السؤال:
سؤال من حبيبة لي وهي ابنتي الصغيرة ابتلاها الله تعالى بأن أسقطت مولودًا، و أنا خارج على الدرس تقول لي: يا أبتي أرجوك أن تجيب على هذه الأسئلة.
فقلت: حبًا و كرامة .
فتسأل: تقول كيف يعلم الإنسان أن ما يقع عليه ابتلاء أم عقوبة؟
الجواب: الحياة كلها ابتلاء.
من ظن أن هذه الحياة حياة سعادة و نعيم و رخاء فهو مُخطئ.
و أشد الناس ابتلاءً من؟
أحبُّ خلق الله.
أشد الناس ابتلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، كلما قَرُبْتَ من النبي ﷺ اشتد بلاؤك.
ولكن المُدَّخر للأنبياء عند الله كما قال الله عز وجل {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَىٰ (4)} الضحى.
الآخرة خير من الدنيا فالذي يحبه الله يبتليه.
فالبلاء علامة حب إن كان معه صبر و رضا على ما قدّره الله عز وجل.
فنحن مُلك له و الله يفعل بنا ما يشاء، وكذلك المرأة و جنينها مُلك لله و الله يفعل ما يشاء.
فإن ابتلاها بأن فقدت ولدها سواء تم أو أسقطت قبل أن يتم الحمل فإن صبرت و رضيت فهذا العمل يُحبُّه الله و يرضاه.
و النبي ﷺ قال لنا من رضي فله الرضا و من سخط فله السُّخْطُ.
الحديث: سنن إبن ماجة
الجزء رقم :5، الصفحة رقم:498
4031 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ ، قَالَ : أَنْبَأَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ : ” عِظَمُ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ “حديث حسن.
النتيجة الدنيوية واحدة، لكن فرق كبير بين الراضي و بين الساخط.
قيل للإمام الشافعي أيهما أحسن أن يُبتلى الرجل أم أن يُمَكَّن؟
فقال -رحمه الله-: سبحان الله و هل يُمَكَّن الرجل حتى يُبتلى.
الرجل لا يُمَكَّن حتى يصيبه البلاء.
فيا بُنيتي ما كتب الله لكِ إن صبرتِ فهو خير لكِ في دينكِ و دنياكِ.
فالرضا و الطاعة عبادة، و العبادة لا يترتب عليها إلا خير.
و إن ترتب على هذا و هذا أمر قلبي لا يعلم به أحد إلا الله فهو ينظر إلى قلبكِ، فإن وجد رضا عن الله عز وجل و احتساب و كلما جاءك شعور فيه ضعف، ضعف الأُم التي فقدت ولدها فلا بأس العين تدمع فلا حرج، لكن المهم القلب يكون راضيا عن الله عز وجل.
أما جواب السؤال تقول كيف يعلم الإنسان أن ما يقع عليه ابتلاء أم عقوبة؟
فهو في حديث ثبت عن رسول الله ﷺ في قصة طويلة أخرجها الإمام ابن حِبان في صحيحه بسنده إلى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: *”إنَّ نبيَّ اللهِ أيُّوبَ لبث به بلاؤُه ثمانيَ عشرةَ سنةً ، فرفضه القريبُ والبعيدُ”*.
ابتلي أيوب بالمرض.
*”فرفضه القريبُ والبعيدُ إلَّا رَجلَيْن من إخوانِه كانا يغدوان إليه ويروحان”*.
هجره الناس بسبب المرض بسبب ضعفه.
الإنسان لما يُبتلى يفحص إخوانه، هجره الناس إلا اثنان كانا من أخصِّ إخوانه واحد يأتيه في الصباح
و واحد يأتيه في المساء يُلبِّيان له حاجاته من الطعام و الشراب و الاستحمام و ما شابه و في يوم من الأيام التقيا.
*”فقال أحدُهما لصاحبِه ذاتَ يومٍ : تعلمُ واللهِ لقد أذنب أيُّوبُ ذنبًا ما أذنبه أحدٌ من العالمين”* .
هذا الابتلاء الذي في أيوب ما ابتلي به أحد من العالمين.
*”فقال له صاحبُه : وما ذاك ؟ قال : منذ ثمانيَ عشرةَ سنةً لم يرحَمْه اللهُ فيكشِفَ ما به ، فلمَّا راحا إلى أيُّوبَ لم يصبِرِ الرَّجلُ حتَّى ذكر ذلك له”* ذكر ذلك لأيوب عليه السلام، فقام أيوب عليه السلام يتفقد حاله.
دائما الإنسان إذا أُصيب بمصيبة و إذا وقعت في الأمة مشكلة العبد المؤمن ماذا يفعل؟
يتفقد حاله.
هذا منهج الأنبياء.
منهج الآخرين يبحث عن أخطاء غيره، و الناس اليوم لمَّا تقع المصيبة تبدأ تشتم الملوك، تسب الحُكَّام و هذا ليس منهج الأنبياء أبدًا.
يونس عليه السلام لما وقع في المعصية علمنا ربنا ماذا قال {لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} الآية.
لما تقع مشكلة تفقد حالك تفقد أحوالك، المشلكة منك وليست من غيرك وهل يوجد شرطي يمسك بك و يقف على باب بيتك ويترك ابنتك تخرج متبرجة.
الخلل منا و الخلل فينا قال أيوب لما قالوا له أذنبت ذنبًا ما أذنبه أحدًا من العالمين تفقّد حاله.
*”فقال أيُّوبُ : لا أدري ما تقولان غير أنَّ اللهَ تعالَى يعلمُ أنِّي كنتُ أمرُّ بالرَّجلَيْن يتنازعان ، فيذكران اللهَ فأرجِعُ إلى بيتي فأُكفِّرُ عنهما كراهيةَ أن يُذكَرَ اللهُ إلَّا في حقٍّ”*.
هذا لو حلف واحد يمين أنا أُكَفِر عن يمينه مخافة أن يُذْكر الله إلا في حق.
*”قال : وكان يخرُجُ إلى حاجتِه فإذا قضَى حاجتَه أمسكته امرأتُه بيدِه حتَّى يبلُغَ ، فلمَّا كان ذاتَ يومٍ أبطأ عليها وأُوحي إلى أيُّوبَ أن ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ”*
اضربْ برجلك (أيوب) رجل ضعيف مُبتلى بمرض، الله قال له اركضْ برجلك اضربْ برجلك الأرض كيف يعني الضربة ستكون من الرجل الضعيف المريض اركضْ برجلك سينبع منها ماء و اغتسل منه.
*هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ*.
و اشرب منه.
*وَشَرَاب*
فاستبطأته زوجته وهي تركته ليقضي حاجته.
*”فاستبطأته ، فتلقَّته تنظُرُ وقد أقبل عليها قد أذهبَ اللهُ ما به من البلاءِ وهو أحسنُ ما كان”*.
رجع إلى شبابه بجماله.
*”فلمَّا رأته قالت : أيْ بارك اللهُ فيك ، هل رأيتَ نبيَّ اللهِ هذا المُبتلَى ، واللهِ على ذلك ما رأيتُ أشبهَ منك إذ كان صحيحًا ، فقال : فإنِّي أنا هو”*.
تغيرت الحال بلحظة، لذلك قال الله جلَّ في علاه ابتلاه بذنب و أذنب ذنبًا ،فنهاية العقوبة ضعف و خور، تشرذم، خلاف، لعن، شتم، مثل قادة المجاهدين و ظهر هذا في أفغانستان و قادة المجاهدين في سوريا فتجدهم صاروا عشرين فرقة و كل فرقة تُكَفر الأخرى و بينهم تشرذم و بينهم ضعف ذهبت عنهم الدنيا ذهب عنهم الدين و ضاع المسلمون.
العقوبة نهايتها شرذمة و ضعف، و البلاء نهايته ما حصل مع الانبياء ما حصل مع أيوب ما حصل مع النبي ﷺ ابتلي بلاء نهاية البلاء ما هو؟
نهاية البلاء قوة و تماسك و دعوة للتوحيد و دعوة للخُلُق و دعوة للخير.
فرق كبير بين العقوبة و الابتلاء و أنت في المعركة لا تعرف إذا كنت صادقًا تخاف أن تكون قد عُوقبت، متى تعرف أنك في عقوبة أو في بلاء؟
اصبرْ على ما كتب الله لك و لا تخالف و تضرع إلى الله و اسأل الله عز وجل.
مُنِعتُ من الدرس لمدة ثلاثة سنوات و الله ما من فريضة كنت أسجد فأغلب فرائضي وأنا أسجد أقول يارب لا تحرمني من أن أُعلِمَ الناس، يا ربِّ لا تُعَاقبني بذنبي لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، و يَسَّر الله عز وجل و عاد الدرس، و الأمر يسير هذا أمر يسير.
ففرق بين من عوقب و بين من ابتلي و المَآل هو الذي يُظْهِر هل أنت في عقوبة أو في بلاء.
*”وكان له أندَران أي ( بيدران ) : أندَرُ للقمحِ وأندَرُ للشَّعيرِ”* لأيوب تتمت الحديث عند ابن حِبان *”فبعث اللهُ سحابتَيْن ، فلمَّا كانت إحداهما على أندرِ القمح”* أندر القمح يعني مَجْمَع بعد حصاد القمح يوضع فيه القمح يقول *”فبعث اللهُ سحابتَيْن ، فلمَّا كانت إحداهما على أندرِ القمحِ أفرغت فيه الذَّهبَ حتَّى فاض ، وأفرغت الأخرَى في أندرِ الشَّعيرِ الورِقَ (الفضة) حتَّى فاض”* .
العطاء من عند الله عز وجل في صحيح البخاري كان أيوب يغتسل عُريان البخاري بَوَّب عليه (باب جواز الاغتسال عُريان) لا حرج أن الإنسان يتعرى و يغتسل لا حرج في هذا.
كان أيوب عليه السلام يغتسل عريان فذات يوم وهو يغتسل أنزل الله عليه جراد من الذهب (قطع من الذهب )وهو يغتسل فكان يجمعه و يضمه و يقول لا غنى لي ياربى عن عطائك و فضلك مالى غنى عن عطائك و فضلك.
الحديث:رقم 7493
*”بيْنَما أيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيانًا خَرَّ عليه رِجْلُ جَرادٍ مِن ذَهَبٍ، فَجَعَلَ يَحْثِي في ثَوْبِهِ، فَنادَى رَبُّهُ: يا أيُّوبُ ألَمْ أكُنْ أغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى؟ قالَ: بَلَى، يا رَبِّ، ولَكِنْ لا غِنَى بي عن بَرَكَتِكَ”* صحيح البخاري.
فالابتلاء يعقبه خير، و أما الشر ّفلا يعقبه إلا شرّ، فالشرّ لا يأتي إلا بِشرّ.✍️✍️
⬅ مجلس فتاوى الجمعة
١٨ – ربيع الأول – ١٤٤٤هـ
١٤ – ٩ – ٢٠٢٢م
↩ رابط الفتوى:
⬅ خدمة الدرر الحسان من مجالس الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان✍️✍️
📥 للاشتراك:
• واتس آب: +962-77-675-7052
• تلغرام: t.me/meshhoor