المنامات لا تنبني عليها أحكام فقهية، وللمنامات مدخل كبير للشيطان وقد يلعب الشيطان بالإنسان في النوم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {الرؤيا ثلاثة، من الرحمن ومن الشيطان وحديث نفس}.
وكل رؤيا يمكن أن يكون للشيطان فيها نصيب، إلا صورة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: {من رآني في المنام فقد رآني حقاً فإن الشيطان لا يتمثل بي}، ودققوا في قوله في أول الحديث: {من رآني}، وفي آخره: {فإن الشيطان لا يتمثل بي}، فقد ترى صورة النبي صلى الله عليه وسلم وتسمع صوت الشيطان، فإن العصمة في الصورة صورة النبي صلى الله عليه وسلم وليس في السماع سماع صوته صلى الله عليه وسلم، فبعض الناس يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وقال لي كذا وكذا، ويكون الذي قاله ما له وجود في الدين، فالرؤيا تكون حقاً، لكن الصوت الذي سمعه من الشيطان.
لكن لو أن الصورة التي رأيتها ليست صورة النبي صلى الله عليه وسلم وألقي في نفسك أنه النبي صلى الله عليه وسلم فهذا شيطان، لأنه لا يستطيع أن يتمثل صورة النبي صلى الله عليه وسلم الحقيقية، أما صورة أخرى يتمثلها الشيطان ويلقي في نفسك أنه النبي فهذا ممكن، بل ممكن أن يتمثل الشيطان للإنسان في المنام ويلقي في قلبه أنه رب العزة، فكما أنه في عالم المشاهدة هناك من يقول أنه رب العزة، كالدجال، فلا يبعد في المنام أن يأتي شيطان من الشياطين ويقول للرائي: أنا رب العزة، فيظن إن كان جاهلاً أنه رأى الله، والله عز وجل على خلاف ما يتصور وما يتخيل الإنسان، وعلى خلاف ما يرى الإنسان في المنام {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}.
وأصدق الناس رؤيا أصدق الناس حديثاً، ومن كان صادقاً في كلامه، فإن رؤياه تصدق ويراها في الواقع، وأن ترى في الواقع ما ترى في المنام، هذه علامة خير، وهذا كان حال النبي صلى الله عليه وسلم في بداية البعثة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: {الرؤيا جزء من ست وأربعين جزءاً من النبوة}.
والرؤيا لا يثبت بها حكم شرعي وإنما يستأنس بها، ولا يوجد صلة بين صلاة الاستخارة وبين الرؤيا، فلا يشترط لكل من استخار أن يرى رؤيا، لكن من استخار ثم نام فرأى ما يسر فهذه علامة خير، وعلامة انشراح صدر، ولكن لا تلازم بين الاستخارة وبين المنام.
والاستخارة تكون لما يرى أن له في هذا الأمر مصلحة، لأن في الحديث: {إذا هم أحدكم بالأمر ….} والإنسان لا يهم بالأمر إلا إن رأى أن له فيه مصلحة، وتكون الاستخارة في الأمور الدنيوية المباحة، لا في الأمور الشرعية، كأن يستخير أن يصوم أم لا، أو أن يصل رحمه أم لا، ولا تكون في الحرام..
وأيضاً تكون الاستخارة في الأمور التي يكون قادراً عليها، فلا يستخير على الزواج من إنسانة معينة، وهو ليس عنده مقدرة على الزواج، فيستخير الإنسان بعد أن يكاد يفعل، وكل المقدمات تأذن له بالفعل، فيستخير ويمضي بالفعل ولا يتردد، فإن يسر له الأمر فهذا من بركة الاستخارة، وإن لم ييسر له الأمر، وصرف عنه فهذا من بركة الاستخارة.
أما الخرافة القائمة في أذهان الناس أن المستخير ما لم ير، فلا تصح استخارته، فهذا ما أنزل الله به من سلطان، بل يترجح عندي أنه لا يشرع تكرار الاستخارة في الأمر الواحد، فلا يستخار على الشيء الواحد أكثر من مرة. والدعاء في صلاة الاستخارة، يكون بعد السلام على الراجح، والله أعلم …