السؤال: ما قولكم فِيمن يقول بأنّ الأشاعرة هُم أولى النّاس بلقب أهل السنّة والجماعة لأنّهم أول من ذبَّ عن السنّة وناظر المعتزلة ؟

السؤال:
ما قولكم فِيمن يقول بأنّ الأشاعرة هُم أولى النّاس بلقب أهل السنّة والجماعة لأنّهم أول من ذبَّ عن السنّة وناظر المعتزلة ؟

الجواب:
الأشاعرة مرُّوا في مراحل، وأحسنها أولها.
مدرسة أبي الحسن الأشعري وتمثّلت بالباقلاني، قريبون من مذهب الإمام أحمد، صحيح وقعت تجاوزات ، لكن إن قارنت بين مدرسة أبي الحسن الأشعري بمرحلتها المتأخرة المتمثلة بالفخر الرازي والقانون الكلي، مع المدرسة الأولى مدرسة أبي الحسن الأشعري في كتابه الإبانة، تجد فرقًا كبيرًا!

بعض تلاميذ الباقلاني وصلوا للمغرب، وبدأت تتململ الأشعرية في المغرب على إثر تلاميذ الباقلاني، وقبل ذلك المغرب العربي لا يعرف الأشاعرة، والكلام الشائع عند كثير من الطلبة ممن يقرؤون، ولا سيّما شبه المخالفين هذه الأيّام، يقول لك: كل علماء المغرب أشاعرة، وهذا ليس بصحيح.

وهناك فِرية أشد من هذه الفِرية، يقولون: ابن تيمية -رحمه الله- هو الذي قعّد ما عليه السلفية اليوم، ولم يسبقه أحد، هذا تُتمم الفرية الأولى، وهذا من الخطأ الشنيع.
وبعض إخواننا في الإمارات، له كتاب بديع جدًا في تأييد المالكية وبيان أن مذهبهم مذهب أهل السنّة، ونقل عن عدد كبير من المالكية قبل أن يولد شيخ الإسلام، وقارن كلامهم بكلام ابن تيمية -رحمه الله- في كتبه.
فما جاء به شيخ الإسلام:
أولًا: تقرير.
ثانيًا: تفنيد شبه.
في معرض التقرير ما جاء شيخ الإسلام بجديد.
في معرض التفنيد صالَ معهم وجال، وحاقَقهم وضايقهم، وأكّد على صدق تقريره.
وإذا نظرتم إلى الشبه التي تُثار حول شيخ الإسلام، إنما هي شبه تثار في معرض مناقشته للإشاعرة وليس في معرض تقريره لعقيدة السلف!
وجُلّ هذه الشبه، لأن العقول قاصرة على إدراك كلام شيخ الإسلام.
ولذا من العلماء الذين غضبوا على شيخ الإسلام، صديقه وحبيبه ومعظمه الإمام الذهبي، كان يقول عقلك أكبر من عقولهم، وهم لا يفهمون كلامك، اسكت!
كانت نصيحة الذهبي لشيخ الإسلام، يعني من سعة علمه، قال: اسكت، هؤلاء لا يفهمون ماذا تقول!
أيضًا هذا كلام، البعض يستدل به على أنّ ابن تيمية مغموزٌ بهِ بسبب كلام الذهبي في السير وتاريخ الإسلام والذيل على السير عن شيخ الإسلام، وكل مراد الإمام الذهبي
وقد بينتُ هذا بالتفصيل والتطويل في كتابي الأغاليط……إلخ

فالشاهد أن السائل لمّا ذكر الأشاعرة، إذا أراد أبي الحسن الأشعري ومدرسته فصحيح.
أبي الحسن بدأ معتزليًّا وعرف ثغرات المعتزلة، وما وافقهم.
لكن الفخر الرازي وأئمة الأشاعرة المتأخرين معتزلة، الفخر الرازي في كثير من كتبه يقول: “الحديث صحيح” الحديث هذا صحيح في معرض ذكر بعض الصفات، صحيح، لكن لا يمكن أن أقول به!
لماذا؟
قال :الحديث هذا صحيح والحديث آحاد، والقاطع العقلي ينفيه.
المشكلة أين تَكمن؟
الكلام طويل وذو شجون -كما يقولون، طريقة إثبات الخالق عند الأشاعرة، ينطلقون من نظرية الجوهر، وكلّ من أثبت الخالق بناءً على هذه النظرية، مسبقًا من أثبت صفة الذهاب والمجيء والحركة والتنقل لله -جلَّ في علاه- هو مجسّم مسبقًا، لأنهم يعتقدون، بناءً على هذه النظرية أنّ الجوهر (الجسم) لا بد أن يكون ذو حركة ولا بد أن تكون هذه منفية عن الله -عز وجل-، لذلك نحن لا نستغرب عندما يقولون عن ابن تيمية : أنه مُجسم.
ليس ابن تيمية مجسم، كل من أثبت الصفة عندهم : مجسم.
لأن الأصل في إثبات أن الله حقٌّ عندهم ليس بسديد.

وشيخ الإسلام ناقشهم طويلًا في هذا، وبيّن أن أحسن طريقة بأن الله حقّ، طريقة الأنبياء، وطريقة الأنبياء -عليهم السلام- الفطرة والتأمّل في خلق الله، وليست النظريات الفلسفية وما شابه.

فالأشاعرة الخلاصة:
أنهم مرُّوا بمراحل ومرُّوا بمدارس، وليسوا سواءً.
فالمدرسة الأولى:
مدرسة أبي الحسن الأشعري.
مدرسة نحبُّها.
لكن أنبّه أنّ كثير من الناس يقولون: أن الإمام أبو حنيفة ماتريدي، ويقولون: أن الإمام الشافعي والإمام أحمد والإمام مالك أشاعرة.

من المتقدّم ومن المتأخر؟
هناك نحو تسعين سنة بين وفاة الإمام أحمد، وميلاد أبي الحسن الأشعري.
يعني أبي الحسن الأشعري ولد بعد الإمام أحمد بتسعين سنة.
يعني لو سمعتَ -مثلًا- قائلًا يقول: ابن حجر كان تلميذًا للألباني، فماذا تقول؟ هذا جنون.
ابن حجر متقدم على الألباني رحمهما الله تعالى.

فلمّا تقولون أن الأئمة أشاعرة، فهم متقدّمون على أبي الحسن الأشعري فكيف يقال عنهم أنهم أشاعرة؟!
هذا الآن كلام يُسمع، وهذا كلام يُقال، وهذا كلام ليس له نصيب ليس فقط من العلم، حتى من العقل!
وشيخ الإسلام قال في المجلد الرابع من مجموع الفتاوى: العقيدة أكبر من أن تُؤخذ منّي، أو من أبي الحسن الأشعري، أو من الشافعي، أو من أحمد، أو من مالك.
العقيدة أكبر من هذا.
العقيدة لا تؤخذ إلا من كتاب الله، ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فالعقيدة لا تُؤخذ من أشخاص. والعقيدة التي نادى بها أئمة السلف سهلة، تُناسب القاصي والداني، والعالم والجاهل، بخلاف العقائد الأخرى.

سؤال من أحد الحضور:
يستدل الأشاعرة المعاصرون اليوم أن جُلّ علماء الأمة هم من الأشاعرة، فلازم هذا أن الأمة كانت على العقيدة الصحيحة، وهي عقيدة الأشعرية؟

الجواب:
إخواني بارك الله فيكم العِصمة لمن؟ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- زكّى مَن؟
أي القرون -صلى الله عليه وسلم- زكّاها؟
زكّى النبي -صلى الله عليه وسلم- العصر الذي هو فيه، والذي يليه، والذي يليه، هذه هي العصمة.
مابعد هذا ليس عندنا تزكية.
والكثرة ليست دليلًا.
هذه النقطة الأولى التي ننطلق منها. العصمة في الجيل الذي ربّاه النبي -صلى الله عليه وسلم- وجيل التابعين وتابعي التابعين، فما كان هؤلاء عليه ما ينبغي أن يُحاد عنه، لأنهم مُزكوْن من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

الأمر الآخر:
العلماء يتابع بعضهم بعضًا.
مثلًا درسنا مع إخواننا شرح الإمام النووي على صحيح مسلم، الإمام النووي لو قارنت كلامه في تأويله للصفات، بكتاب “إكمال المُعلِم” للقاضي عياض فإنه ينقل منه كلمة بكلمة، وحرفًا بحرف، فما أنشأ الإمام النووي كلامًا من عنده، وإنما نقل عن كلام من قبله وهكذا، فالمؤولة شاع وذاع.

فمثلًا كتب الغريب، “النهاية” لابن الأثير، أصبح كل من أراد أن يفسّر حديثًا، ينقل من ابن الأثير ويسكت، العلماء كما قرر الغزالي في “المُستصفى” قال: الاجتهاد يتجزأ. وقال بعض العلماء قد يكون إمامًا في فن، وقد يكون عاميًّا في فنٍّ آخر، فراجَ وشاعَ وذاع كلام التأويل من خلال كتب الغريب، ومن خلال كتب شرح الأحاديث..إلخ

لكن لا يمكن لأحد أن يقول كل علماء الأمة أشاعرة.
نُوقشت رسالة دكتوراه من قريب، وكان المشرف عليها حسن الشافعي الأشعري لكنه منصف ، أخينا كتب رسالته بعنوان “مذهب السلف الصالح إلى القرن السابع عند الشافعية” وسرد أعلام كثر للشافعية، وكانت عقيدتهم على مذهب السلف الصالح.

مشاكل شيخ الإسلام ابن تيمية مع الشافعية، لا أكتمكم، كل أعداء شيخ الإسلام شافعية.
والشافعية مدرستان:
١)مدرسة السبكي تقي الدين وروّجها ولده عبد الوهّاب تاج الدين.
٢)مدرسة البُلقِيني أو البُلقَيْني -بتعبير أدق-.
وشاعت وذاعت مدرسة السُبكي. السُبكي متقدّم على ابن تيمية ومات بعده، وبعد وفاته بإحدى عشر سنة كتب ترجمة لابن تيمية، وكتابته لترجمة ابن تيمية فيها تحذير منه، وآذى ابن القيم تلميذ ابن تيمية وقد سُجن.
والكلام في هذا الباب كثير.
لكن الشاهد أن عددًا كبيرًا من الشافعية يؤيدون كلام شيخ الإسلام.

أمس كنت أراجع مسألة أظنّ في المجلد التاسع (٤٥٣)، من كتاب “النجم الوهّاج شرح المنهاج” للدَّميري، فينقل ثم يقول: وأفتى ابن تيمية بكذا، فقدح في نفسي قلت: يا ليت طالب علم يجمع فتاوى شيخ الإسلام أو نقولات الشافعيّة عن ابن تيمية من كتب الشافعية.
نقولات الشافعية عن ابن تيمية موثّقة من الكتب.
ما السر في ذلك؟
ابن تيمية إمام، وكلامه معتمَد ومعتدٌّ به ليس فقط عند الحنابلة، وإنما عند غيرهم.
وشاهدي من هذا مادام أن الشافعية هم كانوا في مُناكدة مع ابن تيمية، فنحتاج أن نبرز قيمة شيخ الإسلام عند الشافعية أنفسهم.

فالشاهد بارك الله فيكم الحكم عن الأشاعرة ليست العبرة بالشخص إنما العبرة بالتقرير، والتقرير نُخضعه لقواعد العلماء؛ فالمقبول منه مقبول، والمرذول منه مرذول، والذي يقبل الصواب والخطأ في مسائل يُقال هذا صواب وهذا خطأ.

فالقول بأنّ العلماء كلهم أشاعرة هذا خطأ، ليس بصحيح.
ونحن قول صحابيٍّ واحِد أحبُّ إلينا من قول مئات من المتأخرين.
العبرة بالقرون الثلاثة الأولى التي زكّاها النبي صلى الله عليه وسلم.✍️✍️

↩ رابط الفتوى:

السؤال: ما قولكم فِيمن يقول بأنّ الأشاعرة هُم أولى النّاس بلقب أهل السنّة والجماعة لأنّهم أول من ذبَّ عن السنّة وناظر المعتزلة ؟

◀ خدمة الدرر الحسان من مجالس الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان✍️✍

📥 للاشتراك:
• واتس آب: ‎+962-77-675-7052
• تلغرام: t.me/meshhoor