لا نعرف في الدين إلا حزباً واحداً وهو الذي ذكره الله تعالى في كتابه: {أولئك حزب ألا إن حزب الله هم المفلحون}، فلا نعرف في الشرع أحزاباً والمسلم أخو المسلم شاء أم أبى.
والواجب على المسلمين الاجتماع لا الافتراق والحب والبغض والولاء والبراء يكون على مقدار الدين والعلم والتقوى، فكلما ازداد الإنسان علماً وديناً وجب على سائر المسلمين أن يكون مقدماً عندهم في الحب والولاء وكلما نقص دينه وخف ورعه وقل علمه، فحينئذ يقل الحب والولاء بمقدار النقص في التقوى والعلم.
وعلى هذا فإن أولياء أمور المسلمين الذين تجب عليهم طاعتهم هم العلماء والأمراء فمن أتاه الله علماً فهو ولي أمر ومخالفته حرام في الشرع.
والحب والبغض في الشرع يكون على حسب التقوى والورع وقد يجتمع في الشخص الواحد حب وبغض، فأحب شيئاً من خصاله وأبغض شيئاً، وقد يجتمع في شخص واحد ولاء وبراء، فأواليه في أشياء وأعاديه في أشياء ولذا أمرنا أن نقول حقاً وأن نصنع عدلاً ولا نعرف ميزاناً في الإسلام غير هذا الميزان.
ولما حصل نزاع بين رجل من الأنصار وآخر من المهاجرين أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال المهاجري: يا للمهاجرين، وقال الأنصاري: يا للأنصار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {أجاهلية وأنا بين ظهرانيكم}، فعد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك جاهلية مع أن المهاجرين والأنصار اسمان شرعيان مذكوران في كتاب الله في سياق المدح، في قوله تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ورضي الله عنهم ورضوا عنه}، فإذا قال الإنسان : يا للـ ، واستنصر بعشيرته أو بحزبه أو بأصحابه على أخيه ولم يكن من ميزان الدين فهذه جاهلية .
ونحن لا نعرف في ديننا شيئاً يجمع المسلمين إلا الدين نفسه، فالقريب من الدين في العلم والعمل هو الواجب أن يكون قريباً من قلوب الناس وتأييدهم وحبهم والبعيد عن الدين في العلم والعمل يكون بعده عن حبهم وقلوبهم وتأييدهم بمقدار بعده فلا نعرف ميزاناً غير ذات الدين.
أما أن يجتمع كل مئة أو كل ألف أو ألفين على رجل وكل واحد منهم يقول: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا}، ليشد الناس إليه فهذا القول فيه تجميع والفعل فيه تفريق، والعبرة بالحقائق لا بالأسماء فلا نعرف في ديننا تقسيمات وتحزبات يوالون ويعادون عليها، نعم كان موجوداً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أنصار ومهاجرون لكن هذين الإسمين لا يؤثران عليهم ولما كادا أن يؤثرا عليهم لما قال رجل يا للأنصار، والآخر يا للمهاجرين، عده النبي صلى الله عليه وسلم جاهلية، فإن أصبح الولاء والبراء على أسماء وإن كانت شرعية، فإن الشرع من هذا بريء ونسأل الله العفو والعافية.