وقع خلاف بين العلماء في حجية المرسل، والناظر في مذهب الأئمة الأربعة في الاحتجاج بالحديث المرسل، يجد أن أقدمهم زمناً أكثرهم احتجاجاً به، وأن آخرهم زمناً أكثرهم تضييقاً في الاحتجاج به فأقدم الأمة أبو حنيفة والمرسل عند أبي حنيفة حجة بإطلاق، ثم الإمام مالك، ومالك عنده المرسل، حجة إذا عضده عمل أهل المدينة، ثم الإمام الشافعي والمرسل عنده حجة إن وجد ما يشهد له من الموقوف الصحيح أو مما يقبل الجبر من الحديث الضعيف، وآخرهم الإمام أحمد وهو لا يعتبر المرسل حجة.
والقول المعتمد عند العلماء المخرجين أن المرسل ضعيف لا يعتمد عليه وليس بحجة في ذاته، لكن ضعفه يسير يقبل الجبر، فيتساهل فيه في الشواهد ولا يتساهل في الأصول.
وقد ذكر الإمام الشافعي كلمة اشتهرت عنه وفهمت عنه خطأ، فقد قال: (أصح المراسيل مراسيل سعيد بن المسيب) وليس مراد الشافعي بمقولته هذه على التحقيق أن مراسيل سعيد بن المسيب حجة، وإن مراده أنه بالسير وجد جُلَّ مراسيل سعيد بن المسيب تقبل الجب، ولكن أعلى الشافعي في “الأم” في أكثر من موطن الاحتجاج ببعض الأحاديث وهي من مراسيل سعيد؛ وذلك لأنه لم يجد لها ما يجبرها، فمراد الشافعي إذن أن مراسيل سعيد جلها ممكن جبره وإلا تبقى في دائرة الضعف وقد نصص على ذلك.