السؤال: سائل يقول: من المؤهل للكلام في الرجال جرحا وتعديلا؟

السؤال:
سائل يقول: من المؤهل للكلام في الرجال جرحا وتعديلا؟

الجواب:
سؤال مهم حقيقة، ومهم ومهم للغاية. لكن المسألة تحتاج إلى شيء من تأنٍ.

الجرح والتعديل مر في أطوار، وله أئمة.
سأجعل كلامي في الشهادة مقدمة لجواب السؤال.

لو أردنا أن نفحص الشُهَّاد المذكورين في كتب الفقه بالموافقات الموجودة قديما، ما قبلنا شهادة أحد اليوم.

في العصور المتأخرة القضاة أواخر العهد العثماني لما استقر الأمر على تحريم الدخان، كان القاضي يقول: تدخن؟ قال: نعم؛
فكان يقبل شهادة المدخن على المدخن، ولا يقبل شهادة المدخن على غير المدخن.
إذا المشهود عليه مدخن يقبل شهادته، وإذا المشهود عليه غير مدخن يقول: لا ما تقبل الشهادة المدخن.

والفقهاء طولوا في هذا وقرروا طويلا وأكثر من تكلم في هذا المالكية، شهادة سموها شهادة اللفيف.
ما هي شهادة اللفيف؟
يعني: ما يقبل شهادة واحد ولا اثنين ولا ثلاث بل لفيف عشرة.
قالوا: لقلة الضبط -لقلة الديانة- حتى تبقى الشهادة مقبولة نقبل شهادة اللفيف.
يعني: العدد الكبير الذي هو فوق الاثنين.

تمثيلي بهذه الأمثلة هي وقائع عالجت وحلت مشاكل.
وأرجو أن تنتبهوا لمسألة.
ومن هم ممن نصفهم بغلاة الجرح ولا أقول التعديل والجرح، والذين لا يعرفون الجرح لا يتعاملون مع النوازل بضوابط شرعية.
ولذا هم في حياتهم متناقضون.
ولا يستقيم لهم سوق أحكامهم على وزان واحد، أحكامهم متناقضة. والكلام طويل في هذا الباب لكن أريد أن أرد المسألة إلى أصول.
الأصل الأول الذي أرد إليه المسألة:
هل المنهي عنه شرعا يعامل معاملة المعدوم حسا أم لا؟
المسألة فيها نظر، وتحتاج لضوابط، والضوابط في ظني هي أصل القضاء على هذه المحنة.

والضوابط هنالك ما يشهد بأن المنهي عنه شرعا تارة بعض الأصحاب عاملوه معاملة المعدوم، وعلى رأس هؤلاء عائشة -رضي الله تعالى عنها-، لما أتم عثمان وترك القصر ففي صحيح مسلم ابن شهاب يقول استطرادا، قال مقولة أتعبتني شديدا، قال: وفعل عثمان كما فعلت عائشة.
ماذا يعني؟
ترك القصر وأتم.
لما يسر الله لي شرح صحيح مسلم قلت: ما الذي فعلته عائشة؟ بدأت أقرأ فوجدت رواية أن عائشة -رضي الله عنها- لما سافرت إلى الكوفة أتمت وما قصرت.
لماذ ما قصرت؟
لأنه ثبت في سنن النسائي الكبرى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر نسائه بعد أن حججن أن يلزمن الحصر.
فهي سافرت لضرورة، فاعتبرته كأنه غير موجود، فأتمت وما قصرت.
لذا ابن شهاب يقول:
وتأول عثمان كما تأولت عائشة.
عائشة الذي فعلته -رضي الله تعالى- عنها إنما هو تأويل.

الشاهد أن هؤلاء يعاملون كل شيء منهي عنه كأنه غير موجود، لا حرمة له؛ لا قيمة له، ليسوا على شيء، كما يقولون اليوم، هذا ليس بصحيح.

تأمل معي الآن.
وهذا شيء راسخ عندنا نحن طلبة العلم أنه لما تجتمع عليك المفاسد تختار ماذا؟
الأقل.
لماذا؟
لأن الشرع عامل المنهي عنه معاملة الموجود لا معاملة المعدوم.
تدرون: لو كان الشرع على الإطلاق قال المنهي عنه شرعا كالمعدوم حسا؛ مثلا الزاني لما يجنب لو اغتسل بماء المياه والبحار والمحيطات جميعها ما سقط عنه الجنابة.
أما المنهي عنه شرعا إذا عاملناها معاملة المعدوم ما ينتهي.
لذا هؤلاء عندهم أي مخالفة ليسوا بشيء.
لست موجودا.
يعاملك معاملة المعدوم.
يقضي عليك ضربة قاضية.
فما يجزئون الأحكام ولا يتعاملون مع المخالفات معاملة مصالح ومفاسد وترتكب المفسدة الأدنى.
وهذا كله يعتبروه من باب الخرافة جدا.

السؤال:
من المؤهل للكلام في الجرح؟
الجواب:
الآن تركنا الشهادة نرجع إلى الرواية. ابحث الآن في الرواية.
الإمام الذهبي في السير في الثالث عشر يقول عن بعض الرواة:
مفهوم الثقة تغير وتبدل من عصر لعصر.
تأمل معي الثقة.
من هو الثقة؟
الثقات مجمعون أنهم لا يجوز أن يتكلم أحد في أحد إلا إن كان ثقةً.
الثقة قائمة على عمودين.
العمود الأول: العدالة.
عدل في دينه مؤتمن على دينه، لا يرتكب الكبائر وإن فعل الصغائر يتوب إلى الله ولا يظهرها.
العمود الثاني: الضبط.
أن يكون ضابطا فاهما ماذا يقول، فالأمران مجتمعان، وهذان أمران لا اختلاف فيهما.

لكن انظر إلى عصر الرواية في العصور الأولى في بداية الرواية وانظر إلى عصر الرواية لما استقر الحديث، وأصبح الحديث مدونًا وأصبح سندا.

أنا الآن عندي أسانيد لكل كتب السنة، أجاز لي قرابة عشرين شخص من المشايخ والعلماء، ما قرأت شيئا عليهم، أخذت السند من باب البركة، وأنا أروي أي حديث أركب له سندا.
هذا أمر ما كان موجودا سابقا.

قبل هذه المرحلة مرحلة بعد ما استقر الحديث وبقي الإسناد قائما، مثل البيهقي مثلا المتأخرين من المحدثين كالبيهقي يروون بالسند لكن شيوخه وشيوخ شيوخه ثم الذين بعدهم غالبا ثم يكون بعدهم صاحب الكتاب، الآن أقول الذي رواه الإمام البيهقي يروي عن البخاري وأقول الحديث ضعيف لأن شيخ البيهقي مجهول، هذا جنون.
ما بهمني البيهقي مجهول لا قدر الله، و شيخه كذلك مجهول فالحديث عند البخاري فهذا الأمر يتساهل فيه.

لذا وهذا لازم إخواننا الذين يشتغلوا في علم الحديث والمخرجين يعلمون هذا، أضعف شيء أن تضعف حديث براوي بعيد.
يعني لما تجد راوي وتتعلق بتضعيف الحديث براوي بعيد يعني واحد متأخر ويسند من القرن الحادي عشر وتغمز بشيخه، وشيخ شيخه هذا غمز فاضي غمز ليس صحيح.

لذا الآن تأمل معي:
انظر إلى الرجال المتكلم فيهم في البخاري، وانظر للرجال المتكلم فيهم في مسلم من هم؟
طبقة شيوخهم.

مسلم أراد أن يعلو فروى عن رجل متكلم فيه، لا يضير، لأنه تابعه عدد كبير، فاغتفر للشيخان وغيرهما الكلام في هؤلاء.

الشاهد من المؤهل أن يتكلم في الرواة؟
أيضا هذه مسألة مهمة.
و الحقيقة إذا أردت أن أربط الكلام بأصل، و كنت أتمنى في بدايات الطلب ان أجد دراسة في الثابت والمتغير في الشريعة.
طُبعت أربع أو خمس رسائل للآن، لكن تقرأها لا تشفي لك غليلا، لا تروي لك بللا، لأن البحوث كلها اليوم عبارة عن تفقير وليست حقائق، العلوم رسوم وليست العلوم حقائق، وهذه مشكلة من المشاكل العلوم ولا سيما الأكاديمية أصبحت رسوم.
يعني تعالج رسوم معينة ورسوم تغطي المباحث بوجه عام ليست بشكل حقيقي.
كنت أتمنى لو أجد رجالا يكتب المتغير والثابت في كل أبواب الشريعة.

نرجع للذهبي، الذهبي يقول: فلان ثقة قال هناك قلت :الثقة في زماننا ليست كالثقة في العهد الأول.

الآن أنبه على شيء.
المبتدع من العصور الأولى وكم من مبتدعة أخرج لهم أصحاب الكتب الستة.
لماذا أخرجوا لهم أصحاب الكتب الستة؟

لأن الثقة في عهد الرواية كان الغالب فيه الضبط لا الديانة.

لأن الأمور في العهود الأولى ديانة الناس بالجملة مقبولة، ولما ساء أحوال الناس ودون الحديث أصبح الثقة الذي يغلب عليه الديانة لا الضبط.

لذا لو جاءنا واحد متأخر مبتدع تقبل روايته كما قبل الاقدمون؟
قطعا لا.
لذا كل من تكلم فيه ببدعه تكلموا فيه، وهو ممن وُسم ببدعة، وهو من المتقدمين في عصرٍ الديانةُ فيه مقبولة.

الشاهد:
هذه نوازل كما عند الفقهاء نوازل في أبواب هناك نوازل في الجرح و التعديل.
فالرواية حتى تستقر وتستمر والرواية حتى تبقى في زماننا غفل الناس الآن عن فحص المتأخرين وأصبح الإسناد فقط للبركة.

الآن الذي يتكلم في الجرح والتعديل من هو؟
من أجمع عليه أهل العلم أو كادوا ممن هو على عدل وديانة وفهم، ولا يشترط فيه الشروط المذكورة عند السابقين، لأن الأمر الذي يخص يخص آحاد، والدين برأسه وأصله قد قام.
لكن المسالة أصبحت تخص أفراد معينين.
و أرجو الإنتباه و أركز على هذه النقطة وهذه النقطة أوذي بسببها الشيخ علي -رحمه الله تعالى-.

بعض المعاصرين زعم أن المتكلم فيه لا يُقبل الكلام فيه إلا بإجماع.
يعني: نحن نتكلم في شخص معين، هذا الشخص والله لو الآن نتكلم عن إبليس سنجد من يزكيه.
صحيح؟
اليوم هذا الكلام الذي نتكلم عنه الآن نتكلم في إبليس نجد من يزكيه.

فبعض المتكلمين في الشيخ علي -رحمه الله- ظن أن الشيخ لما قال الإجماع أو ما يعنيه تجمعُ كلمة أهل الديانه وطلبة العلم النبهاء والمعروفين أن الشيخ الفلان يعني إمام وعدل وليس عنده مُداراة لأحد وغيور على دين الله -عز وجل-، ظنوا أن المتَكلم فيه ينبغي أن تجمع عليه الكلمة، وهذا لم يريده الشيخ علي الحلبي -رحمه الله-.
ولا يمكن لعاقل أن يريده.

أنا لا اقول الإجماع أو شبهة أو نحوه ينبغي يتحقق في المتكلم عليه.

إنما الإجماع ينبغي أن يتحقق في حق من نقبل قوله في الأخرين.
انتبهوا هذه نقطة مهمة جدا.✍️✍️

↩ رابط الفتوى:

السؤال: سائل يقول: من المؤهل للكلام في الرجال جرحا وتعديلا؟

◀ خدمة الدرر الحسان من مجالس الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان✍️✍

📥 للاشتراك:
• واتس آب: ‎+962-77-675-7052
• تلغرام: t.me/meshhoor