الناس يحتاج الى أن ينعدل عقله في طريقة اسقاطه الأحكام وليس في أصول مبادئه ، يعني مبادئه أصلًا أنت وإياه تتوافقوا ، لكن هو يفسّر ما يرى وما يسمع تفسيرات فيها تهويل وتهويش و خروج عن الجادّة ، فخطأه من نفسيته ، خطأه ليس في موافقة الخوارج في التكفير بالذنب ، هو يُنكِر على من يُكفّر بالذنب .
هذا النوع قلق جدا وهذا النوع مزعج جدًا وهذا النوع غالبا ما يكون مثل الزئبق ، لا ترى له ملمس ، وله في كل بيئة ميل ، و يختلف الميل ، إن رأى بضاعة رائجة استرسل وان رأى بضاعة غير رائجة أحجم وسكت ، هذا الصنف متعب جدًا جدًا .
وبعض الناس بحكم أنه أعتدي عليه من بعض الجهات الأمنية في يوم من الأيام أو ما شابه ؛ هو ينتقم لنفسه من حيث لا يشعر ؛ كمن حُرِم من وظيفة وحُرِم من شيء فتجده هو دائما ينظر للأمور بنظرة أشبه ما تكون نظرة تشاؤمية
أنا أذكر أن واحدا لو قال عن هذا الكأس مثلا الذي أمامنا ، واحد يقول أن هذا الكأس نصفه مليء وآخر يقول نصفه فارغ ؛ فالذي يقول أن نصفه فارغ يميل للنظرة التشاؤمية ، والذي يقول ألآن نصفه مليء ينظر النظرة التفاؤلية ، مثل امرأتين جالستين في حديقة و جاءهم عامل التنظيفات ، وعندهم اولادهم ، كل واحدة عندها ولدها ، فواحدة نظرتها تشاؤمية ؛ تقول لولدها : يا أبني اذا فشلت في دراستك ستكون مثل هذا الزبال ! والأخرى نظرتها أسمى وأعلى ، نظرتها نظرة تفاؤلية ؛ فتقول لابنها : يا أبني ان درست تنجح والله يوسّع عليك وتساعد أمثال هذا النوع من الناس ، فهذا كلام وهذا كلام ! لكن فرق بين هذه النظرة وبين هذه النظرة .
فبعض الناس لا يعمل دائماً ناقد وحاقد ، دائما يشتم ، دائما يلعن ، ليس بإيجابي ، لا يبني شيئا ، ويُشعرك أنه فلان مشكلة واذا ذهب فلان الدين قام ، واذا بقي فلان لا يصبح للدين وجود ، نظره تشاؤمية من أسوأ ما يمكن ، وهذا علّته تبدأ كما قلت في نفسه ، هو يحتاج أن يغيّر نفسه ، والله تعالى أعلم .
السائل : شيخنا الله يحفظك لو كان السؤال أدق أقل بدرجة أو أعلى بدرجة ، لو كان هذا الرجل صاحب سنة ومعروف عنه انه صاحب سنة في اعتقاده ومنهجه وسلوكه ، الا أنّه في هذا الجانب تغيّر ، رأى مثلا جواز الخروج ، او رأى على الأقل أن هذا فيه مصلحة ، فهل يُعامل معاملة المبتدع ، أو يُعامل معاملة المُحذّر منه الذي لا يؤخذ عنه اطلاقًا .
الشيخ يقول : هذا سؤال غير الأول ؟ هذا غير الأول تمامًا
السائل : هو متمم للأول يا شيخ .
الشيخ : أنا أقلب عليك السؤال بسؤال حتى تتضح الأمور
رجل معتقده سليم مئة بالمئة ، يوافق أهل البدع في مسألة هي علمٌ وشارةٌ لهم ، يقول : كل شيء تمام الا أن القرآن مخلوق ، كل عقيدتي تمام بس القرآن المخلوق ، قول القرآن مخلوق اشارة الى المعتزلة ، هل هذا سُني ؟ لا هذا بدعي ، هذا بدعي ، وهنا مسالة وهي مهمة جدًا ، وكثير من الناس ما ينتبه لها ، هل يَلزمُ فيمن أتكلم فيه أن أعرف جميع أحواله ؟ لا ، لا يلزم ؛ متى ثبت عندي بيقين أن فلانًا وافق المبتدعة في شعار لهم ومسألة هي عَلمٌ عليهم ، ألحقتُه بهم ، لا يَلزمني معرفة كل شيء ، لا يلزمني أن يكون علمي محيط إحاطةً كامله بالذي أتكلم عليه ، أنا يَلزمني في شرع الله تعالى إن حكمت أن أحكم بعدل ، فان تيقنت ان فلاناً له مذهب ، وهذا المذهب علامة على أهل البدع فلا يلزمني ان اقول عنه انه ضال ، متى ثبت عندي بيقين أن فلان وافق المبتدعة في شعار لهم ، ومسألة هي علم عليهم ألحقته بهم ، فأنا لا يلزمني أن احيط إحاطة كاملة بالذي أتكلم عليه ، أنا يلزمني في شرع الله تعالى إن حكمت أن أحكم بعدل فإن تيقنت أن فلانا له مذهب وهذا المذهب علامة على أهل البدع فلا يلزمني أن أقول عنه ضال حتى اعرف عنه كل شيء لا يلزمني انا اضلله بهذا المقدار انا اضلله بهذا المقدار ، لذا من ثبت عندنا بيقين انه يرى الخروج على الحكام لأنهم يحكمون بغير ما أنزل الله فهذا فيه خارجية ، هذا خارجي ، هو يوافق الخوارج كما أن ذاك وافق المعتزلة بشيء هو شعار لهم ، هذا غير ذاك ، فلو انسان يكفر بمجر الحكم بغير ما أنزل الله هذا هو بداية الشر وهذا بداية التثوير و هذا بداية التفجير و هذا بداية السوء التي لا يعلم مداها إلا الله جل في علاه ، الشر يبدأ من هنا ، والله تعالى أعلم .
السائل : من جوز وأوجب الخروج على الحاكم الفاسق و ليس الكافر ، كيف نرد عليه ؟
الجواب : القول بالخروج على الحاكم الفاسق له تعلقات و ذكره القاضي أبو يعلى في كتابه الأحكام السلطانية و هو مذهب ليس بصحيح و هو مذهب قطعا ليس بصحيح فهذا الصنف من الناس قد يقال إنه وقع في بدعة لكن لا يقال انه مبتدع حتى يناقش و حتى ترفع الشبه عنه ، انا اتكلم في الوقوع عن بدعة قد حصلت ، يعني يقال انه قد وقع في البدعة ، أما إسقاط حكم مبتدع و إسقاط حكم الكافر و إسقاط حكم الفاسق فلابد من انتفاء الموانع ولا بد من تحقق الشروط و الله تعالى أعلم .