إلا أن يخرج الرجل بنفسه وماله ، في رواية :
وفرسه فيرجع دون ذلك.
العمل الصالح في هذه الأيام أحسن من الجهاد في سبيل الله ولا يستثنى من ذلك إلا صورة واحدة ، وهذه الصورة كان يفعلها بعض المقبلين على الدار الآخرة ، الطالبين الاستشهاد في سبيل الله ، من السابقين الأولين ، لما يحمى وطيس المعركة ويمشي حتى يقتل في سبيل الله فيخرج بنفسه وماله ولا يرجع ، فهذا الذي عمله على هذا الحال هو الذي عملهُ يَـفضُل الذي يعمل في العشر الأوائل من ذي الحجة ، وأما إن جاهد ورجع ؛ لا ، فإن العمل الصالح في العشر الاوائل من ذي الحجة أفضل من الذي يجاهد في سبيل الله ويعود إلى أهله.
فإذاً العمل الصالح في العشر الأوائل من ذي الحجة من أجلِّ الأعمال وأفضلها ، وقد فاضل العلماء بين العمل الصالح في العشر الأواخر من رمضان ، والعشر الأوائل من ذي الحجة ، ودائما المفاضلة الصواب فيها التفصيل ، فقالوا :
العمل الصالح في ليالي العشر الأواخر من رمضان أحب إلى الله تعالى من العمل الصالح في ليالي الأوائل من ذي الحجة.
فقالوا :
والعمل الصالح في نهار العشر الأوائل من ذي الحجة أحب إلى الله تعالى من العمل الصالح في نهار العشر الأواخر من رمضان.
وقالوا :
فُـضِّلت ليالي رمضان بليلة القدر ، فليالي رمضان أحسن من أيامه ، وأما نهار العشر الأوائل من ذي الحجة أحسن من نهار رمضان ، عِلماً بأن ليالي العشر من ذي الحجة عظيمة ، وهي المرادة بقول الله عز وجل:
{وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2)} [الفجر : 1-2]
فالليالي العشر هي الليالي العشر الأوائل من ذي الحجة ، ورد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وصححه بعض الحفاظ وذكر هذا جمع كبير من السلف ، فالعشر الأوائل من ذي الحجة الأيام فضيلة فيها ، والعاقل لا يضيع دقيقة من دقائقها ، وإنما يستفيد من كل لحظة منها ، وإن لربكم نفحات في دهركم فتعرضوا لها ، فالسعيد من تعرَّض لهذه النفحات في هذه الأيام التي هي من أيام الله عز وجل.
وثبت في سنن أبي داود عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم التسعة من ذي الحجة ، واختلف الشراح كما في عون المعبود ، ما معنى تسعة ؟
فمنهم من قال المراد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم التاسع ، والتاسع هو أهم هذه الأيام وهو يوم عرفة اليوم الذي الله يتجلى فيه للخلق ، ويغفر للخلق جميعاً ، وليست الرحمة خاصة بأهل عرفة ، وقد صنف الحافظ ابن حجر “قوة الحجاج في عموم المغفرة للحجاج” ، بيَّـن في هذه الرسالة ، وهي مطبوعة ان الرحمة تعم الخلق كله.
ولذا ورد في الحديث ما رؤي الشيطان أدحر ولا أصغر ولا أحقر منه في ذلك اليوم ، لكثرة ما يعتق الله عز وجل ، وهذا اليوم التاسع هو يوم الحج الأكبر يوم عرفة ، يسن لغير الحجيج أن يصوموه.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي قتادة الأنصاري :
أن من صام يوم عرفة غفرت له ذنوب سنتين ، السنة الماضية والسنة التالية.
وثبت أن من صام يوم عاشوراء غفرت له ذنوب سنة واحدة.
سئل ابن الجوزي وكان دقيقاً ذا ذكاء قال لماذا يوم عرفة يكفر ذنوب سنتين ، ويوم عاشوراء يكفر ذنوب سنة ؟
فقال رحمه الله :
يوم عرفة يوم مُـحَمدي ، ويوم عاشوراء يوم مُـوسَـوِيّ.
فلما كان محمد صلى الله عليه وسلم أفضل من موسى ؛ كان يومه أفضل من اليوم نجى الله تعالى فيه موسى
عليه السلام ، وقال أهل العلم أما الحاج فيحرم أو يكره صيام يوم عرفة في حقه ، واختلف الأصحاب رضوان الله تعالى عليهم :
هل كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو واقف على ناقته في عرفة ، هل كان صائماً أم مفطراً ؟
وبعض الناس موفق ، ومنهم أم الفضل بنت الحارث رضي الله تعالى عنها ، لما سمعت اللجة والخلاف بين الأصحاب ، لماذا الخلاف والنبي ﷺ بين ظهرانينا ؟!
فكانت موفقة ، النبي صلى الله عليه وسلم تعرض للشمس.
جاء في الحديث :
«أنَّ نَاسًا تَمَارَوْا عِنْدَهَا يَومَ عَرَفَةَ، في صِيَامِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ بَعْضُهُمْ: هو صَائِمٌ، وَقالَ بَعْضُهُمْ: ليسَ بصَائِمٍ، فأرْسَلْتُ إلَيْهِ بقَدَحِ لَبَنٍ، وَهو وَاقِفٌ علَى بَعِيرِهِ بعَرَفَةَ، فَشَرِبَهُ ».
الراوي : لبابة بنت الحارث أم الفضل | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم | الصفحة أو الرقم : 1123
فالنبي ﷺ شرب ، فكان صلى الله عليه وسلم وهو حاج ليس بصائم ، وإنما كان مفطراً.
ولذا قال أهل العلم :
الصيام في حق الحاج إما مكروه وإما حرام.
وأرجح القولين عندي أن الصيام للحاج يوم عرفة حرام.
لما قاله صلى الله عليه وسلم : ” يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام ، وهي أيام أكل وشرب ” رواه الترمذي ( 773 ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وأخيراً وقد أدركنا الوقت أنبه على مسألة مهمة جداً ، واستنبطها من هذا الحديث
عن النبي صلى الله عليه وسلم : ” إن أعظم الأيام عند الله يوم النحر ” وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
قال يوم النحر ولم يقل عيدنا،ففيه النحر للأضاحي،
فالتقرب إلى الله بالذبائح فيه خير عظيم
يوم النحر يحرم صيامه ، يوم النحر اليوم العاشر ، قال بعض الموفقين من المحررين المحققين من العلماء ، قالوا :
الأيام التسع ، الأوائل ذي الحجة هي مقدمات لفضل يوم النحر ، حتى تدخل على أفضل يوم :
يسن لك أن تتدرج في الدخول ، فيكون حالك مع ربك في اليوم العاشر أحسن حال ، وأن تكون المقدمات من التسع الأوائل ، واليوم العاشر يوم حظ نفس ، يوم فرح ، يوم أضاحي ، وأيام منى أيام أكل وشرب ، في رواية عند الدارقطني فيها ضعف وبعال.
هذا يوم حظ نفس ، اليوم العاشر ، فالسعادة ليست فقط بأن تحرم نفسك ، اليوم العاشر ، يوم تصل فيه رحمك ، تذكر الناس ، تكثر فيه من تكبير الله ، سواء التكبير المقيد بعد الصلوات ، أو التكبير المطلق بعد الصلوات ، ويسن كثرة ذكر الله في هذه العشر.
وكان ابن عمر وأبو هريرة كما علق البخاري ، يذهبون للسوق من أجل أن يكبروا ، فيكبر الناس بتكبيرهم ، فهذه الأيام العشر قال النبي صلى الله عليه وسلم فيها في رواية عند أحمد فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتسبيح ، أكثروا من من ذكر الله.
لسانك لا يزال رطباً بذكر الله ، يا ليت نذكر الله كما يذكر بعض الذين يطعنون في الناس ، ويغتابون ، وينمون ، لا هم لهم إلا اللسان وذكر الكلام في الناس ، تعلم من هؤلاء بأن تحول لسانك الى محطة في التزود لليوم الآخر وكثرة الحسنات.
وسبحان الله كل عضلة تعبت في أعمالها تتعب إلا اللسان ، فاللسان كثرة الذكر لا يتعبك أبداً ، فلا تتعب ما أجمل وأنت واضع رأسك على الوسادة قبل أن تنام تخرج روحك ، وأنت تذكر.
هذه الليلة تكثر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهي من العمل الصالح ، وفي غيرها تكثر من التسبيح والتهليل والتكبير.
أسأل الله أن يوفقنا وإياكم ، هذا دلالة واضحة جلية لكل عاقل ، نسأل الله أن نكون من العقلاء.
أن موضوع الذكر وموضوع العمل الصالح ؛ نور القلب إن كان ذلك بالنية الصالحة ، هو توفيق من الله ، إنما هو توفيق من الله ، أسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الموفقين.
◀️ شرح صحيح مسلم
الخميس 2025/5/29
◀️الرابط في الموقع الرسمي:
⏮️ خدمة الدرر الحسان.✍️✍️