[ هل “أولياء الله” هم طبقة خاصة ]
قال تعالى:
{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}
[يونس : 62]
انتبه!
هل ولي الله يخطئ؟
نعم، يخطئ.
ألم يقل النبي ﷺ:
“كل ابن آدم خطّاء”؟ الأولياء من البشر، صحيح؟
والنبي صلى الله عليه وسلم ماذا قال عن البشر؟ قال: “كل ابن آدم خطاء”، الولي يخطئ، ولأن عندنا عرقًا صوفيًا يتوقع أن الولي لا يفعل شيئًا فيه خلل أو فيه زلل، أو أنه لا يخطئ وهو معصوم، هذا التصور الصوفي باطل يخالف النصوص الشرعية.
أنا وإياك قد نكون أولياء لله عز وجل، إذا عظّمت أمر الله، أنت ولي لله عز وجل ، إذا قمت بالفرائض أنت ولي لله سبحانه وتعالى، فلما تقرأ قول الله: “ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم،،،”، ؛ مباشرة تستثني نفسك بل تستثني كل من تعرف من المؤمنين، تقول: “هؤلاء الأولياء، هذه أولياء الله طبقة خاصة، وهؤلاء يعني كأنهم ليسوا بيننا، كأنك ما رأيت وليًا لله”.
ليس هكذا ولي الله، أقول لكم شيئًا زائدًا:
ولي الله قد يقع في المعصية، وولي الله قد يقع في الحد ، ويُقام عليه الحد وهو ولي ؟!
نعم ، لأنَّ الولاية تتجزأ، ففيما أخطأ فيه هو ليس وليًا لله، وفيما كان فيه من عبادة وقربة وتلاوة وذكر وصلاة، فهذا من أولياء الله عز وجل.
قال تعالى:
{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}
[يونس : 62]
فولي الله عز وجل الذي انقطع لعبادته وجاهد نفسه، فإن سرق منه الشيطان شيئًا فحينئذ تتجزأ الولاية، هذا ليس وليًا فيما فعل، لكن لا تستطيع أن تقول إنه ليس وليًا لله بما فعل من الطاعات، فالولاية تتجزأ ، وفكرة التجزؤ تجعلك منصِفًا وتجعل الأشياء في أماكنها وتضعها في موضعها ولا تبقى خياليًا.
وأختم مرة أخرى بشيء مهم، أن النصوص الشرعية من صفتها أنها عملية، النصوص الشرعية من سمتها أنها عملية، أسأل الله أن يعلّمنا وإياكم، لماذا جاءت الرخص في الشريعة؟ مثل “الرخص جاءت في المحظورات”، “وإذا ضاق الأمر اتسع” وما شابه.
حتى تبقى الصفات، حتى تبقى سمة العملية في النص الشرعي.
كل الرخص جاءت حتى لا نَسلب النص الشرعي صفة العملية، فالنص عملي، ولذا علماؤنا رحمهم الله يفرّقون بين العلم وبين الفتوى، أنا قد يسألني سائل فأجيز له في فتوى شيئًا لا أستطيع ولا أجرؤ أن أقرره في مجالس العلم، يعني أنا قد يسألني سائل فيضيق عليّ، أنه أمامي خيارين: إما كذا أو كذا، فهو يريد أن يعرف حكم الله، فأنا أرشده إلى أخف الضررين، لكن وأنا أدرّس مثلًا في البيوع، ما أستطيع أن أقول للناس:
“أنا أقرره في الدرس”، لأنه هذا ممنوع، أنا أقرر منعه، لكن لما يسألني رجل وأنا لما يقع بين خيارين أنا أقرر له الأخف ضرراً ، فالفتوى شيء، والفقه شيء.
ولذا مسألة الرخص والعملية فيها قد يضطر الإنسان لأن يفعل شيئًا وهو معظِّـم لأمر الله، وهو ولي من أولياء الله عز وجل.
هل تستطيع أن تنفي الولاية عن كل من يتعامل مع البنوك؟
ما تستطيع، ما تستطيع.
هذا مدرس صالح وله صلة بالبنك براتب بكذا، تقول هذا ليس وليًا لله عز وجل، ما تستطيع.
فالشاهد الذي أريد أن أقوله:
{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس : 62]
هم موجودون والولاية تتفاوت مقدارها من شخص لشخص، يعني الولاية ليست على درجة واحدة، فالولاية في هذا الزمان ليست كالولاية في القرن الماضي، وفي القرن الماضي ليس كالقرن الذي قبله، أما أن تجعل نفسك مجتهدًا تقول: “الولاية تعطلت في القرن الرابع” أو “في القرن الخامس”، هذا افتئات على الله، تقول: “الأولياء ما قبل القرن الثالث، ما بعد الثالث ليسوا أولياء”، هذا غلط.
ولذا لما نقرأ قول الله عز وجل الآيات، ينبغي أن نستحضر أن هذه الآيات تشمل جميع الخلق، طيب، لما أخونا قال: “أولياء الله”، تشمل جميع الولي، تشمل جميع الأمكنة، جميع الأزمنة، ممكن ولي يكون عايش في أوروبا؟ ممكن، عايش في أمريكا أو في كندا؟ ممكن ولي يكون وزير ومسؤول؟
ممكن.
موسى عليه السلام أين عاش؟
موسى عليه السلام نبي ليس ولي، نبي، أين عاش موسى عليه السلام؟
في بيت فرعون.
فأنت تنظر للولاية بالمنظور الضيق وتبدأ تجتهد في موضوع الولاية!
الولاية حفظ الله لك، الولاية كما قال الشافعي قال: “الولاية هي الاستقامة”.
وأختم بعبارة جميلة، تقرير بديع للغاية، للبُلقيني، سِراج الدين البلقيني، هو اسمه بُـلقَيني (بفتح القاف) ، يقول:
“فتوحات الله تعالى على العلماء أظهرُ في الولاية من خرق العادات لهم”.
أي أن يفتح الله عليك، بأن تستنبط وأن تفهم من النصوص قضايا بطريقة العلماء السابقين ؛ هذه ولاية أظهَر من أن يخرق الله لك عادة، أو أن ينطق جماد أو أن تفعل أي شيء من خرق العادات.
أن الله يفتح عليك فتفهم الدين، وكم يفرح طالب العلم بعد جهد جهيد وبعد رحلة طويلة وهو يقرأ فينقدح في نفسه شيء من آية أو حديث، ثم ينظر في الكتب فيجد ما انقدح في نفسه سبقه فلان وفلان وفلان، يقول:
“الحمد لله”، آه والله، الحمد لله، هذا فهم صحيح.
هذا دلالة على الفهم الصحيح، أما كل ما انقَدَحَ في بالك، ترجع تعرضه على العلماء، تكون أنت في واد وهم في واد، اتهم نفسك، ما تجعل نفسك حاكمًا على العلماء، اتهم نفسك.
فالذي يفتحه الله على العلماء بالفعل هذه كرامة أحسن من كرامة خرق العادة، وهذا صحيح، هذا كلام صحيح، هذا والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
المصدر:
الدرس السابع – شرح مبحث العام والخاص في أصول الفقه – فضيلة الشيخ مشهور بن حسن.
تاريخ:
3 ربيع أول 1447 هـ
26 أغسطس 2025 م✍️✍️
◀️ رابط الفتوى: