السؤال :
مُسْنَد الإمام أحمد، على الرغم من علو أسانيده، لماذا لم يصل إلى مرتبة الصحيحين؟
الجواب :
الإمام أحمد شيخ البخاري وشيخ مسلم، ذكرنا إفاضة في هذا الدرس في عدد مرويات مسلم عن الإمام أحمد، وله كتاب لَما التقى في العراق مسلم بالإمام أحمد سأله أسئلة، له كتاب اسمه “مسائل الإمام أحمد” وهو مفقود ويا ليتنا نجده، مسائل مسلم للإمام أحمد.
فأجوبة الإمام أحمد فيها بركة، وأجوبته دقيقة بألفاظ موجزة، كما هو الحال في أجوبته على أسئلة أبي داود السجستاني وهو مطبوع، وأجوبة عدد من العلماء وهي مطبوعة.
مُسْنَد أحمد كبير، فيه قرابة خمسة وأربعين ألف حديث ،
ولم يَـعمَـد أحمد أصالة للحديث الصحيح، زعم صاحب “المَـصَعَد الأحمد” ابن الجزري، في خصائص “مُسْنَد الإمام أحمد” أن ما في مسنده صحيح أو حسن، وهذا الزعم باطل وفَـنَّـدَهُ بطريقة علمية دقيقة الإمام ابن القيم في كتابه الفروسية، أظن ليس ابن الجزري إنما واحد آخر قبله، ذكرت اسم الكتاب في تعليق لي على الفروسية لعله يأتي بعد قليل.
فالإمام ابن القيم أورد أسئلة لأحمد سُئِل فيها عن أحاديث ، وذكر تضعيفها ، وهي في مُسْنَد أحمد.
فالزعم أن أحمد تَـقصَّد الصحيح والحسن في مسنده ليس بصحيح، ويؤكد ذلك أن أحمد في آخر حياته، وجد أحاديث قليلة ضعفها شديد، ولعلها تصل إلى الوَضْع أي أنها موضوعة، فكان يأمر ابنه عبد الله أن يحذفها، فكان يقول له:
اضرب على هذا الحديث، أخرجه من المُسْنَد، اضرب على هذا الحديث، ولكن الضعيف بَقِيَ في المُسْنَد.
ومَنهَج الإمام أحمد في الفتوى أن الحديث الضعيف المروي، وضعفه ليس بشديد، أحب إليه من القول بالرأي، يقول:
أنا لا أُعمِـلُ رأيي، وهنالك حديث في المسألة لو كان ضعيفًا، لو كان ضعيفًا شريطة ألا يكون ضعفه شديدًا، فهذا من منهجه رحمه الله تعالى.
لذا في هذا العصر وقع خلاف أنه في مُسْنَد أحمد أحاديث ضعيفة وموضوعة، والصواب لا، والأحاديث التي قيل إنها موضوعة ليست من صُنْع أحمد هي من الزيادات على مُسْنَد أحمد.
ولأن هذه المسألة شائكة، كاتَـبَ العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، كاتَبَ شيخنا الألباني يسأله عن هذه المسألة، وألَّف شيخنا الألباني كتابه “الذَّب الأحمد عن مُسْنَد الإمام أحمد”، فأجاب الشيخ ابن باز بكتاب أرسل له رسالة، فأجابه كتاب، فألَّف مؤلَّفًا قرر فيه أن في أحمد في مُسْنَد الإمام أحمد ليس فيه حديث موضوع ولا ضعيف، وإن وُجِدَ فهو ليس من صنيع أحمد، ولكن في ضعيف مُسْنَد أحمد كثير، كثير من الأحاديث التي خرَّجها شيخنا في السلسلة الضعيفة ضعفها، قال: أخرجه أحمد، وقال: ضعيف، وهذا يوافق ما نقله ابن القيم ، وعمل ابن القيم فيه أصالة وقديم ، لَما يَذكُر الأحاديث وهي في المُسْنَد ، ويُسأل عنها أحمد ويُضعِّـفها.
ولذا البخاري ومسلم متأخران عن مالك ، ومتأخران عن الشافعي ، ومتأخران عن أحمد.
كان الناس قديمًا يقولون:
أصح كتاب تحت أديم السماء “موطأ مالك”، كان يقول ذلك الإمام الشافعي.
طيب لو قلنا:
الإمام الشافعي أصح كتاب تحت أديم السماء موطأ مالك، صحيح البخاري وصحيح مسلم ما هو ما هو جواب الشافعي علينا؟
إيش يقول لنا؟
أنا ما أدركتُ صحيح البخاري ، ولا صحيح مسلم، لأن البخاري ومسلم من تلاميذ أحمد، وأحمد تلميذ الشافعي، بمعنى أن صحيح البخاري وصحيح مسلم ما كانا موجودين لَما قال الإمام الشافعي مقولته:
“ما تحت أديم السماء كتاب أصح من موطأ مالك” ، ما كان هنالك صحيح بخاري ولا صحيح مسلم.
ولكن مقولته صواب، لو استثنينا الصحيحين أصح كتاب هو كتاب موطأ مالك.
ولذا الإمام الذهبي يقول كلمة جميلة في ترجمة مالك في الموطأ يقول:
للموطأ هيبة، وهيبة الموطأ من هيبة الإمام مالك، فالإمام مالك له هيبة، دخل مرة على المسجد النبوي وجد سجادة، قال: هذه لمن؟
-هذه تصلح للكورونا، ( المرض الفيروسي ) -.
قالوا: هذه لأمير المدينة، هذه السجادة أرسلها أمير المدينة حتى يأتي ويصلي، قال: أخرجوها ولما يأتي اجلدوه، أخرجوها لما يأتي اجلدوه، هذا ابتداع في الدين، تحجز مكان ولا تأتي أنت؟! لا تبكِّر للصلاة وتحجز مكان بحكم أنك أمير ؟!
قال: لما يأتي اجلدوه وأخرجوا السجادة، كان له مَهَابَة الإمام مالك، كان له مهابة.
إن الأكابر يحكَمون على الوَرَا ، وعلى الأكابر، تَحكُم العلماء.
على الأكابر تَحكُمُ العلماء رحمهم الله تعالى.
فالشاهد:
أن أحمد ما قصد الصحيح أصلاً، أحمد ما قصد الصحيح ، لكن قصد أن يجمع جميع ما وَرَد عن النبي ﷺ ولو بإسناد فيه ضعف والضعف ليس شديدًا.
أنا أعلمكم شيئًا وهو في الغالب:
لو سُئلت عن أي حديث له إسناد فقلت هكذا دون علم: أخرجه أحمد، غالبًا تكون مصيبًا، أن أي حديث له إسناد وقلت: أخرجه أحمد، تكون مصيبًا.
وأزيد:
لو قلت: أخرجه أحمد عن أبي هريرة، تكون مصيبًا، لأن أبا هريرة هو حافظة الإسلام.
فكان الشيخ مُقبِل -رحمه الله- يمازح تلاميذه، فيذكر يمتحنهم ويقول لهم يذكر حديثًا يقول:
مَن أخرجه؟ فكان يقول لهم: لا تقولوا لا تقولوا أحمد عن أبي هريرة، لا تقولوا أخرجه أحمد عن أبي هريرة، يعني استثنوا هذا الأمر، إذا استثنيت: أخرجه أحمد عن أبي هريرة، الأحاديث أغلب الأحاديث عن عند الإمام أحمد في المُسْنَد.
لطالب العلم صاحب النهمة وصاحب الهمة، إذا أراد أن يشفي غليله من الحديث النبوي يَـقرأ مُسْنَد أحمد، خصوصًا أن مُسْنَد الإمام أحمد طُبِع مُحَقَّقًا، وأول من شَدَّ الهمة لتحقيق مُسْنَد الإمام أحمد أخونا الشيخ علي الحلبي -رحمه الله-، ويا ليته أتمه، قطع فيه شيئًا يسيرًا ثم الطلبة أشغلوا الشيخ علي عن مشاريعِه العلمية التي من أجلِّها تحقيقه لمُسْنَد أحمد، وبدأ بتحقيق مُسْنَد الإمام أحمد قبل الشيخ شعيب بأكثر من عشر سنوات، بدأ قبل بداية الشيخ شعيب بعشر سنوات، لكنه شُغِل والطلبة أشغلوه.
فالإنسان لا يستطيع أن يلبي حاجات الطلبة، كل طعام وكل شراب وكل جاهة وكل مناسبة، هذا يضيع الطالب، يضيع، ما يستطيع طالب العلم لا يستطيع أن يكتب شيئًا على هذا الحال، لا بد أن يجمع نفسه على هذا الباب.
المصدر:
البث المباشر – لدرس شيخنا شرح صحيح مسلم – فضيلة الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان.
تاريخ:
6 رجب 1445 هـ
18 يناير 2024 م✍️✍️
◀️ الرابط في الموقع الرسمي :
السؤال : مُسْنَد الإمام أحمد، على الرغم من علو أسانيده، لماذا لم يصل إلى مرتبة الصحيحين؟
