[ هدي النبي ﷺ في الدعاء للميت ]

[ هدي النبي ﷺ في الدعاء للميت ]

جاء في الحديث:
وَعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ – رضي الله عنه – قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – عَلَى جَنَازَةٍ، فَحَفِظْتُ مِنْ دُعَائِهِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ, وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ, وَاعْفُ عَنْهُ, ⦗١٦٣⦘ وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ, وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ, وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ, وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ, وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ, وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ, وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ, وَقِهِ فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَعَذَابَ النَّارِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ

رواه مسلم (٩٦٣)، وزاد: قال عوف: فتمنيت أن لو كنت أنا الميت؛ لدعاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم -على ذلك الميت.

قال الشيخ مشهور بن حسن شارحاً:
الزيادة جميلة في آخر الحديث في صحيح مسلم على لسان عوف بن مالك وهو صحابي الحديث ، فبعد الحديث قال عوف فتمنيت أن أكون أنا الميت ، لدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك الميت.

تمنيت أكون أنا الميت لأن دعاء النبي ﷺ ينور القلب ، ويرفع الظلمات وفقد المسلمون بالتحاق رسول الله صلى الله عليه وسلم للملأ الأعلى ، فقدوا شيئاً كثيراً ، فحق لهم أن يحزنوا دوماً.

الحديث فيه عن عوف صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة قال فحفظت من دعائه ، لم يذكر جميع الدعاء فهذا شيء من الدعاء ، والنبي صلى الله عليه وسلم كان ينوع في الأدعية.

ولذا نحن نقول لإخواننا من أرادوا أن يصلوا صلاة الجنازة ، الدعاء في الثالثة والرابعة وكذا لو صلوا خامسة أو سادسة أو سابعة أو ثامنة ؛ يكثرون من الدعاء ، والأحسن أن يكون الدعاء من المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والدعاء منه الطويل ومنه القصير والأحسن أن يكون الطويل في الثالثة ، والرابعة أقصر من الثالثة ، والخامسة أقصر من الرابعة.

انتبه لا أقول قياساً على الصلاة ، وإنما أقول بخلاف الفارق ، لا يوجد فارق بين الصلاة وبين الدعاء ، والدعاء فيما يسمى صلاة الجنازة.

لو قلت قياساً فستقولون لي القياس لا يصلح في العبادات ، لأن العلة غير ظاهرة ، فأقول بزوال الفارق ، زوال الفارق يصح أن يعمل فيه في العبادات.

نحن الآن نلحق المال والدرهم بالذهب والفضة ، ليس قياساً وإنما بزوال الفارق ، وزوال الفارق تحتاج لدراسة أصولية تطبيقية مهمة ، والكتابات فيها قليلة.

يقول عوف حفظت من دعائه الذي حفظه حتى تمنى أن يكون هو من مات ، قوله:
اللهم اغفر له وارحمه.

إذاً اللهم اغفر له خص الميت الذي يصلي عليه بالدعاء ، ولم يدع دعاءً عاماً ، ما قال اللهم اغفر للمؤمنين ، قال اللهم اغفر له وعافه واعف عنه وأكرم نزله.

النزل ما يقدَّم للضيف اجعل أول قدومه إليك يا ربنا فيه عزة وفيه كرامة.

ووسع مدخله وافسح له فيه:
افتح له فيه باباً من أبواب الجنة.

واغسله بالماء والثلج والبرد:
فهذه الأمور الباردة تقابل حرارة الذنوب وتطفئ لهيبها ، وتبردها.

فذكر الماء والثلج والبرد لأن الذنوب لها حرارة ، فذكر هذا ليطفئ تلك الحرارة.

ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس ، وخص الأبيض بالذكر لأن إزالة الأوساخ في الثوب الأبيض أظهر من غيرها من الألوان.

وأبدله داراً خيراً من داره :
ومخطئ من قال إن القبر هو آخر المنازل ، وكما يقول أهل الإعلام للأسف في هذه العبارة ، وأتمنى لو بعض الإعلاميون يسمعون هذه الكلمات القليلات مني يقولون انتقل إلى مثواه الأخير!

المثوى الأخير الجنة أو النار ، وليس القبر هو المثوى الأخير.

فالنبي صلى الله عليه وسلم يدعو دعاء قال وأبدله داراً خيراً من داره ، في هذه الحياة البرزخية أبدله داراً خيراً من داره ، وأهلاً خيراً من أهله.

واختلف العلماء في تفسير هذا التبديل ، فمنهم من قال التبديل بالأعيان ، بأن يرزقه زوجة أحسن من زوجته ، وارزقه أولاد أحسن من أولاده ، وارزقه جيران أحسن من جيرانه.

ومنهم من لم يحمله على تغيير الأشخاص ، وإنما حمله له على تغيير الأوصاف أي ارزقه زوجاً خيراً من زوجه ، فالزوجة التي في الدنيا كبيرة أو ضعيفة ؛ فأبدله زوجة شابة ، تعود إلى شبابها ، فالدعاء إلى تغيير الأوصاف.

ومن بين ذلك إذا كانت الزوجة سيئة الخُـلُق:
فيقول أبدله زوجة حسنة الخُلق.

فالتغيير بالأوصاف وليس بالذوات ، ووقع تفسير أهل العلم لهذا التبديل محمول على الأمرين.

ثم دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله وأدخله الجنة وقه فتنة القبر وعذاب النار.

(انتقل إلى المثوى الأخير):
اللفظة فيها كفر -لا أقول القائل كافر- ، لأن الرجل قد يقع في الكفر ولا يشعر ، الإعلام الذي يقول انتقل إلى المثوى الأخير ؛ هذا كلام كفر ، لكن قائله ليس بكافر ، هو جاهل لا يفهم وينبغي أن يُـفهَّم.

هذا دعاء الذي رواه رواه مسلم عن عوف بن مالك ، هناك حديث آخر والحديث آخر عزاه الحافظ عند مسلم وهو ليس عند مسلم وإنما هو في السنن الأربعة ، والحديث صحيح.

نسمع الدعاء الثاني قال -رحمه الله-
٥٦٦ – وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – إِذَا صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا, وَمَيِّتِنَا, وَشَاهِدِنَا, وَغَائِبِنَا, وَصَغِيرِنَا, وَكَبِيرِنَا, وَذَكَرِنَا, وَأُنْثَانَا, اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ, وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ, اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ, وَلَا تُضِلَّنَا بَعْدَهُ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ, وَالْأَرْبَعَةُ.

قال الشيخ مشهور حسن شارحاً:
هذا الحديث عزاه لمسلم- وهو ليس في صحيح مسلم ، إنما هو في السنن الأربعة ، والأصل في الداعي حتى في غير الصلاة ؛ الدعاء المطلق البركة والخير في الألفاظ التي قالها النبي -صلى الله عليه وسلم- ففيها كلمات يسيرة ومعاني كثيرة من أراد الخير كله فليحفظ أدعية النبي -صلى الله عليه وسلم- ، فأدعية النبي -صلى الله عليه وسلم- مبانيها قليلة الألفاظ ولكنها جزلة كثيرة المعاني.

وبعض الناس يريد يدعو لنفسه فالدعاء باللازم بالذي تريد من المأثور عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحسن من الدعاء الصريح الذي ذكرته ، وإن ذكرته وأسمعته لبعض أهل العلم لقالوا فيه كذا وكذا.

من أنشأ دعاءً من عند نفسه هذه الأيام فقل أن يسلم من المؤاخذة ، فالدعاء ولا سيما في صلاة الجنازة ، وهي حق للميت.

حتى تؤدي الحق على أحسن حال احفظ الأدعية المأثورة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، والأدعية المأثورة ليس هذان الدعائين فقط.

لو أن إنساناً لا يحفظ ودعا ؛ لا حرج ، يسدد ويقارب يدعو بما شاء لكن الأحسن أن يكون الدعاء بالمأثور ، هذا دعاء مأثور عظيم ، فيه الدعاء للحي ، والدعاء للميت والدعاء للشاهد (شاهد صلاة الجنازة) ، والدعاء لسائر المسلمين الغائبين (الشاهد والغائب) ، والدعاء للصغير ، والدعاء للكبيرة ، والدعاء للذكر والدعاء للأنثى.

في بعض الروايات ولإنسنا وجننا ، ثم يجمل ذلك اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده.

فقول المصلين الدارج هذه الأيام في الركعة الرابعة فقط يقال فيها :
(اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده) ؛ هذا ليس بمأثوراً ، هذا جزء من هذا الحديث الطويل ، ويقال في التكبيرة الثالثة أو في التكبيرة الرابعة.

اختصاص التكبيرة الرابعة بلفظ خاص ولا يتعداه على أنه من المأثور هذا خطأ شائع عند الناس في صلاة الجنازة.

٥٦٧ – وَعَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: «إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى الْمَيِّتِ فَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ, وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

قال الشيخ مشهور حسن شارحاً:
هذا الحديث عن أبي هريرة أيضاً ، وهو عند أبي داود ، وصححه ابن حبان.
قال صلى الله عليه وسلم:
إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء.

الدعاء -كما قلنا- يكون في التكبيرة الثالثة والرابعة وما بعدها والأصل في الدعاء أن يكون سراً ، سواء كانت الصلاة في النهار أم كانت في الليل ، والإخلاص في الدعاء أن تخص الميت بالدعاء ، لا أن تدعو بالعموم.

الإخلاص له معاني فمن بين المعاني الواردة هنا «وأخلصوا له في الدعاء» :
أي خُـصوه وأخلصوه دون سواه ، واجعلوا الدعاء منصرفاً له دون غيره في صلاة الجنازة.

فالدعاء العام لا يكفي في صلاة الجنازة ، وإذا كان الميت أنثى فيدعى لها اللهم اغفر لها ، اللهم ارحمها ، اللهم نقها ، فيدعى لها فلا تُـذكَر بالتذكير ، وإنما تذكر بالتأنيث.

فإن لم يكن هنالك محفوظ من قبل المصلي للمأثور عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فليدعوا بأحسن ما يحضره ، وقد صح عن جابر أنه قال ما قدَّرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لنا ولا أبو بكر ولا عمر بما ندعو.

هذه أشياء سمعها الناس من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن حبهم لأتباعهم لنبيهم -صلى الله عليه وسلم- نقلوها ، ونقلها لنا ومن حبنا نحن لرسول الله صلى الله عليه وسلم حفظناها ورددناها وقلناها في صلواتنا.

المصدر:
المحاضرة الثالثة لفضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان حفظه الله ، من كتاب بلوغ المرام من أدلة الأحكام ت الزهيري ، لابن حجر العسقلاني رحمه الله.
الموافق :
هجري 10 محرم 1447 –
ميلادي 05 يوليو 2025.✍️✍️

◀️ رابط الفتوى:

[ هدي النبي ﷺ في الدعاء للميت ]