كلمة بعنوان: *آفة الآفات في هذه الأمة التعصب والتحزب*
إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أمّا بعد:
أمر الله -تعالى- هذه الأمّة أن تتحد، وذلك بأن تتحد أفهامها قبل أن تتحد أبدانها، *ووحدتها على التوحيد*.
فنحن ندعو إلى التوحيد وإلى الوَحدَة على التوحيد، ولا نريد الوَحدَة لذاتها، ولا يمكن أن تتحقق إلا بأن تجتمع أفهامها.
ومن الأخطاء الجسام التي يمارسها كثير من الناس أنّهم يريدون أن يجمعوا أبدان الناس على غير شيء.
*ولا سبيل لنصرة هذه الأمّة إلّا ذاك المَهْيَع الذي سلكه العلماء، بأن يتعلّم الناس دين الله، وأن يقيموه في أنفسهم.*
وقد قال بعض الحكماء: *أقيموا دولة الإسلام في صدوركم تقم على أرضكم.*
وما لم تجتمع أفهام الناس فأنَّى لهم أن يجتمعوا.
*فالتعصّب والتحزّب وألّا ترى إلّا بعين غيرك، وألّا تفكّر إلّا بعقل غيرك فهذه آفة مرضيّة، سواء كانت في الدين أو في الحياة.*
*والتقليد والتعصّب علامة ضعف*.
فالواجب على الأمة إن كان الله
-تعالى- قد أمرنا أن نقول لأهل الكتاب: *قل تعالوا إلى كلمة سواء بيننا و بينكم ألّا نعبد إلّا الله*.
*فالواجب على الأمّة أن يجتمعوا على العلماء*، فإن اجتمعوا على العلماء اجتمعوا على مثلثٍ قاعدته على الأرض ورأسه عالٍ في السماء، وإن اجتمعوا على غيرهم اجتمعوا على مثلثٍ رأسه المدبّب في الأرض وقاعدته في السماء، فهو مضطرب يذهب ويجيء، ولا يمكن أن يقع الاجتماع إلا على الرأس المدبّب، وهو عدد قليل يكونون حول هذا الرأس المدبّب.
وقعت آفات، وعايشنا نكبات،
وشاهدنا مصائب وعجائب و غرائب.
*ألا ترون من خلال ما نعايش غلوًّا في اتّباع من يرسم لأمّتنا أن يحيدوهم عن السبيل؟*
ألا ترون أنّ كثيرًا من الأنماط التي تريد أن تقيم الدين خاضوا في السياسة، وغالوا وتكلموا في السياسة؟ فظهر كذبهم مرّة ومرّة ومرّة، حتّى أنّ الناس نفروا منهم.
*أما آن لنا أن نعود إلى منهج العلماء، وأن نحيي مجالس التفسير، ومجالس الحديث ومجالس الفقه، وقبلها مجالس التوحيد وعلم اللغة وسائر العلوم، حتّى يتحصن أبناء هذه الأمّة من الدخيل.*
اليوم الدخيل في التفسير، والدخيل في الحديث، والدخيل في الفقه، والدخيل في الأصول، فاليوم هجمة شرسة على هذه الأمّة بثوابتها وأصولها.
والأمّة بأفرادها -وأعني من الذين نحسبهم صادقين فيها- شاردون بعيدون عن تحصين الأصول للجهل الذي يرتعون فيه، ولله سنن في التغيير لا تتخلّف ولا تتبدّل، *البناء الذي لم يقم على علم وعلى فهم صحيح لا يمكن أن يقوم،* كأساس البيت، فالبيت الذي لا يقوم على أساس لا بد أن ينهدم، فالبناء الذي لا يقوم على علم لا يمكن أن يقوم.
*إذا كنت ضعيفًا في مرحلة ما من مراحل حياتك، وأردت أن تقلّد فلا تؤجّر عقلك بطوابقه كلّها لشخص أو لشيخ أو لجماعة أو لفئة، وإن أبيت ألّا تنظر إلى الدنيا إلّا من شباك في عمارة، وحبست في هذه الشقّة التي في العمارة، أنصحك إن قبلت أن يبقى المفتاح في جيبك، ولا تعطيه لغيرك، فإن رأيت شيئًا لعلّك تفتح وتنظر للدنيا بعينيك لا بعيني غيرك.*
*آفة عظيمة من آفات علم الاجتماع، ومن آفات الدين، ومن آفات العلم ومن آفات العاملين بالشرع أن تعطّل عقلك، وأن تتعصّب لجهة ما، يكون عليها الولاء والبراء والحبّ والبغض، فلا تحب ولا تبغض إلا من خلال قواعد هذا الحزب أو تلك الجماعة.*
*في الدرس الماضي تكلّمت وسأتكلّم وسأبقى أتكلّم، هو شيء رسخ في قلبي من كتاب ربّي وكلام نبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، ومن تجربتي التي عانيت فيها شديدًا و كثيرًا أنّ آفة الآفات التعصّب، وآفة الآفات التحزّب، وأن يصبح الإسم عليه مدار سلطان الولاء والبراء والحبّ والبغض.*
كنّا في فترة في حياتنا نعيش في مناطق انتشرت فيها بعض الدعوات، وما كنت أظنّ وما عرفت حقيقة الأمر حتى دخلت الجامعة، كنّا في بعض المساجد بفضل الله -تعالى- نقوم بالتدريس، درسنا شيئًا من التفسير، وشيئًا من الحديث، وشيئًا من الفقه، وهذا من فضل الله علي، وهذا الكلام في الثمانينيّات وما قبل الثمانينيّات، وحوالي الثمانينيّات، والآفة العظيمة ظهرت لمّا الإنسان خرج من بوتقته التي يعيش فيها، فنظر ووجد الحال أنّ الآفة وصلت للأسف إلى الخواصّ، ووصلت إلى القائمين على التدريس والموجّهين للشباب.
أما آن لنا أن نعود إلى إحياء الربانيّة، وأن نعود إلى إحياء الدين، وأن نشغل الناس بما هو يقين، وأن نترك الظنّ والتخمين، وألّا نعارض كلام ربّنا وكلام نبيّنا -صلّى الله عليه وسلّم؟!
أدركت في بدايات عمري أنّ دولة الإسلام سيقيمها *جعفر النميريّ،* وأدركت في آخر عمري -وأسال الله أن يطيل عمري في الصالحات- أنّ دولة الإسلام سيقيمها مرسي، وكانت هذه طامّة وهذه آفة وهذه مشكلة وهذه علّة، وكلّها سياسة في سياسة لا دخل للدين في هذا كلّه.
والناس بالذات الشباب المساكين الذين يؤجّرون حريّاتهم فضلًا عن عقولهم وقناعاتهم إلى أناس لا يخدمونهم ولا يعلمونهم ولا يفقهونهم و لا يحصنونهم بالثوابت، والعواطف لا تكفي، العواطف عواطف، والانسياق وراء العواطف ووراء الإعلام، الناس اليوم -والله- الآفة اليوم كبيرة كبيرة كبيرة كبيرة، وتحتاج لصادقين ومخلصين أن يقوموا على تعليم الناس وعلى تفقيههم وعلى بناءالشخصيّة الشرعيّة الصحيحة، لا نبحث مسائل ولا يمكن أن يقع ولاء وبراء على مسائل، مشايخنا الكبار ممن لم ندركهم من الأئمة وعلى رأسهم الأئمة الأربعة، وعلى رأسهم المحدثون الكبار أصحاب الكتب الستة ومدرسة أهل الحديث ومدرسة أهل الفقه، وهما مدرستان معروفتان ولهما امتداد وسيبقى لهما امتداد، اختلفوا في مئات المسائل.
نحن لا ندعو إلى مسائل نحن ندعو إلى مناهج، إلى منهج إثبات صحيح وإلى منهج استنباط صحيح، اليوم هجمة شرسة على صحيح البخاريّ، وهجمة شرسة على صحيح الإمام مسلم، وأمّة الإسلام أمّة سُنَّة، أمّة توحيد وسنّة، والسنّة تقتضي أن تفهم التوحيد وأن تفهم السنّة، أن تفهم القواعد المعروفة عند أهل السنّة، اليوم الطعن في البخاريّ أمر سهل جدًا كشرب الماء.
ادخل على المواقع واسمع هذه الجهود التي اجتمعت جيوش جرارة وعساكر، اجتمعت على الطعن بثوابت الأمّة، والرافضة ينظرون، والعَلْمانيّون ينظرون، واللادينيّون يتشمّتون، والأمّة باتت تأكل رأسها، لا تعرف لمن تسمع، وضاعت الثوابت العامّة في هذه الأمّة، فآن لهذه الأمّة أن تعلم أنّ آفة الآفات التحزّب والتعصّب، وأن تكون متحررًا من كلّ شيء إلّا من قواعد أهل العلم،وأن الطريق -ولا طريق غيره، ولا سبيل غيره- إنّما هو طريق العلماء، وأن يجتمع الناس بالعلماء ,العلماء وقع بينهم خلاف في مناهجهم؟
نعم، وقع بينهم خلاف، وسيبقى الخلاف وسيبقى ممتدًا، ولكن إذا وُجِدَت التقوى والعلم وقواعد الإثبات العامّة وقواعد الاستنباطات العامّة على وجه صحيح، قربت الشقّة وازدادت اللُّحمة، وتأخّرت وابتعدت كثير من الآفات التي نراها اليوم.
إلى الله المشتكى، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله.
✍?✍?
⬅ مجلس فتاوى الجمعة
٢١ ذو القعدة ١٤٣٩ هجري
٣ – ٨ – ٢٠١٨ إفرنجي
↩ رابط الفتوى
⬅ خدمة *الدرر الحسان* من مجالس الشيخ *مشهور بن حسن آل سلمان.*
⬅ للاشتراك في قناة *التلغرام*: http://t.me/meshhoor
⬅ للاشتراك في *الواتس آب*:
+962-77-675-7052