السؤال:
سؤال من امرأة أردنية مات زوجها، وكانت هي في زيارةٍ لابنها في الرياض -وهي بالمناسبة شيخنا كبيرة في العمر-، فجعلت عدتها في بيت ابنها في الرياض، ولها ابنة في الدمام، وابنها يسأل يقول: هل لأمي أن تذهب إلى بيت أختي في الدمام، لأن هذا أيسر لها وأفضل والأجواء هناك أكثر راحة وأكثر رعايةً لها، هل لها يا شيخنا أن تنقل بيت عدتها في مثل هذه الحالة؟
الجواب:
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
من المعلوم أن للزوج حقًا بعد وفاته، وهذا الحق متمثل في العدة، وهذه العدة تجب على الزوجة ويحرم على غيرها من النساء أن تحد أكثر من ثلاثة أيام.
والعدة أن تترك المرأة في عدتها التشوف والتشوق للأزواج، فتترك الزينة والكحل، إلا ضرورة تطببًا لا تزيُنًا، والخضاب ولبس الزاهي من الثياب.
والواجب عليها أن تقضي عدتها في بيت زوجها.
وبالمناسبة أعظم الناس على الإطلاق النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ولعظم حقه على أمته كانت عدة نسائه ممتدةً إلى وفاتهن.
ولذا يحرم عليهن التجمل والتزين والتشوق للأزواج بعد وفاته -صلى الله عليه وسلم-، وهن أمهات المؤمنين، ويبقين في العدة إلى يوم الدين.
وهذا من عِظَمِ حق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أمته.
الانتقال يجوز لضرورة، والضرورة تقدر بقدرها؛ فالمرأة إن خافت على نفسها، كأن تكون شابة وتخاف على نفسها أن يعتدى عليها، وليس عندها من الأولاد، فلها أن تنتقل إلى بيت أبيها أو بيت وليها وتقضي عدتها عندهم، وهذا لا حرج فيه، وكذا إن خافت على نفسها، أو إن لم تجد مقومات الحياة.
أما أنها تمل أو تحتاج إلى شيء فيه ترفه زائد وأكثر، والنفس ترتاح بالتنقل من مكان إلى مكان فالأصل المنع، الأصل في الزوجة أن تقضي عدتها في بيت زوجها، ولا يجوز لها أن تخرج من بيت زوجها إلا لحاجة.
وقد خرجت أم السنابل – رضي الله تعالى- عنها تستفي فقال لها النبي -صلى الله عليه وسلم-: إلزمي بيتك، أي: ابقي في البيت ولا تخرجي وأقرها -صلى الله عليه وسلم- على الخروج للفتوى.
فقال أهل العلم:
الخروج للفتوى مثله التطبب، ومثله عيادة المريض ومثله التعزية والتهنئة بالمقدار اللازم من غير زيادة.
فهذه المرأة إذا ولدها يعتقد أن ذهابها فيه استرواح زائد، وفيه راحة زائدة وإن بقيت عنده فكل الأشياء مؤمنة فيصبرها حتى تنتهي عدتها.
وعدة الوفاة أربع أشهر وعشرًا وتكون هذه الأشهر بالهجري لا بالميلادي.
هذه كلمة حول الجواب وما يلزمه.
والله أعلم.
مداخلة الأخ المتصل:
شيخنا الذي فهمته من أخينا السائل أن العناية بها من ابنتها في الدمام أفضل.
الجواب:
الأفضلية كما يقولون متفاوتة، فإذا كانت عناية الولد طبعًا متمثلة بزوجه وليس بنفسه ولا سيما فيما يخص الطهارة، وقد تضطر لكشف العورة والتغسيل، لأن من الظاهر أن هذا المرأة كبيرة أو ما شابه، فإذا كانت قائمة، فالأصل أن لا تذهب إلا لما تنتهي عدتها، وإذا كانت لا تستطيع إلا أن تذهب وقد تخفى الأسباب على الولد ويرى من أمه إصرارًا شديدًا، ولعله هنالك معاملة ليست حسنة، لا تأخذ ما تريد من النظافة والأشياء التي هي حاجية وليست ترفيهية. فعندنا ضروريات وعندنا حاجيات وعندنا ترفيهيات.
فالضرورات والحاجيات يجوز من أجلها الانتقال، وأما الترفيهيات فلا، الترفيهيات يفوتها زيادة متعة ولا يوجد مشقة، فضلًا عن أن تفقد حياتها وأن تفقد شيئًا من بدنها؛ عضوًا أو أن تصاب بمرض أو ما شابه؛ فالأول الحاجيات والثاني المشقة الزائدة التي لا تستطيع أن تتحملها الحاجيات.
وكثير من الناس بهذه المناسبة في كثير من الفتاوى، وهذه آفة كبيرة وعظيمة، أنهم لا يميزون بين الضروريات والحاجيات، وينزّلِون اقتحام الكبائر كالربا مثلًا ليس للضروريات، وإنما للحاجيات وهذا خطأ كبير وكبير جدًا.
فالتمييز بينهما من الأشياء المهمة، والأشياء التي تلزم في هذا الزمان. وقد مثلت وفصلت وفرقت بأمثلة كثيرة بين الحاجيات وبين الضروريات في شرحي على منظومة ابن السعدي، في الكتاب المعنون -بالتعليقات الأثرية في التعليق على المنظومة السعدية-.
هذا والله أعلم.
مداخلة الأخ المتصل:
شيخنا بالمناسبة المطلقة إذا اعتدت في بيت أبيها وليس في بيت زوجها؛ كأن تكون الطلقة الثالثة أو لخلافٍ نشبَ بين الزوجين، واستحال مقامها في بيت زوجها ماذا عليها شيخنا غير الامتناع؟
الجواب:
أما المطلقة فهي زوجة، ويحرم عليها أن تنتقل إلى بيت أبيها أو وليها، والواجب شرعًا أن تبقى عند زوجها وزوجها يزهد في أن يقربها مدة ثلاث حيضات، وإذا لم تكن من أهل الحيض ثلاثة أشهر فحينئذ تنتقل بانتهاء الأشهر الثلاثة أو برؤية الحيضة الثالثة، فحينئذ تصبح أجنبية، لا تظهر شيئًا من مفاتنها ومن زينتها على زوجها.
وأما المطلقة وهي في العدة؛ فتتزين لزوجها كما هي زوجة، ولو مات زوجها لورثته وهو يرثها لو ماتت بالعدة، فالمرأة المعتدة، وأعني المعتدة الطلقة الأولى والثانية غير البائن بينونة كبرى والبائن بينونة كبرى فيه خلاف بين أهل العلم، ولسنا الآن بصدد هذا الكلام والتفصيل فيه.
لكن المرأة المطلقة الأصل فيها أن تبقى في بيت زوجها، وذلك من أجل التقارب بينهما .
ومن المعلوم أن الزوج إذا مضت عليه مدة واحتاج للجماع، فإنه يبدأ يراجع نفسه، ولعل حاجته هي التي تسعف في الإصلاح بين الزوجين.
والإنسان يتعامل مع الإنسان وينظر إلى ضعفه، فهو لا يسمو به سموًا كما يقولون لا يعيشه في مملكة أفلاطون، وإنما ينظر للإنسان بحاجياته وما شابه.
وأما إذا الزوج ما أراد أن تكون هذه الزوجة عنده، ونقلها إلى بيت أبيها فتذهب قطعا لبيت أبيها وحينئذ -بارك الله فيك- تبقى زوجة، وهو الآثم في نقلها إلى بيت أبيها أو بيت وليها، ليس الطلاق أن تفتح الباب وترميها خارج المنزل، المرأة ينبغي أن تعتد مدة ثلاثة شهور ولها أن تخرج، وتبقى حياتها كحياتها العادية، وليس محرمًا عليها الزينة.
وفرق كبير بين المعتدة من طلاق والمعتدة بوفاة، فرق كبير بينهما.
ومما ينبغي أن يذكر ويغفل هذا على الناس، وهذا أمر مجمع عليه عند أهل العلم: التي عُقِد عليها ولم يدخل بها الواجب العدة، في عدة وفاة، الواجب عليها في عدة وفاة.
أما المرأة المطلقة -بارك الله فيك- فتبقى على حالها في خروجها ودخولها وما شابه.
والآن مسألة مهمة نحتاجها كثيرًا، من ولي المرأة؟
المرأة يجب عليها أن تطيع الولي التي هي محبوسةٌ عنده؛ فالمرأة تقدم طاعة الولي المحبوسة عنده.
بتعبيرنا الدارج ( المرأة لما تحرد وتروح عند أبيها فأمر أبوها مقدم على أمر زوجها).
والمرأة عند زوجها مقدم أمر زوجها على أمر أبيها.
فالمرأة الآن لما تعتد وتذهب إلى بيت أبيها وزوجها يريدها، لا يجوز لها أن تذهب إلى بيت زوجها إلا بموافقة ولي أمرها، إما الأب وإما الأخ وإما العم إلى آخره.
لكن عدة الطلاق غير عدة الوفاة، المطلقة تبقى في بيت زوجها، وتبقى حالها كحالها قبل الطلاق.
بمعنى تذهب للعمل وتنتقل من مكان لمكان تبقى حالها بالضوابط الشرعية والأمور المرعية.
والله تعالى أعلم.✍️✍️
↩️ الرابط:
⬅ خدمة الدرر الحسان من مجالس الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان.
📥 للاشتراك:
• واتس آب: +962-77-675-7052
• تلغرام: t.me/meshhoor