السؤال:
أنا شاب ملتزم وطالب علم أحسب نفسي هكذا ولا أزكيها.
الشيخ: أسأل الله أن يجعلنا جميعا طلبة علم، وأسأل الله أن يحيينا طلبة علم وأن يميتنا طلبة علم.
منذ سنوات إلى وقتنا الحالي وأنا أعاني من وجود شعور الحزن والضيق في قلبي بدل السعادة والأُنس.
الشيخ: هذا الشعور مقبول ولا مردود؟
_نُكمل_: والإقبال على الحياة حتى في أمور الطاعة، وهذا يلازمني من سنوات ويتفاوت ويقوى تارة ويضعف تارة أُخرى، علماً أني أقوم الليل وأعمل على إصلاح إخلاصي لله تعالى، واتباع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لكني في بعض الأحايين أضعف وأشعر أني تائه وبائس، نعم كانت عندي معاصي وقد تبت إلى الله منها، لكن يأتيني هاتف يقول لي أين الله منك؟ لماذا لا يستجيب الله لك؟ لماذا لا يرزقك السعادة وأنت تطلب العلم وتصلي وتدعو وتتصدق؟ أين الخلل؟ هل هذا ابتلاء؟
الجواب:
أُبشرك أخي السائل، أهل الجنة لما يدخلون الجنة، يقولون كما أخبر الله تعالى (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ۖ).
الآية: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ۖ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ)، فاطر (34).
فالحُزن شيء راسخ في قلب الصالح، ذلك أنّ المؤمن حزين مخافة ألّا يقبل الله تعالى منه، مخافة ألّا يكون مقبولاً عنده سبحانه، ولذا أهل الجنة لما يدخلون الجنة يقولون (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ۖ)، لكن هذا الحزن لا يجعل الإنسان سلبياً ولا يحبطه، والمؤمن يعيش بين خوف ورجاء، تارةً صدره ينشرح كأنّ الله راضٍ عنه، يناجيه مناجاة الحبيب لحبيبه، وأحسن مناجاة للعبد لله تعالى أن تقرأ الفاتحة بينك وبين نفسك، الحمد لله رب العالمين وتفهمها، الرحمن الرحيم وهكذا…
أما وجود الحُزن في القلب، فما مِنّا مِن أحدٍ يَعلمُ مَصيره، ما منا من أحد، فنحن نحزن لما نذكر النار، نحزن لكن لا نيأس.
رضي الله عن عمر، قال عمر: لو نادى منادٍ من السماء، أيها الناس كلكم هالكون إلّا واحد قال لرجوتُ أن أكون أنا، ولو نادى منادٍ من السماء أيها الناس كلكم ناجون إلّا واحد لخشيتُ أن أكون أنا، فالمؤمن يعيش بين خوف ورجاء.
أما قولك بأنك طالب علم والله لا يستجيب لك، ما أدراك أنّ الله لم يستجب لك؟ ما معنى استجابة الدعاء؟ أن يعطيك الله ما تريد، هذه واحدة، وهذه أدنى أنواع الاستجابة، تقول أعطني فيعطيك، هذا نوع من أنواع الاستجابة؛ و النوع الثاني وهو أرفع من الأول أن يَصرِف الله عنك من الشر والبلاء بمقدار ما دعوت من خير، هذا نوع من أنواع الاستجابة أيضاً؛ والنوع الثالث وهو الأحسن من النوع الأول والثاني، أن يَدَّخِرَ الله تعالى الدعاء لك عبادة خالصة يثقل بها الموازين يوم القيامة.
فليس كل واحد يقول يا رب أعطني وما أعطاه يكون الله لم يستجب له، كم مِن إنسان قال اللهم أعطني مالاً فكان هلاكه وحتفه وموته بسبب المال؟ وكم من إنسان قال يا رب زوجني فلانة وكانت فلانة امرأة جميلة فكان الاعتداء عليه وقتله بسبب جمال زوجته؟ وهكذا…
ما أحد يدري الخير من الشر، فإذا قلت رب أعطني لا يلزم من عدم عطاء الله لك ما تريد أنّ الله لم يستجب لك، ما أدراك أنّ الله قد صرف عنك من البلاء بمقدار ما دعوت من خير؟ وما أدراك أنّ الله تعالى قد ادّخَرَ هذا الدعاء عبادة تُثَقَّل بها الموازين يوم الدين؟
فهذه نظرة ليست صحيحة، نظرة أن تقول إني دعوت وما استجاب الله لي هذه نظرة غير صحيحة، الله يستجيب لنا بإذن الله تعالى، والله جل في علاه من علامة الاستجابة أن الخير يتبعه خير، من علامة الاستجابة كلما ولجتَ في الخير وَسَّعَ أمامك أبواب الخير، فإن دخلت في خير فهذا الخير الله لا يقطعه عنك، وإنّما تتوسع في خير آخر، وهكذا…
والله سبحانه وتعالى أعلم.
⬅ مجلس فتاوى الجمعة
١٧-جمادى الآخرة -١٤٤٤هـ
٣٠- ١٢ – ٢٠٢٢م
↩ رابط الفتوى:
⬅ خدمة الدرر الحسان من مجالس الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان.✍️✍️
📥 للاشتراك:
• واتس آب: +962-77-675-7052
• تلغرام: t.me/meshhoor