[تقارب الزمان إشارة إلى نزع البركة عن هذه الأمة]

[تقارب الزمان إشارة إلى نزع البركة عن هذه الأمة]

فقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال:
يَتَقارَبُ الزَّمانُ، ويُقْبَضُ العِلْمُ، وتَظْهَرُ الفِتَنُ، ويُلْقَى الشُّحُّ، ويَكْثُرُ الهَرْجُ قالوا: وما الهَرْجُ؟ قالَ: القَتْلُ. وفي رواية: يَتَقارَبُ الزَّمانُ، ويَنْقُصُ العِلْمُ.. وفي رواية: لَمْ يَذْكُرُوا: ويُلْقَى الشُّحُّ.

التخريج : أخرجه البخاري (6037)، ومسلم (157).

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يتقارب الزمان، ويُقبض العلم، وتظهر الفتن”، وفي رواية: “ويقل العلم، ويقل العمل”، “يتقارب الزمان، ويُقبَض العلم، ويقل العمل، وتظهر الفتن، ويُلقى الشُّح، ويُلقَّى الشُّح، ويكثر الهَرْج”، قالوا: وما الهَرْج؟ قال صلى الله عليه وسلم: “القتل”.

بيئة الفتنة ما هي؟
الفتنة لا تكون في أقوام غلب عليهم العلم وكثر فيهم العمل الصالح.

النبي صلى الله عليه وسلم يذكر لنا متى تظهر الفتن، فقال: “يتقارب الزمان”.

وتقارب الزمان إشارة إلى نزع البركة عن هذه الأمة، ولا سيما في الوقت، فقال صلى الله عليه وسلم موضحًا ومفسرًا قوله: “يتقارب الزمان”، قال: “لا تقوم الساعة حتى تكون السنة كالشهر، وحتى يكون الشهر كالجمعة، وحتى تكون الجمعة كاليوم، وحتى يكون اليوم كالساعة”.

فالفتن لما تُرفَع البركة من الأمة، وتذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الجماعة بركة والافتراق عذاب”، ما دامت الأمة غير مفترقة ومجتمعة، وأفهامهم مجتمعة، الاجتماع انتبه، انتبه واحفظ وانشر:
“الجماعة”، قال الشافعي في “الرسالة”، كتابه “الرسالة”: “الجماعة جماعتان: جماعة أفهام، وجماعة أبدان”، فلم يكن للزوم جماعة أبدانهم معنى، إذ وَجدْنا أبدان قوم مسلمين بين أبدان قوم كافرين، فلم يكن للزوم جماعة أبدانهم معنى، وإنما الجماعة هي جماعة الفهم الذين يجتمعون بأفهامهم على دين الله عز وجل.

فالفُـرقة في الفهم في المسائل التي لا يُستساغ الخلاف فيها هي بداية الفتنة، فالأصل في أفهام المسلمين أنهم يجتمعون على “لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم”، والكلام على “لا إله إلا الله محمد رسول الله” كلام طويل، لكن بإيجاز، ما يجوز لطالب علم ألا يَعرِف هذا الكلام الذي سأقوله: معنى قولك “لا إله إلا الله” هو “لا معبود بحق إلا الله”، لا تقل: “لا معبود إلا الله”، لو قلت: “لا معبود إلا الله”، الناس تعبد الأصنام، وتعبد الأبقار، وتقول: “لا معبود إلا الله”، فهذا يقوله أصحاب وحدة الوجود، يقولون معنى “لا معبود إلا الله” يعني يعبدون الصنم ويعبدون البقر، ويقولون:
كل شيء معبود الله حَـلَّ فيه!
فهم يعبدون الله، هذا كفر.

وإنما الصواب أن تقول: “لا معبود بحق إلا الله”، فهنالك معبودات بباطل مع الله عز وجل، لذا لا بد للمسلم لَما يقول “لا إله إلا الله” أن يفهم “لا معبود بحق إلا الله”، ومعنى قول المسلم “محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم” هو “لا متبوع بحق إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم”، أنا لا أتبع أحدًا غير رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أحب العلماء وأعظمهم، وليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه؛ لأنهم يدلّون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يدلّون المسلمين على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

لا تقل: “من لا شيخ له فالشيطان شيخه”، لا تقول هذا، فالمقدم عندنا الذي لا نقبل غيره ولا نعدل بقوله قول أحد سواه هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فجماعة المسلمين جماعة أفهام، فإن افترق المسلمون في أفهامهم وما اعتمدوا القاعدة المأخوذة من “لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم” وقعت الفرقة، فإن وقعت الفرقة تنتهي، تبدأ بالفرقة في الخلاف في الآراء، وتنتهي بالفِـرَق، وبعد الفرق والأحزاب تنتهي بإيش؟
تنتهي بالقتال واستحلال دماء بعضهم بعضًا، وهذه من المصائب، من المصائب الكبيرة، متى تظهر الفتنة؟
لما تزول البركة، البركة في الجماعة، والجماعة جماعة فهم، أفهام مجتمعة، كما قال سفيان الثوري ليوسف بن أسباط، تلميذه يوسف بن أسباط كان عالمًا زاهدًا.

يوسف كان أعمامه روافض وأخواله خوارج، فكان يقول: أعمامي روافض، أخوالي خوارج، ونجانا الله بسفيان، نجاني الله بسفيان، كان يقول:
“إذا سمعت بمسلم في أقصى المشرق وأنت في أقصى المغرب فابعث له بسلام، فما أقل أهل السنة هذه الأيام”.

فالمسلم في أقصى المشرق والمسلم في أقصى المغرب فهمهم لدين الله واحد، فهمهم لدين الله تعالى واحد، والخلاف عذاب، ولذا إياك أن تفهم قول الله سبحانه في أواخر سورة هود: “وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ” إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ”.

فمن رحم ربك متفقون وغير مختلفين، ولذلك خَـلَقََـهُم، انتبه لله سنتان:
سنة في شرعه وله فيها غاية، وسنة في كونه وله فيها غاية، وذكر الله الغاية من خلقه في شرعه وفي كونه، أما سنة الله تعالى في شرعه فعنوانها قول الله تعالى في سورة الذاريات: “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ”، لماذا قدم الله الجن على الإنس؟ لأن الله خلق الجن قبل الإنس، أو لأن العبادة الأصل فيها الخفاء، والجن سُمّوا جِنّاً لخفائهم، فالأرض سُمّيت جَـنة لأن أرضها مستورة بالخُضرة، والمجنّ سُمّي مجناً لأنه يحمي صدر صاحبه، يُـغيِّب صدر صاحبه، والجنين سُمّي جنيناً لأنه مستور، والمجنون سُمّي مجنوناً لأن عقله مستور، لا عقل عنده فهو مجنون.

ففِعل “جَـنّ” يدور على الخفاء ، والأصل في العبادة أن تكون في خفاء ، والأول أرجح وهو أن الله خلق الجن قبل أن يخلق الإنس كما هو مذكور في كثير من الآيات، هذه غاية الله تعالى في خلقه، هذه غاية الله تعالى من خلقه وهي السنة الشرعية، أما سنة الله في كونه فعنوان “وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ” إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ”.

فالبشر حتى يقع بينهم تمايز، خَـلَقَـهُم مختلفين، فإذا ما تسلحوا بالكتاب والسنة، فالعقول لا تَجتمع، إنما الذي يَجمع العقول سلطان الدين.

العقل عجيب!
العقل يعني المجنون الذي لا عقل له لو قال يقول في نفسه: يا سلام لو عقول الناس مثل عقلي لكانت الحياة أحسن شيء!

والعجيب في العقل كما ثبت في البخاري عن عمر كان يقول: “اتَّهِمِ الرَّأْيَ”، كلما اتهمت رأيك واتهمت عقلك، أنت سَموتَ وعَلوتَ، وكلما غرَّك عقلك هبطتَ ونزلتَ.

ولذا العلماء يقولون:
أيهما المقدم؟ العلم أم العقل؟

اسمعوا ماذا يقول الشاعر، قال الشاعر:
“علم العليم وعقل العاقل اختلفا ..
من ذا الذي قد أحرز السبقا ..
فالعقل قال أنا أحرزت غايته ..
والعلم قال أنا الرحمن بي اتصفا ..

هل الله وصف نفسه أنه عاقل أم عالِم ؟
عالم.

“فالعقل قال أنا أحرزت غايته ..
والعلم قال أنا الرحمن بي اتصفا ..
فأيقن العقل أن العلم سيده ..
فقبّل العقل رأس العلم وانصرفا .

إذا مَن الغالب؟
العلم، ولا يجمع الأمة إلا سلطان الدين، إلا قال الله، قال رسوله صلى الله عليه وسلم.

فالفتن تظهر لما تذهب البركة، “يتقارب الزمان”، ولما يرتفع الجهل ويكثر الجهل.

المصدر:
الدورة الشرعية الثالثة للدعاة في اندونيسيا – منهج السلف في التعامل مع الفتن – المحاضرة الثانية.
تاريخ:
29 جمادى الآخرة 1446 هـ
30 ديسمبر 2024 م✍️✍️

◀️ رابط الفتوى:

[تقارب الزمان إشارة إلى نزع البركة عن هذه الأمة]