حكم تهنئة النصارى بأعيادهم
الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان –حفظه الله-
نتحدث عن حكم تهنئة النصارى في أعيادهم ربطاً بهذا الحكم بالوقت الذي يَلزم وهذا جزء من فقه الواقع المحمود ، أن نفهم ما يلزمنا من أحكام واقعنا وما يلزمنا وفي أوقاتنا التي نعيش.
فأقول وبه سبحانه وتعالى أصول وأجول :
دلّ الكتاب والسنه وآثار السلف وأقوال الأئمة المحرِرين المحققين من أئمه الهدى والمعقول والنظر الصحيح على حُرمة تهنئه المسلمين النصارى بأعيادهم ، ذلك أن من مقاصد الشريعة الأصلية ألّا يتشبه المسلم بالكافر ، و ألّا يتشبه المسلم بأهل الكتاب، و ألّا يتشبه المتقي بالفاجر ، و ألّا يتشبه الإنسان بالدواب أجلكم الله ، و ألّا يتشبه الذكر بالأنثى، وألّا تتشبه الانثى بالذكر.
جاءت الشريعة في كثير من أحكامها لتحقيق هذه المقاصد الكلية ، والعيد له صلة بالعقيدة ، والعيد سمي عيدًا لعوده، يعود دومًا.
ولذا قال غيرُ واحدٍ من التابعين في تفسير قول الله جل وعلا ((وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ)) سورة الفرقان: (72) أي أعياد المشركين.
صح ذلك فيما أسنده الخَلال في جامعه وأبو الشيخ في شروط أهل الذمة عن مجاهد والضحّاك والربيع ابن أنس ، كلهم قالوا في تفسير ((وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ)): أعياد المشركين.
أخرج الخَلّال في جامعه عن محمد ابن سيرين -رحمه الله- أنه قال عن الزور هو الشعانين؛ والشعانين كما هو معلوم عيد من أعياد النصارى.
وثبت في سنن أبي داوود وغيره بسنده إلى ثابت ابن ضحّاك قال: أنه نذرَ رجلٌ على عهدِ النبيِّ ﷺ أن يَنْحَرَ بِبُوانَةَ فأَتى رسولَ اللهِ ﷺ فقال إني نذرتُ أن أَنْحَرَ بِبُوانَةَ فقال لهُ رسولُ اللهِ ﷺ هل كان فيها وَثَنٌ من أوثانِ الجاهليةِ يُعبدُ قال لا قال فهل كان فيها عيدٌ من أعيادِهم قال لا فقال رسولُ اللهِ ﷺ أَوْفِ لِنَذْرِكَ فإنهُ لا وفاءَ بنذْرٍ في معصيةِ اللهِ ولا في قطيعةِ رَحِمٍ ولا فيما لا يَملكُ ابنُ آدمَ.
الألباني (١٤٢٠ هـ)، السلسلة الصحيحة ٦/٨٧٤ ، إسناده صحيح رجاله رجال الشيخين، أخرجه أبو داود (٣٣١٣)، والطبراني (٢/٧٦) (١٣٤١)، والبيهقي (٢٠٦٣٤) باختلاف يسير.
فبمجرد أن يقع نذر في مكان كان المشركون في جاهليتهم يجتمعون فيه للعيد جعله النبي صلى الله عليه وسلم معصيه وقرَنه بالمكان الذي فيه الصنم الذي يُعبد من دون الله سبحانه وتعالى.
ولذا لما صالح عمر أهل الكتاب اشترط عليهم ألا يُظهروا أعيادهم بين المسلمين وأن يجعلوا ذلك في دورهم ولا يبرزون بها .
وقد صَحَ عنه فيما أخرجه البيهقي بسننه الكبرى أنه كان يقول : لا تعلَّموا رطانةَ الأعاجِمِ ، ولا تدخلوا على المشركينَ في كنائِسِهم يومَ عيدِهم ، فإنَّ السُّخطةَ تنزِلُ عليهِم.
الراوي : عطاء بن دينار | المحدث : ابن تيمية | المصدر : اقتضاء الصراط المستقيم، الصفحة أو الرقم : 1/511 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح.
فسخط الله ينزل عليهم في حق من ذهب للفرجة، فما بالكم فيمن ذهب ليحتفل أو ليهنئ أو ليسهر في كنيسة من الكنائس ، فلا يصنع ذلك إلا من كان في قلبه مرض شديد ويُخشى على مآله، بل يُخشى على دينه في حاله .
وثبت عن عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو قال : من بنَى ببلادِ الأعاجمِ ، فصنع نَيروزَهم ومهرجانَهم ، وتشبَّهَ بهم حتَّى يموتَ وهو كذلك ، حُشِرَ معهم يومَ القيامةِ.
الراوي : أبو المغيرة | المحدث : ابن تيمية | المصدر : اقتضاء الصراط المستقيم
الصفحة أو الرقم : 1/513 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح. والنيروز والمهرجان عيدان من أعياد الفرس.
كيف لا وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلـم قال: ((يُحشر المرء مع من أحب)).
بل ثبت عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنـه قال : لو ان أحدكم عبد الله أربعين سنه بين الركن والمقام – بين الركن اليماني ومقام إبراهيم ولا يكون بينهم إلا الحجر الأسود – ما حُشر إلا مع من احب .
وقد ثبت عند أحمد بالمسند وعند أبي داوود في السنن من حديت عبد الله ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول صلى الله عليه وسلم : من تَشبه بقوم فهو منهم.
الألباني (١٤٢٠ هـ)، إرواء الغليل ١٢٦٩.صحيح. أخرجه أبو داود (٤٠٣١) .
وفي بعض روايات الحديث ليس منا من تشبه بغيرنا؛ ليس على سَنَنا ولا على منهجنا ولا على طريقتنا من تشبه بغيرنا .
وقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن نُخالف المشركين فقال: خالفوا المشركين. عن عبدالله بن خالِفُوا المشْركينَ وفِّرُوا اللِّحى وأحْفُوا الشوارِبَ. الألباني (١٤٢٠ هـ)، غاية المرام ١٠٨ .صحيح . أخرجه البخاري (٥٨٩٢) واللفظ له، ومسلم (٢٥٩).
فمن مقاصد الشريعة أن يُخالف المسلمين المشركين ، وأن يُخالف المسلمين أهل الكتاب بل من مقاصد الشريعة أنها لا تُسوي بين المؤمن والفاجر وبين المصلح والمفسد.
ولذا علمائنا -رحمهم الله تعالى- يقررون بناء على هذه النصوص من كلام ربهم وحديث نبينا صلى الله عليه وسلم وأقوال التابعيين أن الاحتفال بأعياد المشركين عامة وبأعياد أهل الكتاب خاصة، بأعياد اليهود والنصارى خاصة حرام بل هو كبيرةٌ من الكبائر .
النصارى يعتقدون أن عيسى ابن الله، وأن هذا ميلاد عيسى- بزعمهم- وأن الله قد وَلد الرب وهذا يستلزم أن يلحقوا النقص بربهم، فإن لربهم شهوة وهو عاجز ويحتاج إلى ولد ؛؛ فالولد إنما يحبه الإنسان ليحفظ اسمه ورسمه ويبقى من بعده.
فلما تهنئوا النصارى بعيد ميلاد ربهم فكأنك تقرِّهم بمعتقدهم الفاسد والنجس الذي في قلوبهم، ومن صنع ذلك فقد ارتكب اكبر الكبائر .
ورحم الله ابن القيم فإنه قال في الجزء الأول من كتابه أحكام أهل الذمة وهو يتكلم عن حكم تهنئه الكفار وأهل الكتاب بأعيادهم:
((وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرامٌ بالاتفاق، مثل أن يهنِّئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيدٌ مباركٌ عليك، أو تَهنأ بهذا العيد، ونحوه، فهذا إن سَلِم قائلُه من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يُهنِّئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثمًا عند الله وأشدُّ مقتًا من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه. وكثيرٌ ممن لا قدْرَ للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قُبحَ ما فعل.
فمن هنَّأ عبدًا بمعصيةٍ أو بدعةٍ أو كفرٍ فقد تعرَّض لمقتِ الله وسخطه، وقد كان أهل الورع من أهل العلم يتجنَّبون تهنئةَ الظَّلمَة بالولايات، وتهنئةَ الجهَّال بمنصب القضاء والتدريس والإفتاء، تجنبًا لمقت الله وسقوطهم من عينه.
حرام باتفاق أهل العلم : أي أهل العلم المعتبرين، وأما من شذّ فناكد ، فدجّل و مارى و ميّع فهذا ليس له لا في العير ولا في النفير ، ليس له ذكر ، وسنجد بين من هو محسوب لا أقول على المسلمين إنما أقول من هو محسوب على المفكرين -زعموا- أو على أصحاب الفكر المستنير أو من هو محسوب على العلم والعلماء سنجد منهم من يقول بالجواز، و ما هذا والعياذ بالله إلا مظهر من مظاهر الانهزام النفسي الموجود عند بعض الناس ، همهم أن يسوّغوا الحرام ليماروا غيرهم.
إذا لا يجوز أن نهنئ النصارى بعيدهم ، ولا يفعل ذلك إلا من لا قدر للدين عنده ، إلا جريء على باطل ، إلا من لا يعظم أوامر الله عز وجل .
هنالك مظاهر للاحتفال بمشابهة النصارى في احتفالاتهم من هذه المظاهر ما يوجد عند فقراء المسلمين، فضلا عن أغنيائهم فيما يســــــــــــــــمى بخميس البيض -صَبغ البيض- هذا للأسف يُفعل الآن من قبل المسلمين .
يقول شيخ الإسلام في مختصر الفتاوى المصرية:
((وليس لأهلِ الذمةِ إظهارُ شيءٍ من شعائرِ دينِهم في ديارِ المسلمِينَ، لا في أوقاتِ الاستسقاءِ، ولا في وقتِ مجيءِ النوائبِ، وإظهارِ التوراةِ، ولا يرفعونَ أصواتَهم بالقراءةِ، وعلى وليِّ الأمرِ منعُهم من ذلك.
وليس الخميسُ من أعيادِ المسلمِينَ؛ بل من أعيادِ النصارى، كعيدِ الميلادِ، وعيدِ الغِطاسِ؛ لكلِّ أُمَّةٍ عيد كما لكل أُمَّةٍ قِبْلةٌ.
وليس لأهلِ الذمةِ أن يُظهروا أعيادَهم في بلادِ المسلمِينَ، وليس للمسلمِينَ أن يُعينوهم على أعيادِهم، لا ببيعِ ما يستعينونَ به على عيدِهم، ولا بإجارةِ دوابِّهم ليركبوها في عيدِهم؛ لأن أعيادَهم مما حرَّمَه اللهُ ورسولُه؛ لما فيها من الكفرِ والفسوقِ والعصيانِ.
وأما إذا فعَل المسلمونَ معهم أعيادَهم؛ مثلُ: صنعِ بيضٍ، وتحميرِ دوابِّهم بِمَغَرةٍ وبخورٍ، وإنفاقٍ وعملِ طعامٍ؛ فهذا أظهرُ من أن يحتاجَ إلى سؤالٍ؛ بل قد نصَّ طائفةٌ من العُلَماءِ من أصحابِ أبي حنيفةَ ومالكٍ على كفرِ مَن يفعلُ ذلك، وقال بعضُهم: من ذبَح بطيخةً في عيدِهم؛ كأنما ذبَح خنزيرًا.
ولو تشَبَّه الرجلُ منهم في العادات المختصةِ بهم لنُهِي عن ذلك باتِّفاقِ العلماءِ، وإن كان ذلك جائزًا إذا لم يكُنْ من شعائرِهم؛ مثلُ: لباسِ الأصفرِ ونحوِه، فإن هذا جائزٌ في الأصلِ؛ لكن لما صار مِن شعائرِ الكفرِ؛ لم يجُزْ لأحدٍ أن يلبَسَ عمامةً صفراءَ أو زرقاءَ؛ مع كونِ ذلك من لباسِهم الذي يمتازونَ به، فكيفَ بمَن يشارِكُهم في عاداتِهم وشعائرِ دينِهم؟!بل ليس لأحدٍ من المسلمِينَ أن يخُصَّ مواسِمَهم بشيءٍ مما يخُصُّونَها به، فليس للمسلمِ أن يخصَّ خميسَهم الحقيرَ لا بتجديدِ طعامٍ؛ كالرزِّ، والعَدَسِ، والبيضِ المصبوغِ، وغيرِ ذلك، ولا بتجمُّلٍ بالثيابِ، ولا بصبغِ دوابَّ، ولا بنشرِ ثيابٍ، ولا غيرِ ذلك، ومن فعل ذلك على وجهِ التبركِ به واعتقادِ التبررِ به؛ فإنه يُعرَّفُ دينَ الإسلامِ، وأن هذا ليس منه؛ ويُسْتتابُ منه، فإن تابَ وإلا قُتِل.
وليس لأحدٍ أن يجيبَ دعوةَ مسلمٍ يحدِّد في أعيادِهم مثلَ هذه الأطعمةِ، ولا يأكلَ من ذلك؛ بل لو ذبحوا هم في أعيادِهم شيئًا لأنفُسِهم؛ ففي جوازِ أكلِ المسلمِ لذلك نزاعٌ بينَ العلماءِ؛ لكونِهم على وجهِ القربات، فصار من جنسِ ما ذُبِح على النُّصُبِ وما أُهِلَّ به لغيرِ اللهِ.
وأما ذبحُ المسلمِ لنفْسِه في أعيادِهم على وجهِ)).
إذا لا يجوز مشاركة النصارى بأعيادهم باي طريقة من الطرق .
↩ رابط الفتوى:
⬅ خدمة الدرر الحسان من مجالس الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان.✍️✍️
📥 للاشتراك:
• واتس آب: +962-77-675-7052
• تلغرام: t.me/meshhoor