الشيخ : الراجح والله تعالى أعلم أن الدعاء بعد الصلاة ، فأمرها سهل وواسع.
فالاستخارة هي الدعاء بعد اداء الركعتين ، ومن المعلوم ما ذكره أهل العلم في معرض الذم وهو صنيع كثير من الناس انه يغفل عن الدعاء ، ويبدأ بالدعاء بعد الخروج من الصلاة ، وشيخ الاسلام في اقتضاء الصراط المستقيم يقول : هذا حاله كحال الذي وقف بين يدي الملك ثم ألجم ولم يسأله حاجته ، فلما خرج من بين يديه سأله.
فمن الخطأ الشنيع الذي يفعله كثير من الناس أنه بعد السلام مباشرة لا ينشغل بالاستغفار ولا ينشغل بالتسبيح وإنما ينشغل بالدعاء ، بينما الاستخارة على خلاف هذا ، الاستخارة ركعتين بين يدي الدعاء .
والإنسان الذي لا يستطيع ان يصلي الاستخارة يكفيه الدعاء ، ولذا كثير من الأخوات يسألن أنها تحتاج الى الاستخارة ويكون عندها سبب العذر الشرعي ، فلا تستطيع أن تؤدي الاستخارة ويأتيها أمر سريع ، يأتيها عريس مثلا ، والأخت صالحة تحتاج أن تستخير في هذا العريس ، فهنا بعضهن تستخير وهي حائض وهذا حرام ، وبعضهن توكل أمها أو أختها أن تستخير عنها وهذا أمر غير جائز شرعا ، وبعضهن تقتصر على الدعاء وهذا هو الأمر الحسن ، فإذا الشرع منعها من أداء الركعتين فلا اقل من ان ترفع يديها وتتوجه الى الله بالدعاء ، وتمام الاستخارة ان تكون هنالك صلاة وبعد الفراغ منها يكون الدعاء ، بعض اهل العلم يقول أن دعاء الاستخارة يكون قبل الصلاة ولا يكون بعدها ، والظاهر انه يكون بعدها .
وأختلف أهل العلم في الدعاء بعد الصلاة هل فيه رفع لليدين ام ليس فيه رفع ، النبي صلى الله عليه وسلـم علمنا ان دعاء الاستخارة مخصوص ، ومع خصوصيته وتقييده بألفاظ معينة إلا أن المسألة التي يسأل العبد ربه بسبب هذه الصلاة هي غير محصورة ، ففي الحديث يقول النبي صـلى الله عليه وسلم : “ويسمي حاجته ” ، ومن المعلوم ان الدعاء المحصور يُنظر فيه فاذا رفع النبي صـلى الله عليه وسلم يديه رفعنا. وان لم يرفع لم نرفع ، مثلا نزول المطر: ” اللهم صيبا نافعا”، ما ورد فيه الرفع نرفع وما لم يرد فلا نرفع .
الدعاء المخصوص بمناسبة مخصوصة لا يكون هنالك رفع ، والدعاء المطلق يكون فيه رفع ، اي الدعاء ليس مخصوص بسبب ، والدعاء ليس له وقت وانما مطلق الدعاء أي متى أحتاج العبد أن يسأل ربه سؤالا مطلقا وليس مقيدا بمناسبة أو ذكر معين فمن السنة أن يرفع يديه والاحاديث في رفع اليدين ففي هذا الباب شهيرة وكثيرة جمعها غير واحد وأوعب من جمعها ابن حجر والهيثمي في ” فضل الوعاء في رفع اليدين في الدعاء ” ، فحينئذ يرفع ، الآن بعد الاستخارة نرفع او لا نرفع ، منهم من نظر الى الحاجة فجعلها ليست مخصوصة عامة فقال بالرفع ، وهذا عندي أحسن ، هذا احسن أنه بعد الركعتين ترفع يديك وتدعُ ، فمن حفظ الدعاء المأثور عن النبي صـلى الله عليه وسلم فهذا هو التمام والكمال ، ونظرا لتسمية الحاجة المطلقة التي في دعاء الاستخارة قال أهل العلم يرفع اليدين ، ومنهم من قال لا يرفع لأن هذه صلاة بدعاء مخصوص وجل الدعاء هي ألفاظ مخصوصة ، فنقول : ليست العبرة بالجل والكثرة وإنما العبرة بالسبب الذي من أجله يستخير الإنسان ويسمي حاجته ، قد يضطر الإنسان أن يسمي وأن يفصل في الدعاء وأن يطيل فالعبرة بهذا ، ولذا الألصق والله تعالى أعلم والاقعد أن دعاء الاستخارة دعاء مطلق والانسان يرفع يديه ويدعو ، ولذا الذي لا يحفظ الدعاء لو أنه صلى ركعتين ورفع يديه ودعا دعاء مطلق كذلك لا حرج ان شاء الله مع القصور في تنكب السنة النبوية التي علمنا اياها النبي صـلى الله عليه وسلم ، والله تعالى اعلم .
السائل : لو كان لا يحفظ الدعاء وبدا له ان يمسكه فهل لو كان مكتوب هل يكون افضل ؟ .
الشيخ : إذا اهل العلم يجوزون في بعض الصور حمل المصحف والقراءة منه ، فإن كتبه فلاشك ما في حرج في هذا ، إذا كان لا يحسن الحفظ ، فاذا كتبه فلا أرى حرجا إن شاء الله تعالى في هذا ، والله تعالى اعلم ،
السائل : شيخنا معلوم ان الرؤية لا اعتبار لها في موضوع الاستخارة ، فماذا لو فقط رأى رؤيا ولم يتضح له شيء في الاستخارة إلا أنه رأى رؤية .
الشيخ : جزاك ربِ خيراً ، هذا يحتاج لشيء من التفصيل ، درج عند الناس أن الاستخارة لا تكون إلا برؤية وكثير من الناس يستشكل فيقول أنا استخرت وبعضهم يسمي عدد من المرات ويقول : ولم أجد شيئا ، وهذا قائم على وهم ، لا صلة بين الرؤيا وبين الاستخارة ، فإن وقعت فبها ونعمت والمطلوب من العبد أن يستشير وأن يتدبر فإن رأى إقبالا عنده استخار ويمضي ، يستشير اولا يتدبر الوضع فإن رأى عنده اقبالا يستخير ويمضي ، فإذا تم فببركة الاستخارة وإذا لم يتم فببركة الاستخارة ، لكن إذا قامت مؤيدات من الله جل في علاه وتم الأمر فالرؤيا هي جند من جنود الله ، فاذا قامت مؤيدات فلا حرج ، وكان النبي صـلى الله عليه وسلم يحب الفال الحسن، فإذا قامت مؤيدات على الاقبال إنسان مثلا متردد يتزوج أو لا يتزوج للوضع المادي ، فبعد أن استخار واستشار ، قال : رأى الوضع مناسب فقال أتزوج بهذا الوقت ، فجاءه هدية مبلغ كبير فهذا واضح أنه تأييد من الله له ، أو رأى في المنام رؤيا تنم عن خير ، فالرؤيا مع قولنا لا صلة لها بالاستخارة إلا أن هنالك مؤيدات الله عز وجل يعين العبد عليها، سواء كانت محسوسة مادية أو كانت غير مادية .
# وتبقى مسألة مهمة تكرار الاستخارة ، هل يشرع أن تكرر الاستخارة ؟
لم يثبت في تكرار الاستخارة إلا في صنيع عبد الله ابن الزبير ، فقد ثبت عنه أنه كرر الاستخارة ولم يثبت هذا التكرار في اي نص اخر ، وظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلّم : إذا همَّ أحدكم بالأمرِ فلْيركعْ ركعتيْن من غير الفريضةِ ثم ليقل ، ظاهره عدم التكرار ، وأغلب تكرار الناس بسبب تصور خاطئ عن الاستخارة ، فتراه غير عازم وغير هام ويستخير ، أنت إذا ما هممت شاور، تأنّى ، انظر، تدبر ، فمتى هممت تستخير وتمضي ، فلا داعي للتكرار إلا إذ تغيّر السبب ، مثلاً إنسان استخار أنه يتزوج فلانة ثم فلانة عدلَ عنها فتغير السبب فجاء زوج آخر، زوجة أخرى فيستخير بالزوجة الأخرى أو على سبب آخر من الأسباب و هكذا ، أما الشيء الواحد يبقى يكرر ، كثير من أخواتنا النساء تقول : أتاني واحد واستخرت كذا مرة وما رأيت شيء في المنام أقبل ولا ما أقبل ؟ هذا خطأ ، هذا الفهم خطأ ، ما تقبلي ولا تقبلي ابحثي عنه واسألي واجعلي الشرع ميزاناً ، اسألي عن أخلاقه ، اسألي عن دينه ، فإذا ناسب الآن استخيري واقبلي ، الآن استخيري وأرضي بالقبول ، كثير من الناس يقول استخرت وما وفّقت ، لا يلزم من الاستخارة أن يقع التوفيق ، فالاستخارة أمر شرعي والتوفيق وعدمه في الحياة بقضاء الله الكوني ، وقضاء الله الكوني أمر والاستخارة التي هي الأمر الشرعي شيء آخر ، لكن بلا شك أنّ الاستخارة لها أثر على حياة العبد وبلا شك أن كل ما شرعه الله تعالى فيه خير له في عاجله وآجله وما يدري الإنسان ماذا كان مكتوب له قبل الاستخارة ثم ماذا كتب له وماذا رفع عنه من البلاء والشر بعد الاستخارة ، فالعبد المطلوب منه أن يبحث دائماً عما طلبه الله منه وما رغّبه فيه ولا يسأل عما أراد الله به ، يسأل عما أراد الله منه ، فماذا أراد الله به فهذا أمر لا يعرفه نبي مُرسَل ولا مَلَك مقرّب والله تعالى أعلم .
السؤال : شيخنا بعضهم يقولون : تُقدّم الاستخارة على الاستشارة أم الاستشارة على الاستخارة ، فيقولون الأفضل أن تستشير ثم تستخير لأنه من غير اللائق بعد أن تستخير ربك فتذهب فتستشير .
الجواب : أنا أقول الاستشارة قبل الصلاة لقول النبي صـلى الله عليه وسلم إذا همّ احدكم بأمر ، يعني همّ : عزم المراد به ، ومعنى أنه يعزم يسبقه كل التدابير التي تسبق الاستخارة ، يسبقه التدابير أن يسأل ، مثلا بعض النساء يأتيها عريس تذهب مباشرة إلى الاستخارة ثم بعد الاستخارة يثبت لها أنّه يشرب خمر أو تارك صلاة ما فائدة الاستخارة هذه ؟ ، فأنا لما اسأل وأعلم أنه يشرب خمر أو أنه تارك للصلاة يحرُم شرعا أن تتردد في الرد فالواجب عليها أن لا تقبل فالآن ليس وقت الاستخارة ، وقت الاستخارة أن يترك الانسان تدبيره ونظره وتقديره وإعمال رأيه وجهده في القبول والعدم بعد إذن الشرع بالعمل وتوكيل الأمر لله ، أنا أخرج الآن من تدبيري وكأني أقول يا رب بدا لي في نظري القاصر وتقديري الذي قد يقع فيه الخلل يا رب بدا لي أن افعل كذا فيا رب إذا كان هذا الذي قد ظهر لي فيه خير فأمضه ، وإن لم يكن كذلك فاصرفني عنه وابعدني عنه ، بلا شك ان الاستخارة يسبقها الأخذ بالتدابير ومن ضمن التدابير التي يأخذها العبد الاستشارة .
# ما هو موطن الاستشارة ؟
للشاطبي رحمه الله حقيقة كلمة بديعة في الموافقات في موضوع الاستشارة ، واتمنى أنا وإخواني يوم لو نقرأ الموافقات قراءة سريعة يا ليتنا نستطيع أن نقرأ هذا ، يقول : لما يجتمع عند العبد هوى ومصلحة فيحتار ، يعني أيهما يغلب أنا في امر لي في هوى ولي فيه مصلحة ، فيا رب ماذا أعمل ؟ هواي هنا ولي فيه مصلحة أيضا أخشى أن تغلب هواي على مصلحتي في العمل ، الهوى سمي هوى من الهون ، ولأنه يهوي بصاحبه ، صاحب الهوى في هوان ، والهوى يجعل الإنسان بعيد عن الاتزان ، فالمستخير لما يستخير من يظن به خيرا وعلما هو الآن يُخلّص مصلحته من هواه ، فيجعل الأمر بين يدي أخٍ له راجح العقل لا هوى له في هذا العمل ، فالإنسان متى الآن يستخير ؟ ، في أمر يلتبس عليه له فيه مصلحة وله في ميل يعني أنا لي ميل لي في نفسي ميل لي في نفسي ميل ، أنا الآن ماذا أعمل ؟ أنا الآن استخير والاستخارة موطنها الاخر المشروع المحبوب إن حصل شر فلا يلام احد ، وإن حصل خير فالكل يأخذه ، يعني لا يختص به أحد إن حصل خير لا يختص به أحد وإنما الخير يكون لمن ؟ للجميع إن حصل شر لا يلام أحد ، لا يجوز شرعاً بعد أن نستخير يقال هذا قول فلان ، أنا لما شاورتك هذه بعد المشورة وليست بعد الاستخارة بعد أن نتشاور إذا وقع شر لا يجوز أن يقال هذا قول فلان ، لماذا ؟ لأني بالاستشارة أصبح هذا القول قول مَن ؟ قول الجميع ، بالمشورة أصبح قول الجميع ، لذا المشورة الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلمـ فقال : “وشاورهم في الأمر” ، وهنا مسألة مذكورة في المطولات في كتب التفسير لقوله تعالى : ” وأمرهم شورى بينهم” وكذلك عند قوله تعالى : “وشاورهم في الأمر” .
هل الشورى مُلزِمة أم مُعلِمة ؟ يعني لو أنّ النبي صلى الله عليه وسلم عندما شاور قوما فأشاروا عليه بشيء ، او أنّ قائدا شاور جنده في شيء فأشاروا عليه بشيء فهل هذا الشيء الذي يُشار عليه به مُلزِم له أم هي أمر مُعلِم محض؟
هذا وقع فيه خلاف ، وقعت فيه وجهات نظر بمعنى أنّ القيادة في المعركة قيادة فردية ولّا قيادة جماعيّة ؟ النبي صلى الله عليه وسلم لما شاور قومه في أُحُد أشاروا عليه بالخروج وكان يحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يبقى ، فلمّا أشاروا عليه بالخروج فالنبي صلى الله عليه وسلم لبس لَأْمَة الحرب وأراد أن يبدأ وأن يخرج من المدينة إلى ملاقاة الكفار ، ثم ندموا ، وأظهروا للنبي صلى الله عليه وسلم قبول رأيه الأول ان يبقى في المدينة وألّا يخرج فالنبي صلى الله عليه وسلم ردّ القَبول الثاني ، فهل هذا الرد لأن المشورة مُلزِمة فمنهم من احتج بها لكن النبي صلى الله عليه وسلم علّل بذكر خصّيصة للأنبياء بأنه ما كان لنبي اذا لبس لَأْمَة الحرب أن يضعها ، فأي نبي إذا همّ بالحرب ولبس لباس الحرب ليس له أن يرجع ، فالظاهر أن هذا الحديث في القول بالإلزام ليس بمُلزمِ ، والنبي صلى الله عليه وسلم وهو أكمل الخلق وأحسن الخلق تدبيرا وأكثرهم فهما وأعرفهم واكثرهم توفيقا من الله عز وجل كان يشاور وكانت مشورته صلى الله عليه وسلم في نفسه ليست بملزمة إنما هي مُعلمة ، فيستعلم من أصحابه ماذا يريد وفق أشياء خصها الله تعالى به كالحالة التي ذكرنا ، فالمسألة الخلاف فيها قوي ولا يوجد نص صريح صحيح ، وإنما هي إلزامات واستنباطات والله تعالى أعلم.