[ قال تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ..} [البقرة : 31] ، تحتاج الآية لوقفة، بل وقفات، بل مجلدات، ولا سيما مع المعارف الموجودة اليوم، بانفتاح الحضارات واللغات على بعضها بعضًا]

[ قال تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ..} [البقرة : 31] ، تحتاج الآية لوقفة، بل وقفات، بل مجلدات، ولا سيما مع المعارف الموجودة اليوم، بانفتاح الحضارات واللغات على بعضها بعضًا]

الله المستعان، طيب، نأتي لآية أخرى، مثلاً، الآية الأخرى مهمة، ألفاظ العموم تعطيك دلالة واضحة، تعطيك ضوءًا، تنبّهك لأشياء، الله عز وجل يقول آيةً نحفظها كلنا، ولكننا نغفل عن دلالات مهمة جدًا فيها، قول الله عز وجل:
{وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ..} [البقرة : 31]

“وعلّم آدم الأسماء كلها،” ممكن أن يقول الله: “وعلّم آدم الأسماء،” لكن لا، ما قال الله عز وجل هكذا، “وعلّم آدم الأسماء،” الأسماء جمع، جمعٌ مُحلّى بالألف واللام، ماذا يفيد الجمع المُحلّى بالألف واللام؟
جميع الأسماء، جميع الأسماء وليس فقط.

أكد الله عز وجل على هذه الأسماء بـ”كلها”:
“وعلّم الله آدم الأسماء كلها”.

طيب، ما معنى الآية؟ تحتاج الآية لوقفة، بل وقفات، بل مجلدات، ولا سيما مع المعارف الموجودة اليوم، بانفتاح الحضارات واللغات على بعضها بعضًا.

يوجد اتجاه قوي كَـتب فيه جمعٌ من المعاصرين ومن أصحاب العلوم، وهذا الاتجاه أصبح اليوم قويًا، وكان قديمًا ضعيفًا، وقرره بقوة ابن حزم في كتاب “الإحكام” في أوائل كتاب “الإحكام”.

قرر أن العربية هي أصل اللغات، العربية أصل اللغات، كل اللغات الموجودة كلها أصلها العربية، قال لما؟
قال: هل العربية أصل اللغات أم ليست أصل اللغات؟
قائمة على أصل.

طالب العلم: كل مسألة يردها إلى أصلها، فإن ردّ المسألة إلى أصلها، تكلّم بعمق، قال: هل اللغة توقيفية أم اجتهادية؟

الآية تدل على إيش؟ “وعلّم آدم الأسماء كلها” ؟
اللغة توقيفية من الله، نزلت، أم أننا نحن البشر اصطلحنا على عبارات فيما بيننا، فلما توزعنا في أرجاء الأرض، فصار كل قوم لهم اصطلاح خاص بهم، وبالتالي ظهر لكل قوم لغة دون الأخرى؟

فإن قلنا الثاني، فحينئذٍ اللغة ليس لها أصل واحد، وإن قلنا الأول، إن اللغة هي توقيفية وليست اصطلاحية، إيش نقول؟ نقول: إن أصل اللغات واحد، علمًا أن من يقول إن أصل اللغات واحد يقول فيه: الأصل واحد، لكن لما افترق الناس، أصبح بينهم مواضَـعة، أصبح بينهم عبارات.

أنتم الآن انظروا، تعيش في بلد مثل الأردن أو فلسطين، مجرد ما ينطق كلمتين بتقول: هذا كركي، وهذا من الرمثا، لأن الذي من الرمثا يتكلم غير الذي يتكلم من الكرك، أهل الكرك، أول كلمة فيه بتقول: هذا كركي، أو هذا من الرمثا، أو هذا من فلسطين، اللغات الطويلة الكبيرة، القرى، كل قرية لها لهجة.

هذا فيه مواضَعة، ما أحد ينكر المواضعة، مواضعة كل قوم على كلمات معينة، لكن الأصل، أصل اللغة هل توقيفية من الله؟ “وعلّم آدم الأسماء كلها،” وقوله: “كلها” التأكيد بعد الأسماء، الجمع المُحلّى بالألف واللام، يفيد ماذا؟
يفيد أن اللغة توقيفية.

ولذا، الآن يوجد دراسات عميقة جدًا وعندي مجموعة منها، واعتنيت بهذا وكرّمني الله عز وجل بأن حققت كتابًا للشيخ تقي الدين الهلالي، وكان يتقن سبعةً من اللغات، ألّف كتابًا سماه “الفوائد السامية في اللغات السامية،” وهو مجلد كبير في أكثر من 600 صفحة، بَرهن فيه أن أصل اللغات كلها ؛ اللغة العربية ، أصل اللغات كلها، اللغة العربية.

وأعجبني كلام الإمام ابن القيم يقول: قرأت عليه من كتاب “الخصائص” لابن جني، كتاب “الخصائص في اللغة” وكتاب “الخصائص” يقارن بين اللغة العربية والعبرية، ويذكر الفروق بينها بقواعد محصورة، قال: فقرأت كلام “الخصائص” على شيخي شيخ الإسلام ابن تيمية، في الفرق بين العربية والعبرية، فبعد أن فرغت، قال لي: أعد، قال: أعدت مرة ثانية، فلما فرغت، قال لي: أعد، قال: فقرأت المرة الثالثة، يقول ابن القيم: فأصبح شيخ الإسلام ابن تيمية يتقن العبرية !
بهذه الاوراق التي قرأها، صار يتقن العبرية.

أنت الآن ما تعرف العبري، لو وجدنا واحدًا بيتكلم عبري نفهم شيئًا من الكلام؟ لأنه أقرب أخت للعربية، العبرية، العبرية أخت العربية، أقرب أخت، وهذا واضح، أي واحد بيعرف عربي سمع يهودي بيتكلم بتفهم منه، في كلمات تفهم منه، العبرية، وهكذا سائر اللغات.

عندي دراسة عميقة جدًا أن الانجليزية، أن الإنجليزية أصلها العربية، وأن الإسبانية أصلها العربية، فكل اللغات تابعة للآية، من أين أخذنا هذا؟ من أين أخذنا هذا؟ من “وعلّم آدم الأسماء كلها” أن الله قال: “كلها،” ما قال: “وعلّم آدم الأسماء،” لو أن الله قال: “وعلّم آدم الأسماء” فقط، قلنا: هذا خبر، “علّم الله آدم الأسماء” ، وعلّم غيره، واصطلح غيره على لغة أخرى، لكن ما قال الله هكذا، قال: “كلها،” إشارة إلى صحة مقولة أن الأصل في اللغات التوقيف.

طيب، أيضًا نسهب قليلاً قليلاً وهي مهمة جدًا، الآن، لله الحمد، هذا الكلام لا يفيد، لكن قديمًا كان يفيدنا، ولا سيما في البيئات الروسية، وما تبعها من انتشار الفكر الذي يسموه اليوم الماركسي، “وعلّم آدم الأسماء كلها،” الماركسية تقول: إن أصل التفكير المادة، والمسلم المتبع للكتاب والسنة يقول: أصل التفكير المعلومات السابقة، فإذا سمعت كلامًا لا تفهمه، يعني سمعت منطوقًا دون أن تقف على حقيقته وعلى معناه، لا تستطيع أن تفكر فيه.

الماركسي بيقول لك: أنت الآن سيارة، مثلاً، سيارة خربانة، قال: هي السيارة علّمتك وجعلتك تفكر أنه هذه السيارة خربانة ولا تستطيع أن تمشي عليها، وأن تسير عليها بناءً على العجل الموجود، فقالوا بناء على كلمات كثيرة، لكن أوجز، قالوا: أصل تفكير المادة، نحن لا نقول هذا، أصل التفكير قول الله عز وجل: “وعلّم آدم الأسماء كلها”.

ما معنى قول الله عز وجل: “وعلّم آدم الأسماء كلها”؟ علّم الله آدم الاسم والحقيقة، يعني ما علّم الله آدم أن هذه اسمها نار فقط، وما علّمه أن النار تحرق فقط، إنما علّمه أن هذه نار والنار تحرق، علّمه هذا الماء والماء يغرق، علّمه أن هذا سكين والسكين تقطع، فعلّم الله آدم الأسماء كلها، علّمه الاسم والحقيقة، ولو آدم يريد أن يعلم أن النار تحرق بعد أن مارس، لكان مات.

فالله عز وجل لما نزل آدم على الكون على الدنيا، وأخرجه عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام من الجنة، كان يعلم الأسماء كلها بأسمائها ومسمياتها وحقيقتها، فلما ماركسي يلعب عليك يقول لك: شوف السيارة خلت، السيارة هي أصل التفكير، قل: لا!

قل: أنا عندي علم مسبق، اللي مما علّم الله آدم به، إنه الأمر هذه السيارة ما تسير إلا أن كان العجل صالحًا، وليس هو العجل الذي علّمني، وإنما أنا عندي علم سابق إنه السيارة لا تسير، فأنا أصلاً انطلقت من: “وعلّم آدم الأسماء كلها،” علّمني علم الحقيقة والاسم وهكذا، فالآية مهمة، الآية “وعلّم آدم الأسماء كلها” من الآيات المهمة.

لكن مرادي من الاستدلال بقول الله عز وجل: “وعلّم آدم الأسماء كلها” أن “كلها،” طبعًا هي مضاف ومضاف إليه، الهاء والمضاف إليه تعود على الأسماء، كل الأسماء، “وعلّم آدم الأسماء كلها” أنها تفيد أن آدم عليه السلام تعلّم كل الأسماء، ثم هذه الأسماء تبعثرت في اللغات، اصطلح على بعضها في لغات أخرى، ولعل الاسم الواحد له أكثر من نطق وأكثر من تعريف، ومن هنا يأتي موضوع الترادف، هل هو ثابت في اللغة أم لا؟ وهذه مسألة طويلة وتحتاج منا إلى كلام طويل.

المصدر:
الدرس السابع – شرح مبحث العام والخاص في أصول الفقه – فضيلة الشيخ مشهور بن حسن.
تاريخ:
3 ربيع أول 1447 هـ
26 أغسطس 2025 م✍️✍️

◀️ رابط الفتوى:

[ قال تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ..} [البقرة : 31] ، تحتاج الآية لوقفة، بل وقفات، بل مجلدات، ولا سيما مع المعارف الموجودة اليوم، بانفتاح الحضارات واللغات على بعضها بعضًا]