السّؤال: مَا هُو واجبُ الآباء نَحوَ أبنائِهم فِي هَذا الوَقت؟

السّؤال:
مَا هُو واجبُ الآباء نَحوَ أبنائِهم فِي هَذا الوَقت؟

الجواب:
والله أنّ هَذا السّؤال من أهمّ الأسئِلة،
والجَوابُ يحتاجُ إلى تَوفيقٍ من الله -عزّ وجلّ-، ولسِرٍّ عجيبٍ جعلَ الله -عزّ وجلّ- دعاءَ الوالدِ لولده مُستجابًا.

فَيا أيّها الأب، لا تَحرم أولادكَ ولا تَحرم نَفسكَ من صَلاحِ أولادكِ؛ فاستخدم الدّعاء، لاتنسَ الدّعاء، وأَحوَجُ الأولادِ للدّعاءِ أبعدُهم عن الله -عزّ وجل-، أكثرُهُم بُعدًا سواءٌ كانوا ذُكُورًا أم إناثًا.
هَذا الأمرُ الأوّل..
المُؤامرة تبدأ على الصّبية، ومُؤامرةُ الكفّارِ على المُسلمين طَويلة، نحنُ غافلون، وقلّ -منّا- مَن أدركَ منها شيئًا، ونحنُ نخوضُ فِيها ونحنُ لا نشعُر.
وأذكرُ لكُم شيئًا، وهذا الشّيءُ قَليلٌ مِن كثيرٍ؛ حتّى تُدركوا شيئًا مِن المُؤامرة عَلى الأُمّة.
الكُفّار ليسُوا غَافلين، والكفّارُ يعملُونَ بطريقةٍ عِلميّةٍ دقَيقة، والمُسلمُونَ -للأسف- غَافلون، يظهرُ هَذا فِي ما يُسمّى -اليومَ-: (عِلمَ الاجتِماع)، وأخصّ من علمِ الاجتِماعِ “نَمَطَ الأُسرَة”.
إخَوَانُنُا الكَبار فِي هَذا المَجلس يُدركونَ ما أقول، ولمسُوا هَذا فِي أُسرِهم، والصّغارُ ما لمسُوا هذا، ولعلّهُم وقعوا في هَذهِ المُؤامرة، وهُم فِيها وهُم لا يشعرون.
فِي عِلم الاجتِماع يذكُرونَ أنّ الأُسرةَ قِسمان:
_ أُسرةٌ لا يُوجد فِيها شخصٌ مَسؤولٌ عنها.
_ أُسرةٌ يُوجدُ فيها شخصٌ واحدٌ مَسؤولٌ عَنها.
يُسمّونها في عِلم الاجتماع بأسماء، منها:
(الأسرةُ العَنقُوديّة)، (والأسرةُ السّهلةُ البسيطة)…
ولا تَحضُرني -الآن- الأَسماء المَذكُورة فِي عِلم الاجتِماع.
وليست العِبرةُ بالاسم، وإنّما العبرةُ بالحقيقة.
أدركنا -إن لَم أقلِ الآباء أقُول الأجداد- إذا مات الأب؛ فالعمّ أب، والخال أب، وإذا ماتت الأمّ؛ فالخالةُ أمّ والعمّة أمّ، والأَولاد (ذكور أو إناث) إذا كانوا أيتامًا لا يَضِيعون، ثمّ أرادَ الغربُ أن يَصبغُونا بصِبغتهم، وعَلموا -بيقين- أنّهم لا يستِطيعُون أن يُمرّروا ما يُريدون إلّا بعدَ تغيير نَمَط الأُسرة، فَنمطُ الأُسرة اليومَ غير نَمطِ الأُسرةِ الأُولى، اليوم إذا مات الأبُ وعندهُ أولادٌ صغار؛ يعيشونَ في جحيم، بِخلافِ الأُسرة على النّمط الأَوّل، الأُسرةُ على النّمط الأوّل يوجدُ قيّم لها، وإذا ماتَ واحدٌ فهناك بديل، وإذا مات آخر فهناك بديل، والنّاس فيهم شهامة، وفيهم خير.
اليوم إذا تكلمت مع ابن أخيك، ورأيتَ منه خطأً جسيمًا، وتكلمت معه كلامًا شديدًا؛ أبوه يقول لك: يا أخي، ابني حسّاس، وإذا أردتَ أن تتكلّمَ معه، تكلّم معي، وأنا أُوَجِّهُهُ، هذا المُؤدّب، وأمّا غير المُؤدّب يُقِيمُ الدّنيا ولا يُقعدها.
الولد صارَ حسّاسًا، لا ينبغي أن تُوَجّهَ له شيئًا.
الآن الغرب غيّر نمطَ الأُسرة في الحياة.
و تغييرُ نمطِ الأُسرة تمّ بعد طرحِ هذا الموضوع في رسائل الماجستير، و في رسائل الدّكتوراة، وفي وسائل الإعلام، وإيجاد أفلام كرتون، وأُنفقَ عليه مئات الملايين حتّى غيّروا النّمط.
بعد تغيير هذا النّمط تبدأ خطوة ثانية وخطوة ثالثة.
الكفّار لايصنعون معنا ما يريدون مرّةً واحدةً وبحماس، (لا).
بل يصنعون بدراسة، ولمّا وصل الكفّار إلى ما وصلوا إليه -اليوم- في قانون الأُسرة الموجود، وكيف تُنزَع -الآن- صَلاحِياتك عن أولادك، ويُؤخذ أولادك منك على النّمط الغربيّ؛ لأنك أزعجته -يعني: ولدك-، لأنّك سألتَ البنت لمَاذا تحملين جهازًا خلويًّا وماشابه.
في النّّمسا -وهي من البلدان المعروفة- يتّصل بي أخٌ حريص، يقول: للآن أُخذَ -حسبَ وسائل الإعلام النّمساوية- خمسةٌ وثلاثونَ ألفَ طفلٍ من آبائهم، وترعاهم مؤسّسات اجتماعية ترعاها الدّولة، وهؤلاء الخمسةُ وثلاثونَ ألفَ طفل، ليسوا الآن مسلمين، أُخذوا من مُسلمين، لايُؤخذُ إلّا الطفل المُسلم، وترعاهم وسائلُ رعايةٍ اجتماعية، ومؤسّساتٌ اجتماعية، والآن ليسوا مسلمين، هؤلاء الأولاد أُخذوا صغارًا، أُخذَ لأنّ أباهُ سألهُ عن كذا، لأنّهُ لطمهُ على وجهه، فيؤخذ -يعني: الولد- تحت رعايةٍ كافرةٍ لأُسرة مُعيّنة، هذا القانون الّذي يُراد أن يُمرّر في هذه الأيام.
الغرب يمشي معكَ واحدةً واحدةً..

ولذا إخواني، رعاية الأب لأبنائه هذا أمرٌ واجب -أصلًا-، وهذا مذكورٌ في كتاب الله -عزّ وجل-، قال الله -سبحانه وتعالى-:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}. [التّحريم:٦].
قال علي بن أبي طالب: (علّموهم وأدّبوهم)..
والنّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يقول:
“كُلُّكُم رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسؤول عَن رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَن رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهلِهِ وَهُوَ مَسؤولٌ عَن رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيتِ زَوْجِهَا وَمَسؤولَةٌ عَن رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ ومَسؤولٌ عَن رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسؤولٌ عَن رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكم رَاعٍ وَمَسؤولٌ عَن رَعِيَّتِهِ”.
رواه البخاري (٨٩٣)، ومسلم (١٨٢٩)، وأبو داود (٢٩٢٨)، والتّرمذي (١٧٠٥) وأحمد (٤٤٩٥) من حديث عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما-.

حتّى الخادم راعٍ وسَيُسأل يوم القيامة عن مال سيده، فما بالك بولدك الّذي هو فِلذّةُ كبدك، والّذي هو قِطعةٌ منك، والِذي هو الشّهوةُ المُتجسّدةُ أمامك.
منِ ابنُكَ؟ شَهوَتُكَ.
ما أتى الولدُ إلّا بعدما جامعتَ أُمّه، فالولدُ شهوةٌ لك، شهوتكَ المُتجسّدة أمامك، ولدك شهوتك، فِلذَةُ كبدك. فالواجبُ عليك أن تعمل وأن تمتثلَ قوله -تعالى-:
{…قُووا أنفُسكُم وأهليكُم نارًا…}.

فالولدُ يحتاجُ إلى توفيقٍ في التّربية، ويحتاجُ إلى أبٍ نبيه وأبٍ حريص، وأدُلُّكم على مفتاح التّربية، يقول بعضُ السّلف كما أسندَ ابن قتيبة في “عيون الأخبار”، قال: (الولدُ في السّبع الأُوَل ريحانةٌ تُشم، الولد من السّنة الأولى إلى السّنة السّابعة ريحانةٌ تَشمُّها، وفي السّبع الّتي بعدها(من ثمانٍ إلى أربعَةَ عشَر) خادمٌ مُطيع، تعال يا ولد، أحضِر يا ولد، ويبدأُ الأبُ يفرح لمّا يصِير خادمًا -يعني: ولده-، ولذا ابتلى الله إبراهيم -عليه السّلام- بذبح ابنهِ إسماعيل في المرحلة الثانية، لمّا صار الولد يخدم ويذهب ويجيء؛ ابتلاه، فكان البلاءُ شديدًا على إبراهيم -عليه السّلام-.
الشّاهد: في تربية الولد لجواب السؤال تتمة الكلام لبعض السّلف فيما أسند ابن قتيبة قال: وفي السبع الّتي بعدها (من خمسة عشر فما بعد)، إمّا صديقٌ وإمّا عدوّ، إذا وصل ابنك خمس عشر سنة الآن أنت صاحبه، عاملهُ معاملة الصّاحب، لا تُعامله معاملة الأب، لاتعامله معاملة القسوة، معاملة الأمر، وتصير تأمر وتنهى، وأنا أعرف بعض النّاس يأتي للمسجد، والله كان معنا و لا أُريد أن أسمّي أحدًا، يقول: والله أنا أُصلي جنبًا؛ لأنّ والدي يريد ذلك، فابنك بعد أربعة عشر صاحبه، وإذا عنده خطأ دعه يخطئ، لا تقسو عليه، حذّره من الخطأ، برّئ ذمّتك عند الله من الخطأ، أخطأَ تدارك الخطأ، لا تجعلهُ يسترسل، لكن لا تشعره أن لك سطوةً على وجهٍ فيه قَسوة، بل سطوة على وجهٍ فيه رحمة، وليست سطوة على وجهٍ فيه قسوة، كُن رحيمًا به، وتعامل معه على أنّه صديق وعلى أنّه صاحب، وعجّل في رُجولته.

عندك ابن عمره أربع عشر سنة، خمس عشر سنة، وعندك بناتٌ كبيرات، وجاء عريسٌ لبنت -منهنّ-، قل له: تعال يا ولد، ما رأيك نزوّج أم لا؟ أنفذ الّذي تُريده، لكن أشعره أنّه رجل، دعه يأخذ باله من أخواته بعد ما تموت، قل له: يا ولدي، نزوّج فلان أم لا نزوّج، القرارُ بيدك، افعل الّذي تراه، القرار الخطير في الأسرة أشعره به.
لذا إخواني نحن -الآن- نقول: هو صغير، إذًا زوّج ابنك وهو صغير؛ يصبحُ كبيرًا، لمّا فقدنا الزواج المبكّر صار عندنا آفات، صار عندنا طامّات، وصار عندنا عُقد في الحياة، وعُقد في الممارسات، وعُقد في النّفس.
رجل مُرتاح، مالذي يمنعه أن يُزوّج ابنه؟
قال: صغير!
لماذا صغير؟
زوجوه وكبّروه.
إذا زوجته كبُر.
فصارت حياتنا وتفكيرنا غربي، لا شرعي.
فالآن ليس لنا سبيلٌ لتربية أبنائنا إلّا أن تُصاحبَ ولدك، وإلّا أن تتحبّب إليه، وإلّا أن ترعاه، وأن لّا تغفل عن رعايته، لا تغفل عنه، إذا غفلت عن ابنك تكون هنالك طامّات.
كُنتُ في مجلس شيخنا الألباني -رحمه الله-، وكان هنالك رجلٌ صالحٌ تُوفي -رحمه الله-، فَشكى لَهٌ ولَدَه، ثمّ قال طردته من البيت؛ مرّة يصلي ومرّة لا يصلي، فقسا عليه الشيخ -رحمه الله- على الأب، قسا عليه قسوةً شديدة، قال: لِمن تركته؟ طردته، من الّذي سيربيه؟ لعلّه يرجع لك وهو مُدخّن، لعلّه يرجع لك وهو مُتعاطٍ للمخدرات، ولعلّ ولعلّ…فإذا أخطأ ولدك؛ فلا تريه القسوة التي فيها سطوة بقسوة، يعني: تَبقى مُهاب الجانب، وأن تُخوّفَ زوجتُك أولادَهَا بِك (مَقصَد).
الزّوجة الموفّقة تخوف بالأب، والأب يستخدم الرحمة مع وجود المَهابة المزروعة في نفس الولد من الأم، الأم تزرع المهابة، والأب يرحم، فإذا أنت -الآن- ما رحمت أولادك ومارَعيتهم ودقّقت في توجهاتهم وعرفت أصحابهم، اصنع صاحبًا لابنك، واحمدوا الله -عزّ وجل- ..
والله اتصل بي أخٌ من لبنان، يقول: أنا إيطالي أسلمت، وكانت لي زوجة كافرة، كُنت كافرًا ولي زوجة كافرة، وليَ بنتٌ جميلة، والبنت بدأت تعرف الشهوة، فسأل سؤالًا من أعجب الأسئلة الّتي مرت علي، يقول: سائق الباص الذي يُوصلها للمدرسة صالح، يَدرسون في مدرسة شرعية، قال: أُريدُ أن أهمِس في أذن السائق: صاحب ابنتي؛ وأنتَ زوجٌ لها دونَ أن تعلم، قال: أشعر أنّها تذكره، فأقول له: صاحبها وأصبح عشيقًا لها؛ وتزوجها، اطلبها منّي للزّواج، هكذا يفكّر حتّى يحفظ ابنته.
فالأب ينبغي أن يدرك وأن يفهم وأن لا يكون مُتعنّتًا.
أخت تتصل بي، تقول لي: أنا كنت أشتغل سكرتيرة عند رجل، أُشهد الله أن الرجل صاحب ديانة وصاحب خُلق، ومع وجوده عندي مِلتُ إليه ومال إلي، فجاء يطلبني فرفض والدي، وبعد فترة رفض والدي.
يا أيّها الوالد، رفضته زوجًا؛ فلا تبقيها سكرتيرة عنده، خذها من عنده على الأقل، ثمّ تقول -يعني: البنت-: عَقَد عليّ دون إذن والدي، وأنا حاملٌ منه دون أن يعلم الوالد، يظنّون أنّي أذهب للعمل وأنا في بيته، وأبي يريد أن يزوجني لقريب لي؛ لأن عنده مال، وجاء هذا القريب، تسأل هذه الأخت تقول: ماذا أفعل، وأنا زوجة وحامل؟
يوجد مصائب في المجتمع…
دكتور اسمه: الدكتور عدنان -ذكره الله بخير-، له مختبر في الوحدات، يقول لي: ياشيخ، أدركوا النّاس، أدّوا حق الله -عزّ وجل-، فيما أمركم به، يقول: الطّلاب في آخر النّهار يأتون يعملون فحوصات، هل يوجد حمل أم لا يوجد حمل، طلاب المعاهد والجامعات، آخر النّهار يأتون للعيادة، يعملون اختبار حمل، والأب غائب والأم غائبة، الأولاد في باب والآباء في باب.
وبالتّالي إخواني، الأولاد كما قال الشّاعر:
_ وينشأُ ناشئُ الفتيان فنّا…على ما كان عوّده أبوه.
– وما دان الفتى بحجًى…ولكن يعلّمه التّدينَ أقربوه
الإنسان ينشأ على ما تعوّد عليه في الشّباب، عوّد ابنك وراقب ولدك، ولتكن بينك وبينه الرّحمة، وأشعره أنّك لا ترغب منه إلّا أن يكون على استقامة، هذا توفيق من الله -سبحانه وتعالى-، وتضرّع إلى الله في أوقات الاستجابة أن يرزقك الله ذريةً صالحة، فأحسن ما يُرزق العبد في هذه الحياة ولدٌ صالح يدعو له، وأن يُكثر من العمل الصّالح حتى يُكتب في صحيفة أبيه.
هذا والله أعلم..✍️✍️

↩️ الرابط:

السّؤال: مَا هُو واجبُ الآباء نَحوَ أبنائِهم فِي هَذا الوَقت؟

⬅ خدمة الدرر الحسان من مجالس الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان.

📥 للاشتراك:
• واتس آب: ‎+962-77-675-7052
• تلغرام: t.me/meshhoor