[كلمة موجزة عن الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله]
[ فضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان حفظه الله]
“إِنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
فيطيب لي أيها الإخوة الأحبّة في هذا اللقاء أن ألتقي بكم في معهد الحافظ ابن حجر في جاكرتا إندونيسيا، وأرجو الله تعالى أن يجعل لقاءنا هذا سبباً من أسباب النجاة والتواصي بالحق والتواصي بالصبر.
والشكر موصول لمدير هذا المعهد، الأخ الفاضل الدكتور الشيخ زين العابدين ابن شمس الدين، وكذلك لأخينا هندر بن علي غفور ، وكذلك أحيي الوجوه التي أرى، وأرجو الله كما جمعنا في الدنيا على طلب العلم أن يجمعنا في جنات النعيم.
هذا المعهد أظن لو أن الحافظ ابن حجر بُعث من قبره فراكم لفرح، فكان لابن حجر حب شديد لتلاميذه، وكان كريماً عليهم،
ولابد أن أُعرِّفَ به موجزاً، وإلا فالكلام عن الحافظ يحتاج إلى مؤتمرات، وكُتبت عنه رسائل كثيرة، وأظن في مكتبتي من الدراسات عن الحافظ ابن حجر، يعني لو جِيءَ بها في هذا المجلس لكانت أكثر من نصف مساحته، الحافظ إمام، وهو إمام في كل العلوم، فهو أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني الشافعي، الملقب بشهاب الدين، المعروف بأنه خاتمة أمراء الحديث، فلم يوجد بعده من لُقّب بأنه أمير للحديث إلا هو، وكنيته أبو العباس، وعاش في مصر وأصله من عسقلان، عسقلان مدينة في غزة الجريحة، التي أرجو الله أن يعافيها ويعافي المسلمين هناك.
وله شعر مطبوع، له ديوان بعنوان “الكواكب السائرة” وما زال شعره يحتاج إلى جمع، فما من جزء حديثي أفرده في طرق حديث إلا ونظمه بمقطوعات بأبيات معدودات، ومن أشهر كتبه وكتبه كثيرة ، ذاك الكتاب الذي كان يقول عنه شيخنا الألباني كتاب الإسلام وهو”فتح الباري شرح صحيح البخاري”.
و”فتح الباري” ليس خاصاً في شرح صحيح البخاري، ولو أنك قلت إن “فتح الباري” شرحَ كتب الحديث الستة لأصبتَ، فما من مسألة إلا ويُسهب فيها فيُشبع ويروِّي، فمن قرأه خرج شبعانَ ريانَ من العلم، والذي يقرأ “فتح الباري” هو العالِم حقاً،
وانشغل به العلماء، وما من عالم من العلماء المعروفين إلا وقرأ كتاب “فتح الباري”، وبعضهم قرأه مرات وكرات، وتُرجم إلى أكثر من لغة، كتاب “فتح الباري” وأنا لا أعرف هل تُرجم للغة الأندونيسية أم لا، فإن لم يترجم فما أجدره أن يُترجم، ووجوه وحركة الرؤوس تدل على أنه تُرجم، هذه بالمفهوم الإشارة وهو مفهوم معتبر عند العلماء، هذا مفهوم معتبر وله أدلة كثيرة.
ومن أشهر كتبه “تغليق التعليق”، كتاب فذ لم يُؤلف غيره في معلقات البخاري، فالبخاري أورد أحاديث وآثار وعلقها، فلم يذكر سنده إليها، علقها على قائليها، فقال: قال ابن عباس، قال مجاهد، قال ابن عمر، قال عمر، وأحياناً يذكر قولاً وأحياناً يذكر فعلاً، فجاء الحافظ ابن حجر فغلّقها وسمى كتابه “تغليق التعليق” فأورد فيه أسانيده من شيخه إلى الأثر المعلق عند البخاري ، وهذا عمل عظيم لا يقدر عليه إلا أمثال الحافظ ابن حجر، وطُبع في أربع مجلدات.
ومن كتبه البديعة “الإصابة في تمييز الصحابة” ومات ولم يتمه، وبقي فيه قسم المبهمات، فحاول ألصقُ تلاميذه به الحافظ السخاوي محمد بن عبد الرحمن السخاوي المتوفى سنة 902 أن يتمه فما استطاع، فبقيت “الإصابة” ناقصة ولا يوجد فيه القسم المتعلق بالمبهمات مثل: عم فلان، وأخو فلان، وابن فلان وما شابه.
ومن كتبه البديعة وهو الرابع، وكان يتمنى لو أنه ما كتَـب إلا هذه الأربعة:
“فتح الباري”، “تغليق التعليق”، “الإصابة”، والرابع “لسان الميزان”.
“لسان الميزان” ووضعه ذيلاً على كتاب الإمام الذهبي “ميزان الاعتدال في نقد الرجال” وزاد عليه، والزيادات تراجم مفردَة لم يتعرض لها الإمام الذهبي، وجعل أمامها في “اللسان” حرف زاي وهذا الحرف فيه إشارة إلى أنه ترجمة زائدة ما ذكرها الإمام الذهبي.
وله كتب كثيرة وهو شافعي المذهب، له اختيارات على وفق الدليل، وإن صح عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء قال به، ولسان حاله يقول: “أنا معذور بترك قول إمامي، وإمامي معذور بتركه لهذا الحديث، ولا أقدم قول أحد على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم”.
هو من أعيان القرن التاسع الهجري، متوفى سنة 852، تتلمذ على كبار شيوخ عصره، وكان في طبقة شيوخه كثير ممن شرحَ صحيح البخاري، فاجتمع بين يديه عدد كبير من الشروحات، وكان الحافظ ابن حجر قيماً على الكتب الوقفية في القاهرة فاجتمع له شرح شيخه الحافظ الكبير ابن الملقن المسمى “التوضيح في شرح الجامع الصحيح”، وكذلك شرحُ شيخه سراج الدين عمر بن رسلان البلقيني ، وله شرح على صحيح البخاري.
وكذلك تتلمذ على الحافظ العراقي عبد الرحيم بن الحسين العراقي صاحب الألفية التي شرحها السخاوي في كتابه “فتح المغيث”.
ومن أشهر تلاميذ الحافظ وأكثرهم عملاً في الحديث وله مصنفات بديعة وكثيرة ومتقـنَة ومحررة:
الحافظ السخاوي، وكان يفخر على عصرِه وخَصـمِه “الحافظ السيوطي” بأنه تتلمذ على ابن حجر.
فقال السيوطي رداً على السخاوي:
“أنا والدي أحضرني وأنا طفل في مجلس الحافظ ابن حجر”، فكان مجرد حضور الواحد في مجلسه وهو طفل كان يتباهى به وكان يفتخر بنسبته للحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى.
الحافظ يحتاج إلى كلام طويل وكثير ولكن عَـنَّ في بالي وانشرح صدري أن أتكلم بهذه الكلمات بين يدي هذه الدورة الثالثة في هذا المركز المبارك، الذي أسأل الله تعالى أن يوفق القائمين عليه وأن يعقدوا مؤتمراً خاصاً ، وما أجدره بذلك.
المصدر:
الدورة الشرعية الثالثة للدعاة في اندونيسيا – منهج السلف في التعامل مع الفتن – المحاضرة الأولى.
تاريخ:
29 جمادى الآخرة 1446 هـ
30 ديسمبر 2024 م✍️✍️
◀️ الرابط في الموقع الرسمي :
[كلمة موجزة عن الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله] [ فضيلة الشيخ مشهور حسن آل سلمان حفظه الله]