[عندما يكثر الجهل وينشغل الناس بالدنيا، تقع المصيبة الكبرى في الأمة ]

[عندما يكثر الجهل وينشغل الناس بالدنيا، تقع المصيبة الكبرى في الأمة ]

فالفتن تظهر لَما تذهب البركة، “يتقارب الزمان”، ولما يَرتع الجهل ويكثر الجهل.

وفي الصحيحين، حديث أبو هريرة :
لَما يكثر الجهل.

ولذلك، فإن من أسباب النجاة من الفتنة: العلم.

العالم الذي يعرف المسائل وأصولها وطرق الاستنباط منها، يُحسِن متى يُعذر غيره، ويحسن أن يُقدِّر المسائل المستساغة وغير المستساغة.

والخلاف المستساغ وغير المستساغ يُعرف بطريقتين، الطريقة الأولى هي معرفة ماهية الخلاف، ولا يَقدر على هذا إلا العلماء الكبار، وهم قلة في هذا الزمان، والنوع الآخر من معرفة الخلاف المستساغ من غير المستساغ يُعرف من خلال الثمرة، فإذا بقي الخلاف ممتدًا من زمن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هذا الزمان، فالعلماء المحررون المدققون المحققون إذا بقي الخلاف بينهم مبتدئًا من الصحابة إلى هذا الزمان، فهذا خلاف مستساغ، والخلاف المستساغ لا يجوز الإنكار فيه، أما على الجاهل، فليس فقط يُنكر عليه، بل يُضرب على يده.

فطالب العلم ينبغي أن يُميز بين الخلاف المستساغ وغير المستساغ، والخلاف المستساغ يُنظر فيه، وأنت يا طالب العلم، إذا أردت أن تنجو من الجهل، وما أكثر الجهال هذه الأيام، والذين يرددون الجهل في وسائل الإعلام، أعطيك سؤالًا احفظه حتى تنجو من الجهل: فمن قرر باطلًا، سله: “من سبقك بهذا القول؟”.

أي واحد يتكلم بباطل، وما أكثر المتكلمين بالباطل، تسأله:
“من سبقك بهذا القول؟” فأنا جريء على تخطئتك إن لم يسبقك أحد، ولا أجرؤ أن أخطئ علماء الأمة كلهم، فأخطئك أحب إلي حتى تبقى في سلامة وتبقى في أمان.

فلو أخذنا عينة من الفتن وأردنا أن نفحصها، لوجدنا البركة منزوعة، نُزعت البركة منذ قديم، وبقيت البركة في أحد من الناس، الله يرزقنا البركة ويرزق البركة من نحب وذرياتنا وأهلينا.

ثم الجهل، العالم الحريص الذي يعرف الفتن ودقيق فيها ويعرفها، يبتعد عن الفتن، ولذلك، أكثر الناس بعدًا عن الفتن في وقت الفتنة هو الذي يُقبل على أحاديث الفتن ويدرسها، وطالب العلم الذي يريد أن يبتعد عن الفتن لا بد أن يقرأ “كتاب الفتن” من صحيح البخاري وصحيح مسلم، وهذان مهمان.

ثم من أسباب النجاة أن يقلّ العمل ، فيصبح الجدل والقيل والقال الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم.

ولذا في وقت الفتنة، ينبغي أن نُقبل على العبادة، وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “العبادة في الهرج كهجرة إلي”، ما هو الهرج؟
القتل.

عندما تكثر الفتن، والفتنة تتربع على شكل القتل، أعلى درجات الفتن أن يَظهَـر القتل، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول في صحيح مسلم: “العبادة في الهرج كهجرة إلي”، ثوابها ثواب الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، “بادروا بالأعمال الصالحة، فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا.

وهذا الكلام تسمعه في طرق وسبل النجاة من الفتنة، وكذلك يُلقى الشح، فالناس تنشغل بالدنيا ولا تنشغل بالآخرة، وإذا انشغل الناس بالدنيا، وقعت المصيبة الكبرى في الأمة، وورد هذا في رواية في “موطأ مالك”، قال النبي صلى الله عليه وسلم والحديث صحيح:
«إذا تبايعتُم بالعينةِ وأخذتم أذنابَ البقرِ ، ورضيتُم بالزَّرعِ وترَكتمُ الجِهادَ سلَّطَ اللَّهُ عليْكم ذلاًّ لاَ ينزعُهُ حتَّى ترجعوا إلى دينِكُم».
المحدث : الألباني | المصدر : صحيح أبي داود
الصفحة أو الرقم: 3462 | خلاصة حكم المحدث : صحيح

“إذا ضن الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة، وأخذوا بأذناب البقر، وتمسكوا بالأرض، إلا سلط الله عليهم ذلًا لا ينزعه عنهم حتى يرجعوا إلى دينهم”.

نحن السلفيون نقول: “إلى دينهم”، وغيرنا من التكفيريين والذين يزعمون أنهم أهل جهاد ومجاهدون يقولون:
“حتى يرجعوا إلى جهادهم،” نحن نقول: “حتى يرجعوا إلى دينهم”.

الرجوع إلى الدين، ولا بد أن يكون الرجوع إلى الدين قائمًا على أصول صحيحة، وليس على حماسات وعواطف تعصف بهم.

فهذا سبب من أسباب ظهور الفتنة، والأمة التي فيها علماء ويقومون بمهامهم، وفيها طلبة يتعلمون ويعملون، وتكثر العبادة في الأمة، لا تظهر الفتنة، الفتنة لا تظهر فجأة، تظهر الفتنة مع طول الزمان وتراكم الظلمات بعضها فوق بعض، ولذلك، النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“إنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا،” هذه الفتنة أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم، هل حصل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فتنة أخرى؟
نعم، حصل في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم فتنة كبيرة وكبيرة جدًا، هي فتنة ابن صياد، سمعتم بفتنة ابن صياد؟
فتنة ابن صياد ثابتة في الصحيحين.

المصدر:
الدورة الشرعية الثالثة للدعاة في اندونيسيا – منهج السلف في التعامل مع الفتن – المحاضرة الثانية.
تاريخ:
29 جمادى الآخرة 1446 هـ
30 ديسمبر 2024 م

◀️ رابط الفتوى:

[عندما يكثر الجهل وينشغل الناس بالدنيا، تقع المصيبة الكبرى في الأمة ]