السؤال: أبي وعمي -رحمهم الله- عليهم دَيْن من خمسة وثلاثين عام، استدانوا من أقاربهم، والآن أنا أريد أن أسُدّ. ماذا أسُدّ هل بقيمة الذهب الآن أم عند الدَّين في ذلك الوقت؟

السؤال:
أبي وعمي -رحمهم الله- عليهم دَيْن من خمسة وثلاثين عام، استدانوا من أقاربهم، والآن أنا أريد أن أسُدّ.
ماذا أسُدّ هل بقيمة الذهب الآن أم عند الدَّين في ذلك الوقت؟

الجواب:
مُشكلة، هذا الذي يُسمّيه علماء الاقتصاد التضخُم.
التضخُم أن تنقُص القوّة الشرائية، وشاهدنا هذا، وأكثر من شاهدهُ من تقدّمَّ به السن.
إخواننا الكبار يذكرون أشياء نحن الآن نستغرب منها، ونحن نذكُر أشياء من هم أصغر منّا يستغربون منها، وسيبقى الأمر هكذا إلى ما شاء الله.
البشرية دمارها في الرِّبا.
الرِّبا جريمة ليست خاصة بصاحبها، جريمة الرِّبا جريمة عامة، -آفة عامة-، رأينا بعض آثارها في العراق، وكان في العراق أثرٌ على وجه ظاهر.
جاءني أخوان اشترى واحد من الآخر سيارة، وكان الدينار العراقي فيه شيء من العافية، أنا ممن أدركتُ في أوائل حياتي كنت أُدرك أنَّ الدينار العراقي بثلاثة دولارات، الدينار العراقي يساوي ثلاثة دولارات
الآن الدولار بكم دينار عراقي؟
مليون.
الدولار الواحد يساوي مليون دينار عراقي.
كم الفرق صار؟
انخفاض ثلاثة ملايين.
يعني الدينار ثلاثة دولار سابقًا، والدولار يساوي مليون الآن.
النتيجة ماذا ؟
دمار.
هذه آفة عامة ستعمُّ الدنيا كلها.
تعرفون متى تظهر هذه الآفة؟
في الحرب العالمية الثانية.
بِرْكَة مليئة ماء، وبِرْكَة مليئة دولارات، البِركة المليئة ماء أثمن وأغلى من المليئة دولارات.
في الحرب العالمية الثانية تضاعفت أسعار الأشياء مئات المرات ومات بعض الناس جوعًا، كان اللِّص يأخذ الخزنة يرمي الدولارات منها ويبيعها حديد، الدولار لم يبق له قيمة، لا قيمة له، لذا يبيعها حديدًا.
فهذا دمار كبير تفقِد الأموال قيمتها، هذا يسموه التضخم.
فواحد قبل خمس وعشرين سنة استدان مبلغ، والآن أنا بدأت أُسدِّد بالمبلغ، مات أبي ومات عمي وأريد أن أسُدّ عنهم، العبرة بماذا؟
العبرة بقيمة القوة الشرائية أم العبرة بالعدد؟
أضرب لكم مثلاً، نأخذ منه مفتاح الحل، أنا استدنت من أخينا أبا راشد مئة دينار، فأعطاني ورقتين من فئة الخمسين، أريد أن أشتري غرضا، ثم خطر في بالي أن أؤجل الشراء، الورقتين الخمسين وضعتهم في الخزانة وبعد فترة ظهرت عملة جديدة، فأُلغِيَت الورقتين، فأنا أخذت الورقتين عين الورقتين التي اخذتها من أبو راشد، ورحت لأبي راشد، أخي الفاضل استدنت منك مئة دينار وهذه المئة دينار.
هل أنا سدّيت ديّنّي؟
لا.
أبو راشد قال لي ماذا تُعطيني؟!
أنا أعطيتك إياهم صالحات، ورجعتهم غير صالحات، فما سدّيت دَينك.
كلامه صحيح أم خطأ؟
كلامه صحيح.
إذاً العبرة بماذا؟
العبرة بالقيمة.
أخذت منك مئة دينار وأرجع لك ورقتين لا قيمة لهم، فالعبرة بالقوة الشرائية.
لكن تقدير هذا الديّن عَسِر وتلعب فيه ظروف كثيرة، وأساس هذه الظروف ليس الإسلام، لو بقي الإسلام حاكمًا فالإسلام يقضي على نظام الإشتراكية ويقضي على نظام الرأس مالية ونظام الربا.
النظام الإسلامي نظام يُحافظ على قيمة الأشياء، فسبب الخراب ونزول قيمة العملة والتضخم عدم الحُكُم بالشرع.
إذاً ما هو الحل؟
هذا موضوع بُحِثَ في المجامع الفقهية، ففي المجامع الفقهية فقهاء
كل بلد يجتمعون في بعض المجامع ويبحثون مسائل نوازل، مسائل نوازل ما بُحِثت سابقًا، في الاقتصاد وفي الطب وفي أشياء كثيرة، فالمجامع الفقهية الإسلامية قالت يُحكَمّ بالقيمة وليس بالعدد، والذي يُقدِّر القيمة بناءً على الاختلاف في مقدار التضخم وفي الأسباب وتداخل الأسباب والذي يُقدِّرُ هذا المُحَكِمّون من أهل الخبرة والديانة، يعني أنا بروح على الذي استدان منه أبي قبل خمسين سنة، استدان منه مئة دينار، وأنا بدي ابرئ ذمّة أبي، ومن حق والدي عليّ أن أُبرئ ذمته.
متى تبرأ ذمة صاحب الدَّين؟
بالسداد لا بالتحمُّل.

أبو قتادة الأنصاري رضي الله تعالى عنه لمّا رأى النبي صلى الله عليه وسلم وجيء بعمٍّ له ليصلي عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم هل عليه دَين؟ قالوا نعم. فالنبي صلى الله عليه وسلم أبى الصلاة عليه، وقال صلوا على ميتكم.
فقام أبو قتاد الأنصاري وقال: يا رسول الله أنا أسُدُّ عنه.
فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فأصبح النبي صلى الله عليه وسلم كلما رأى أبا قتادة سأله، هل سددت دَين عمك؟ قال: لا. ثم مرة قال أبو قتادة: نعم يا رسول الله.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم له: الآن بردت جلدته.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: تُوُفِّيَ رجلٌ فغَسَّلْنَاهُ وكَفَّنَّاهُ وحنَّطْنَاهُ ثم أَتَيْنَا بِهِ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصَلِّي عليه فقلْنا تصلِّي عليه فخَطَا خُطْوَةً ثم قال أعلَيْهِ دَيْنٌ قلتُ دِينارانِ فانصرَفَ فتَحَمَّلَهُمَا أبو قتادةَ فأتَيْنَاهُ فقال أبو قتادةَ الدينارانِ علَيَّ فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قدْ أَوْفَى اللهُ حَقَّ الغريمِ وَبَرِئَ مِنْهُا الميتُ قال نعم فصلَّى عليه ثم قال بعدَ ذَلِكَ بيومٍ ما فعل الدينارانِ قُلْتُ إِنَّما مات أمْسِ قال فعادَ إليه من الغدِ فقال قدْ قضيتُهما فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الآن بردَتْ عليه جلدَتُهُ.
الألباني ” صحيح الترغيب” ١٨١٢. حسن. أخرجه أحمد (١٤٥٧٦)، والطيالسي في «مسنده» (١٧٧٨)، والبزار كما في «مجمع الزوائد» للهيثمي (٣/٤٢) ))

متى بردت الجلدة وزال العذاب؟
ليس لمّا قال أنا أتحمّل عنه، وإنما لمّا سدَّ الدين.
فالآن أبي مثلاً أخذ من واحد مئة دينار قبل خمسين سنة، ومن حق أبي عليَّ أن أسُدَّ دينه، ماذا أعمل؟
فهل أقول للدائن خذ المئة دينار، فيقول لي كيف تعطيني مئة دينار، مئة دينار قبل خمسين سنة غير الآن.
إذا قَبِلَ وقال سامحت أمر طيب،
رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إذا باعَ، وإذا اشْتَرَى، وإذا اقْتَضَى.البخاري (2076)
إذا سَمِح وقال الله يرحمه أنا مسامحه، لك ذلك ويكون هذا من باب المعاملة بالفضل لا بالعدل، لكن لو قال أنا ما أريد الفضل أنا أريد العدل وأريد حقي، فأذهب أنا وإيّاه إلى أُناس عارفين من أهل الخبرة، وهؤلاء حَكَمٌ بيني وبينه، والذي يقضون به مُلزمٌ لي وله.
القاضي من المُحَكِمّين، مُحكمّين وليسوا قضاة، مُحَكِمّين من أهل الخبرة، لو أنا الآن كنت مُحَكِم وجاءني اثنين ينبغي أن أراعي أمرين: ألّا أظلم صاحب الدين، وألّا أحكم بِحُكُم لا يقدر عليه المدين، ما أذكر له شيء لا يقدر عليه.
إخوانا العراقيين جاءوني مختلفين في سيارة، واحد اشترى من آخر سيارة وباعه بالدولار، وصار الدولار يتقلب، الأخ المُشتري يقول لي: والله يا أخي أنا اشتريت والدولار مقابل الدينار العراقي أستطيع أن أدفع، لكن لمّا نزل الدينار والمطلوب مني أدفع دولار، وأقول للبائع أنا سدّيتك الذي قدرت عليه، سامحني وخُذّ السيارة وفُكنّي من البيعة، لأنه ترتب على ذمتي مبالغ ما يُمكن أن أسُدّها.
فأنا الآن لمّا أريد أقضي بينهم، أنا الآن لست مفتي -ليس سؤال سائل- ما ينبغي أن أُراعي؟!
ينبغي أن أُراعي مصلحة هذا ومصلحة هذا، وينبغي أن أُراعي أنَّ هذا الشخص الذي يريد أن يَسُدّ أقضي بقضاء يُمكِنُّه أن يفعله، فلا أقضي بقضاء خيال، وأُرتِّب عليه مبالغ لا يحلم لا هو ولا من بعده من أولاده بها، مطلوب مني أن أسدد وأقارب، أميل على هذا قليل وعلى هذا قليل وأخرج بحكم عملي يمكن أن يُنَفَّذ. هذا هو الصواب.
الصواب في مثل هذه المسألة الذي هو مبني على التحكيم من أهل الخبرة ومن أهل الديانة.

والله تعالى أعلم

⬅ مجلس فتاوى الجمعة
٤ – ربيع الأول – ١٤٤٤هـ
٣٠ – ٩ – ٢٠٢٢م

↩ رابط الفتوى:

السؤال: أبي وعمي -رحمهم الله- عليهم دَيْن من خمسة وثلاثين عام، استدانوا من أقاربهم، والآن أنا أريد أن أسُدّ. ماذا أسُدّ هل بقيمة الذهب الآن أم عند الدَّين في ذلك الوقت؟

⬅ خدمة الدرر الحسان من مجالس الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان✍️✍️

📥 للاشتراك:
• واتس آب: ‎+962-77-675-7052
• تلغرام: t.me/meshhoor